تواصلت التصريحات الفلسطينية الرسمية والتنظيمية المنددة بقرار بعض البنوك إغلاق حسابات تعود لأسرى محررين، وسط مطالبات برفع الغطاء عن تلك البنوك، التي رضخت للمطالب الإسرائيلية، في الوقت الذي أعلنت فيه عدة جهات تتابع ملف الأسرى، بأنها ناقشت مجموعة من الأفكار والإجراءات، لمواجهة قرارات الاحتلال.
وفي خطوة لم تكن متوقعة بأن ترضخ بعض البنوك الفلسطينية، التي تعمل وفق تراخيص ممنوحة من سلطة النقد الفلسطينية وهي بمثابة (البنك المركزي)، وتلتزم بالقوانين الفلسطينية، إلى مطالبات عسكرية إسرائيلية تلزمها بوقف التعامل البنكي مع حسابات الأسرى، وافقت بعض تلك البنوك على المطالب الإسرائيلية، وقام بعضها بإغلاق حسابات لعدد من الأسرى تدفع لعوائلهم إعانات من السلطة الفلسطينية لمساعدتهم اجتماعيا.
وقد جاء قرار تلك البنوك، استجابة لقرار عسكري إسرائيلي، هدد التي تستمر منها بالاحتفاظ بالحسابات البنكية للأسرى، بأنها ستعرض نفسها وموظفيها للإدانة، وهو ما يترتب عليه عقوبات بالسجن تصل إلى سبع سنوات وغرامات مالية.
وطالب التحذير الذي صدر عن الجهات العسكرية الإسرائيلية، البنوكَ بضرورة تجميد حسابات الأسرى أو من ينوب عنهم، وتحويل الأموال الموجودة فيها إلى قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، وتضمن التحذير إطلاق أوصاف على البنوك التي تستمر بفتح حسابات للأسرى، بأنها “هيئات تقدم مساعدة حقيقية للإرهاب”.
وخلال اليومين الماضيين طلبت بعض البنوك العاملة في المناطق الفلسطينية، وهي بنوك عربية لها فروع داخل المناطق الفلسطينية، من بعض الأسرى المحررين وذويهم، بالبحث عن بديل آخر، بعد أن أبلغتهم بأنها ستغلق حساباتهم، ويتردد أن تلك البنوك وصل إليها بلاغ عسكري إسرائيلي يطالبها بتنفيذ هذه الخطوة.
وعلمت “القدس العربي”، أن هناك الكثير من الأسرى المحررين، توجهوا على عجل لسحب أرصدتهم البنكية، خشية أن يطالها قرار تجميد الحسابات، ومصادرة ما فيها من أموال لتنقل إلى القائد العسكري لجيش الاحتلال، بناء على الأوامر المتخذة في إسرائيل، فيما لم يعرف الأسرى الذين أبلغوا بتجميد حساباتهم، والآخرون الذين لهم حسابات في بنوك لم تحدد موقفها بعد من القرار العسكري الإسرائيلي، ما الذي ينتظرهم في قادم الأيام.
ورداً على ذلك، قام مسلحون الليلة الماضية، بإطلاق النار على فرع لأحد البنوك الذي قيل إنه أوقفت رواتب بعض الأسرى لديه، كما علقوا ملصقات على فروع أخرى للبنك تحذره من مواصلة هذه الإجراءات.
وأقدم شبان غاضبون على إطلاق النار نحو فرع “بنك القاهرة عمان” في مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، على خلفية إيقافه بطاقات بنكية لأسرى ومحررين، وأخبرهم بضرورة سحب أرصدتهم لإغلاق حساباتهم البنكية، وذلك بـ”أوامر خارجية عليا”.
وعلّق الشبان ملصقات قالوا فيها إن “القدس توجد بين القاهرة وعمّان، وأن القرار مشين، ويجب التراجع عنه”.
وجاء في الملصقات أيضًا: “التزامكم بالقرار العسكري لسلطة الاحتلال بتجميد حسابات الأسرى، هو وصمة عار، وانحياز واضح للاحتلال، وتجاوز للسيادة الوطنية، وأنتم ملزمون بالتراجع عن هذا القرار المشين فورا، ترخيصكم فلسطيني فاجعلوا قراركم فلسطيني”.
وذكرت مصادر محلية، أنه جرى رصد حريق في فرع البنك في أريحا، وإلقاء زجاجات حارقة على فرعه في بيت لحم جنوبي الضفة الغربية.
وفي حال لم تتمكن السلطة الفلسطينية من حل الأزمة، فإن ذلك سيعيق عملية إيصال تلك الأموال التي تستعين بها عوائل الأسرى والشهداء، لتدبير أمور حياتها، خاصة وأن هناك أسرى في سجون الاحتلال تركوا خلفهم عوائل كبيرة تضم أطفالا، وتعتمد على تلك الأموال، فيما هناك الكثير من العوائل التي فقدت معيلها الرئيس، سواء الأب أو الابن، بعد استشهاده بنيران الاحتلال، وتستلم مساعدات شهرية من الحكومة الفلسطينية، لإعانتها على الحياة.
وقد عملت إسرائيل على ملاحقة الأسرى المحررين، من خلال استهدافهم بمصادرة أموال لهم يحتفظون بها في منازلهم، كما قامت بمصادرة أصول مالية ككميات من الذهب، وفي كثير من الأحيان قامت بمصادرة مركباتهم، خلال حملات دهم طالت العديد من المناطق الفلسطينية، وبدا واضحا أن عمليات المصادرة تلك، كانت جزءا من مخطط السيطرة على أموال الأسرى التي يتقاضونها من السلطة الفلسطينية، التي رفضت الخضوع منذ العام الماضي لطلب إسرائيلي، بوقف دفع مخصصات مالية لأسر الشهداء والأسرى، وهو ما قابلته حكومة الاحتلال، بخصم جزء كبير من عوائد الضرائب الفلسطينية.
وعقب بدء تنفيذ أوامر الاحتلال من قبل بعض البنوك، دعت قيادة الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، إلى رفع الغطاء عن تلك البنوك، وقالت في بيان سُرب من السجون صبيحة الجمعة: “ندعو المؤسسات الرسمية والحقوقية والجمعيات المتعلقة بمتابعة شؤون الأسرى إلى رفع الغطاء عن هذه البنوك ومحاسبتها لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء من نضال شعبنا وتضحياته والمس بكرامة أبناء شعبنا”، كما دعت إلى مقاطعة رسمية وشعبية لتلك البنوك التي وصفتها بـ”اللاوطنية” وتجريمها، مشيرة إلى أن هذه الخطوة “مقدمة خطيرة لضرب الوعي الوطني الفلسطيني”، كما دعت السلطة الفلسطينية إلى التمسك بموقفها الواضح تجاه المواصلة في متابعة أسر الشهداء والأسرى والجرحى وعدم الرضوخ إلى الضغوط، وإجبار سلطة النقد بعدم التعاطي مع قرارات الاحتلال.
وحذر الأسرى المحررون في بيان أصدروه، البنوكَ وطالبوها بالتراجع عن هذه الإجراءات والوقوف إلى جانب عوائل الأسرى وعدم الخضوع لإملاءات الاحتلال.
وكان المتحدث الرسمي باسم الحكومة إبراهيم ملحم، أكد أن رئيس الوزراء محمد اشتية أوعز بتشكيل لجنة برئاسة محافظ سلطة النقد، تضم وزير شؤون الأسرى، وجمعية البنوك، وممثلا عن وزارة المالية، لدراسة التهديدات الإسرائيلية ضد البنوك التي تقدم خدماتها لذوي الأسرى والشهداء، ورفع التوصيات اللازمة لمواجهتها، معلنا رفض الحكومة الخضوع للضغوطات الإسرائيلية، وقال إنها ستظل وفية للأسرى والشهداء، ومحافظة على حقوقهم مهما بلغت الضغوطات، مؤكدا أن الحل لهذه الأزمة بالنسبة للبنوك هو حل جماعي وليس حلا فرديا.
وقد أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر، أن الدفاع عن حقوق الأسرى والمحررين وعائلاتهم واجب والتزام وطني، “ولن يتم التراجع مهما كلف الثمن”، واعتبر أن تهديدات حكومة الاحتلال بالحجز على حسابات الأسرى في البنوك تمثل “جريمة”.
وفي هذا السياق، دعت مؤسسات وهيئات مختصة بشؤون الأسرى، سلطةَ النقد الفلسطينية والحكومة، لإصدار تعليمات للبنوك بعدم إغلاق حسابات عوائل الأسرى تحت أي ذريعة كانت، كونها تعمل وفقا لقانون المصارف الفلسطيني، كما دعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية وكافة الفصائل، لاتخاذ قرارات تستند إلى حقيقة أن الاحتلال قوّض من الناحية العملية كافة الاتفاقيات، ويعيد احتلال الضفة الغربية احتلالاً مباشراً ما يستدعي الاستعداد والعمل الجدي لمواجهة إجراءات الاحتلال بمضامين عملية وإجرائية، وأكدت الهيئات والمؤسسات أنها ناقشت مجموعة من الأفكار والإجراءات التي سيتم الإعلان عنها لاحقاً وبالتنسيق مع كافة القوى الفلسطينية، لمواجهة إجراءات الاحتلال وقراراته.
بدوره، قال حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس هيئة الشؤون المدنية، إن قرار إغلاق حسابات الأسرى في البنوك “يمسّ كرامة كل فلسطيني”، مؤكدا على الرفض الفلسطيني له، كونه يمثل “انصياعا لإرادة الاحتلال”، وتمنى خلق “حالة اجماع وطني فلسطيني في حماية أسرانا وحقوقهم والحفاظ على كرامتهم”.
واستنكرت حركة حماس بشدة إغلاق عدد من البنوك حسابات الأسرى الفلسطينيين وحرمانهم من مستحقاتهم، مطالبةً سلطة النقد بالقيام بواجبها.
وقال الناطق باسم الحركة فوزي برهوم: “ما قامت به البنوك استجابة واضحة لإملاءات الاحتلال الإسرائيلي، وانحراف خطير عن مسارها القيمي والأخلاقي تجاه أبناء الشعب الفلسطيني”، وطالب برهوم سلطة النقد الفلسطينية بالقيام بدورها وواجبها في حماية حقوق الأسرى، وعدم السماح لأي من البنوك والمصارف بتنفيذ سياسة الاحتلال والانصياع لقراراته.
وطالب القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الأسير المحرر خضر عدنان، سلطة النقد بتوضيح رسمي لحقيقة ما يجري، وقال “إن وقف البنوك لحسابات الأسرى والمحررين يعني الاستجابة لأمر الإدارة المدنية الإسرائيلية، وهذا عمليا يدل أنه لا سيادة ولا قرار للسلطة الفلسطينية على البنوك العاملة بالضفة”.
وحذر من خطورة ذلك على صعيد دفع بنوك أخرى لتحذوا حذو من استجاب للاحتلال، كما طالب سلطة النقد بجمع البنوك العاملة بالضفة المحتلة على “وثيقة شرف وطنية” ترفض إملاءات الاحتلال بشأن ذوي الشهداء والأسرى والمحررين.