DW :
د . علاء الأسواني :
بطل هذه الواقعة اسمه حسام جابر ماضي، رجل مصري بسيط يعمل حلاقا ضاق رزقه في مصر فسافر ليعمل في السعودية وبسبب وباء كورونا، تم اغلاق المحل الذي يعمل فيه فأصبح عاطلا ومفلسا وقدم طلبات عديدة إلى السفارة المصرية لتساعده على العودة إلى مصر (وهذا حق دستوري لكل مصري).. تجاهلت الحكومة المصرية حالة حسام كما تجاهلت عشرات الآلاف من المصريين العالقين مثله في السعودية والكويت وكلهم من العمال البسطاء الذين فقدوا أعمالهم ونفذت أموالهم.
لم تكتف الحكومة المصرية بتجاهل مواطنيها بل انها راحت تؤجر طائرات شركة مصر للطيران لارجاع مواطنين غربيين إلى بلادهم، ثم اشترطت على المصريين الذين يريدون العودة أن يدخلوا في حجر صحي في فنادق فاخرة مقابل آلاف الجنيهات على حسابهم، ولأن العالقين في الكويت والسعودية مفلسون لم يكن باستطاعتهم تنفيذ هذا الشرط. قامت السلطات الكويتية بتخصيص معسكرات لإقامة المصريين العالقين وأعاشتهم وطلبت مرارا من السلطات المصرية اجلاءهم.
استمر المسؤولون المصريون في سياسة الاستعباط مما أدى إلى نفاد صبر العالقين في الكويت فبدأوا في التظاهر مما اضطر السلطات الكويتية إلى الاستعانة برجال الأمن للسيطرة على الوضع، ثم أعلن وزير الداخلية الكويتية انذارا أخيرا إلى الحكومة المصرية فقبلت في النهاية أن تعيد المصريين العالقين ولكن بشرط أن تكون العودة على حساب الكويت الأمر الذي اعتبره المسؤولون الكويتيون ابتزازا معيبا. نفس التجاهل مارسته الحكومة المصرية مع العالقين في السعودية مما أصابهم باحباط شديد.. عندئذ ظهر حسام ماضي في فيديو بثه على فيسبوك ووجه رسالة إلى المسؤولين المصريين قائلا:
“نحن مفلسون وعاطلون وكل ما نطلبه العودة إلى مصر. إذا لم ترجعونا إلى مصر فاننا سننظم وقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية في الرياض”.
كل ماقاله حسام عادي وطبيعي ولو انه في دولة ديمقراطية لكان كلامه مقبولا تماما فهو أولا يوجه تهديده إلى الحكومة المصرية وليس السعودية، وثانيا هو لم يهدد بممارسة العنف وانما أعلن عن وقفة احتجاجية سلمية تسمح بها كل القوانين والاتفاقيات الدولية باعتبار التظاهر السلمي حق أصيل من حقوق الانسان، لكن السعودية محكومة بالحديد والنار خارج أي قانون ولازلنا نذكر المرحوم جمال خاشقجي الذي تم قتله وتقطيع جثته بالمنشار في السفارة السعودية في تركيا لمجرد أنه قال بعض الآراء التي لم تعجب محمد بن سلمان.
ما أن صدر الفيديو حتى تم القبض على حسام ثم ظهر فيديو آخر محزن يبدو فيه رجال الأمن السعوديون (بملابس مدنية) وهم يسحلون حساما بلا رحمة على الأرض ويداه مكبلتان بقيد حديدي بينما هو يتوسل إليهم ويؤكد باكيا انه لم يقصد بكلامه الحكومة السعودية.
بدأت وسائل الاعلام المصرية التشكيك في الفيديو وزعمت أنه مفبرك لكن السلطات السعودية لم تعلن أي نفي لواقعة السحل بل أكدت انها قبضت على حسام ووضعته في السجن لقيامه بالتحريض على التظاهر، ثم ظهر فيديو آخر لعم حسام الذي يعمل أيضا في السعودية فلم ينف واقعة السحل لكنه ناشد الرئيس السيسي التدخل لانقاذ حسام.
هكذا تأكدت واقعة سحل حسام بواسطة الأمن السعودى لمجرد انه هدد بتنظيم وقفة احتجاجية اذا لم تمنحه الحكومة المصرية حقه كمواطن في العودة إلى بلاده. المؤسف أن سحل حسام ليس سلوكا جديدا فكثيرا ما تقع حوادث مشابهة يتعرض فيها المصريون للضرب والاهانات وتنكيل جهات الأمن في دول الخليج، وفي كل مرة تؤكد الحكومة المصرية انها حادثة فردية لا تؤثر أبدا على العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين أما الناس في مصر فهم يتعاطفون كثيرا مع المصريين الذين يتعرضون للظلم والاذلال في الخليج لكنهم نادرا ما يفكرون في هذا السؤال:
“لماذا لا يهتم نظام السيسي بمصالح المواطنين وكرامتهم خارج مصر؟!”
بعض المصريين يعتقدون ان حرص الرئيس على كرامة مواطنيه ومصالحهم موضوع أخلاقي بحت وهم يؤمنون أن الرئيس الحنون الطيب سيهتم بمواطنيه بينما الرئيس الشرير الفاسد لن يهتم بهم. الحق ان اهتمام الرئيس بمواطنيه ليس موضوعا أخلاقيا فقط وانما هو في الأساس موضوع سياسي. ان الرئيس في دولة ديمقراطية الذي يقيم الدنيا ويقعدها لأن أحد مواطنيه قبض عليه في الخارج لايفعل ذلك لمجرد انه رجل طيب، وانما هو مجبر على ذلك بموجب عقد عمل وقعه مع الشعب وهذا العقد ينص بوضوح على واجبات الطرفين فالمواطن ينتخب الرئيس ويدفع الضرائب ويلتزم بالقانون والرئيس بالمقابل مجبر على رعاية مواطنيه لأنه يعمل في خدمتهم ولأنهم قد يسحبون منه الثقة في أي لحظة فيفقد منصبه.
بدون وجود هذا العقد لن يهتم الرئيس أبدا بمصالح مواطنيه لأنهم عندئذ يفقدون عمليا صفة المواطنة ويتحولون إلى رعايا لايملكون للرئيس ضرا ولا نفعا، وهو يستطيع ببساطة أن يعتقلهم ويلفق لهم التهم ويلقي بهم في السجون وبالتالي فهو لا يعبأ بمصالحهم بل بمصالح نظامه فقط بدون أن يقلق أبدا من ردود افعالهم. هناك قاعدة ذهبية أدركها العالم كله: “اذا لم تملك اختيار الرئيس ومحاسبته وسحب الثقة منه فلا تتوقع منه أن يرعى مصالحك لأنك لاتعنيه في شيء”.
المشكلة إذن ليست في شخصية الرئيس وليست في مدى حسن أخلاقه وتقواه، لكنها أساسا في وجود نظام ديمقراطي يمكن المواطنين من اختيار الرئيس ومحاسبته وعزله عند الضرورة وبدون هذا النظام سيستمر سحل المصريين في الخليج. فقط عندما نتخلص من الاستبداد سنسترد كرامتنا
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com