محاربة الاستعمار فكرياً.. تأسيس مدارس منتدى النشر أنموذجاً

  موقع الاجتهاد :

 كان يشرف الشيخ المظفر (قدس سره) على سير التدريس بنفسه في مدارس منتدى النشر الابتدائية والثانوية، ومن دون أن يشعر بذلك هوانا على نفسه، وكان يتفق أن يباشر التدريس في بعض الصفوف الأولية من الكلية وهو يحمل شهادة الاجتهاد ویزاول التدریس العالي.
وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ لقد لمس الاستعمار، منذ عهد ليس ببعيد أنه لا يستطيع أن يحافظ على مصالحه الاستعمارية في البلدان الاسلامية ما لم يتراجع الاسلام، وما لم يزحزح هذه العقيدة عن نفوس المؤمنين فلا يمكن أن يسمح الاسلام، وهو يحكم بلاده، أن ينفذ الاستعمار في البلاد، ويضع يديه على مصالح المسلمین وثمرات بلادهم.

وأدرك الاستعمار ان لا حيلة له مع الشيوخ والشباب الذين نشأوا على هذه العقيدة. والسبيل الوحيد للعمل هو الاهتمام بتوجيه الناشئة توجيها لا اسلامية في مدارس خاصة، تفتح لهذا الغرض،

ومازلنا نتذكر في هذا الصدد: «أن رجال الدين كانوا من أكبر دعاة الثورة في العراق خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، وهذا مما دعا رجال الحكم الى انشاء المدارس الحديثة لكي يضعفوا بها الدين في نفوس الجيل الجديد ويقتلعوا بذلك جذور الثورة من أساسها».

وقد أدرك العلماء يومذاك خطورة الموقف الجديد فدعوا المسلمين الى مقاطعة المدارس الرسمية والى مقاومة التيار الاستعماري الجديد وقد أوشكت هذه الخطة أن تموت في مهدها ولا ترى النور، لولا أن فكرة المقاومة استمرت في اطارها السلبي ولم تتجاوز حدود (الرفض) و (المنع).

وبقت الدراسة والتربية في بعض البلدان الاسلامية مهنة يباشرها بعض الكتاتيب بأساليب قديمة بالية، تذكر الانسان بأساليب التربية والتعليم في القرون الوسطى

ولم يحاول أحد توسعة مناهج التربية والتعليم وتطوير أساليب الدراسة والتربية ومواكبة التطور التربوي والدراسي في العالم.

فلم يمض حين من الزمن حتى اكتسح سيل التجديد والتطوير في أساليب التربية والتدريس كل هذا الجهد، والتجأ المسلمون الى أن يرجعوا الى أحضان هذه المدارس بما تحمل من مفاهيم وأفكار بعيدة عن آفاق الفكر الاسلامي.

وظهرت بوادر الاستعمار في البلاد الإسلامية، فوقف علماء النجف الاشرف امام الاستعمار، وجها لوجه، واشتد الصراع بين العلماء والاستعمار ونجح المسلمون في القضاء على الاستعمار بعد صراع طويل،

لكن المقاومة لم تتجاوز حدود الصراع والجهاد ولم تدخل دور التكوين والتخطيط، وبقي المسلمون يعانون في حياتهم الاجتماعية من فراغات هائلة، واستطاع الاستعمار أن ينفذ مرة جديدة في البلاد الاسلامية عن طريق هذه الفراغات، يسترجع منها مراكزها الاستراتيجية والدبلوماسية، وان يملأ هذه الفراغات عن طرق غير مشروعة.

ولم يخف هذا الطابع السلبي في تاريخنا المعاصر على دعاة الاصلاح والفكر في النجف الاشرف وما يتصل بها من مراكز الفكر الاسلامي، فقام دعاة الاصلاح هنا وهناك يدعون الى تهيئة الأجواء لمواكبة الأوضاع الاجتماعية وتخطيط الحياة الاجتماعية بالشكل الذي يملأ على المستعمر أي فراغ من الفراغات الهائلة التي نعانيها في حياتنا الحاضرة.

وتنفيذا لهذه الخطة قام هؤلاء بتجربة تأسیس مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية تدرس فيها مناهج المعارف، بالاضافة الى المناهج الاسلامية وتجاري المدارس الحكومية في شكلها ومحتواها وتطورها وتوسعها، في الوقت الذي تحافط فيها على جانب التوجيه الاسلامي.

وفي سوريا تبني هذه الدعوة الايجابية السيد محسن الأمين فأسس في الشام مدارسه المعروفة باسمه والتي ما تزال قائمة تؤدي رسالتها الإصلاحية، وتبناها السيد شرف الدين في لبنان فأسس لها المدارس الجعفرية (بصور) فاخضعها للمناهج الحديثة وأحاطها بعنايته وتوجيهه»(2)..

وفي ایران تبنى الفكرة الشيخ عباس علي الاسلامي ففتح المدارس الاسلامية وقد لاقت هذه المدارس اقبالا منقطع النظير من قبل الناس وانتشرت في المدن والقرى بصورة واسعة.

وفي النجف الاشرف تبني الفقيد الشيخ محمد رضا المظفر لأول مرة هذه الفكرة وحاول تحقيق هذه المهمة بما أوتي من امكانات واسعة.

وقد لاقى الشيخ المظفر في هذا السبيل كثيرة من العناء وبذل من نفسه الشيء الكثير حتى كاد أن ينسى نفسه في سبيل الوصول الى الغاية.

وقد كان يشرف على سير التدريس بنفسه في المدارس الابتدائية والثانوية، ومن دون أن يشعر بذلك هوانا على نفسه، وكان يتفق أن يباشر التدريس في بعض الصفوف الأولية من الكلية وهو يحمل شهادة الاجتهاد ویزاول التدریس العالي.

كانت هذه المهمة من جملة الاسباب التي دعت الشيخ المظفر الى تأسیس جمعية منتدى النشر .

ففي المادة الرابعة من نظام الجمعية مقاصد المنتدى تعميم الثقافة الاسلامية والعلمية والاصلاح الاجتماعي بواسطة النشر والتأليف والتعليم وغير ذلك من الطرق المشروعة

وقد قدر للشيخ المظفر في هذا السبيل أن يحظى بشيء كثير من التوفيق يتخلله الفشل، ويخالطه الاخفاق، ولا يفتر شیء منهما من عزيمة الشيخ المؤسس رحمه الله تعالی.

فمن أهم الأعمال التي توجه اليها تأسيس المدارس الدينية ايمانا منه بأن تربية الناشئة تربية دينية وتوجيههم الى العلم والاخلاق الفاضلة من أفضل الواجبات المفروضة على الرجل الديني في هذا العصر.

وخير السبل القويمة لتحقيق أهدافه الاصلاحية في نشر الثقافة الدينية وبعث الروح الاسلامية في النفوس وتقويم الأخلاق ومقاومة روح التمرد التي جلبتها النهضة الغربية الحديثة الاستعمارية بقصد الاستيلاء على معنويات البلاد الاسلامية و تحطيم القوى الكامنة في نفوس المسلمين حتى خلقت من تلك النفوس الأبية عبيدة لاغراض الاستعمار من حيث يشعرون ولا يشعرون، وحتى لم يبق من الاسلام الا اسمه ومن عزة الايمان الا خيالها.

وقامت محاولات في تأسيس المدارس على اختلافها عالية وابتدائية فنجح في بعض وفشل في بعض، وليس في ذكر مواطن الفشل من حزازة على مؤسسة تريد الخدمة الخالصة فتوضع العراقيل في سبيل محاولاتها»(3).

وفي سنة ۱۳۵۷ تأسس صف لدراسة العلوم العربية والمنطق والفقه والادب العربي وبعض الفروع الاخرى واستمر الى آخر السنة وكان نجاحه مما شجعه أن يفتح في السنة ۵۷/ ۵۸ الدراسية ثلاث صفوف وقد نجح هذا المشروع في تلك السنة وبلغ طلابه ۱۵۰ طالباً وحصل في خلال السنة اعترافا من وزارة المعارف، وهو أول اعتراف تعطيه الوزارة لمدرسة دينية

واعتبر هذا من بشائر النجاح للمشروع، غير أن وزارة المعارف بعد خمسة اشهر من الاعتراف عدلت فألغت اعترافها فأحدث هذا الالغاء رجة عنيفة في الأوساط الدينية بالنجف، وكاد أن يقضي هذا الالغاء على مشروع الدراسة لولا انهم حصلوا على الاعتراف ثانية بعد سنة.

وقد تم له في سنة 1364 بقوة الاستمرار ان يفتح أربعة صفوف باعتبارها قسماً متوسطاً للعلوم الدينية مع صف تحضيري قبلها.

وفي سنة ۱۳۵۷هـ حاول برغبة جماعة من أعيان البصرة أن يفتح فرعا له هناك وفشلت المحاولة الاسباب موضعية.

وفي سنة ۱۳6۱هـ قدم جماعة من وجوه الكاظمية طلباً بفتح مدرسة ابتدائية دينية باسم مدرسة منتدى النشر الدينية واستصدرت من وزارة المعارف اجازة فتح المدرسة وقد نجح هذا الفرع نجاحا باهرة.

ولهذا الفرع قسمان نهاري ومسائي وكل منهما في ستة صفوف.

وفي سنة1362هـ قدم جماعة من وجوه الحلة وبعض رجال الدين فيها طلبأ بتأسيس فرع لمدرسة عالية للعلوم الدينية في بلدة الحلة فأمعنت الجمعية في تحقيق هذه الفكرة غير ان معارضة محلية غير منتظرة شوشت على القائمين بالعمل.

وفي سنة 1363هـ نشأت فكرة تأسيس مدرسة ابتدائية دينية بالنجف لتزود المدرسة المتوسطة بمتخرجيها. وما تزال هذه المدرسة تؤدي رسالتها.

وقد الغيت بعد ذلك متوسطة منتدى النشر وتجدد فتحها كما قدمت جمعية منتدى النشر برئاسة الشيخ المظفر اقتراحاً الى وزارة التربية والتعليم بفتح اعدادية اسلامية تعد الطالب للدراسات الاسلامية وللعلوم العربية وقامت هي بتأسيس هذا الفرع في بنايتها الخاصة واعترفت بها وزارة التربية والتعليم وباشرت بمهمة التعليم في الفرع ابتداء من سنة ۱۳۸۳هـ.

وبناية منتدى النشر تضم في الوقت الحاضر مدارس اربع ابتدائية ومتوسطة واعدادية وكلية يهيء السابق منها الطالب للمدرسة التي تليها.

* من كتاب”الشيخ محمد رضا المظفر وتطور الحركة الإصلاحية في النجف” لآية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي
…………

عن leroydeshotel

شاهد أيضاً

نيوزيلندا تدرج “حزب الله” اللبناني و”أنصار الله” على قائمة الإرهاب

RT : أعلنت نيوزيلندا تصنيفها “حزب الله” اللبناني وحركة “أنصار الله” الحوثية في اليمن “منظمتين …