قرار استراتيجي أم ضغط تكتيكي.. لماذا قررت ألمانيا حظر حزب الله؟
الخليج الجديد :
“سيضر بالعلاقات مع بيروت وحكومتها”..
سوقت دوائر صنع القرار في ألمانيا لهذه الحجة على مدار السنوات الماضية كمبرر لرفض برلين إدراج الجناح السياسي لـ”حزب الله” اللبناني على قائمة المنظمات الإرهابية، باعتبار أن الحزب متحكم رئيسي في قرار الحكومة اللبنانية، ما أثار التساؤلات حول سبب تراجعها مؤخرا مع إعلان وزارة الداخلية الألمانية حظر أنشطة الحزب في 30 أبريل/نيسان الماضي.
وتكتسب هذه التساؤلات أهمية خاصة لاعتبارين أساسين؛ الأول هو أن لـ”حزب الله” قواعد شعبية كبيرة في ألمانيا، وتصفه أجهزة الاستخبارات فيها بأنه مجموعة عقائدية على درجة كبيرة من التنظيم، سواء في العمل السياسي بصفته منظمة سياسية، أو العمل غير السياسي عبر الجمعيات التابعة له.
والثاني هو تمتع برلين بعلاقة مختلفة مع الحزب عن باقي الدول الغربية، إذ سبق أن لعبت ألمانيا دور قناة الاتصال والتفاوض بين الحزب والغرب من جانب، وبين الحزب ودولة الاحتلال الإسرائيلي من جانب آخر.
وتنضم ألمانيا بقرار حظر “حزب الله” إلى دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ودول في أمريكا اللاتينية اتخذت سابقا هذه الخطوة، وبذلك يكون استخدام أي رموز للحزب وأي اتصال مع أي شخص يعمل نيابة عنه مجرما في ألمانيا، دون تمييز بين جناح سياسي وآخر عسكري.
وتعود بداية إصدار القرار إلى ديسمبر/كانون الأول الماضي حين وافق البرلمان الألماني على مقترح يحث حكومة المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” على حظر جميع أنشطة “حزب الله” على الأراضي الألمانية، مبررا ذلك بممارسة الحزب لأنشطة إرهابية خاصة في سوريا، وهي الموافقة التي شرعت وزارة الداخلية الاتحادية بعدها في إعداد إجراءات الحظر وأصدرت تعليماتها إلى هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية) بتحديد شبكات الحزب في ألمانيا وجمع الأدلة التي تثبت ارتباطها به.
لكن المبرر الرسمي لا يقدم إجابة واقعية لتساؤلات المراقبين بشأن أسباب الموقف الألماني، إذ إن نشاط الحزب معلوم لبرلين منذ سنوات طويلة، تماما كعلاقته بإيران، لكن هذه العلاقة بين “حزب الله” وطهران ترجح أن تغير الموقف الألماني قد يكون جزءا من “حملة أقصى ضغط” التي تنفذها دول غربية ضد إيران وتقودها الولايات المتحدة.
حسابات أمريكية؟
ووفق هذه الفرضية، يرى الباحث اللبناني المقيم في الولايات المتحدة “حسن منيمنة” أن قرار برلين ينسجم بالأساس مع الحسابات الأمريكية المتعلقة بكيفية التعامل مع “حزب الله”، مشيرا إلى أن النقاش قد حسم داخل الولايات المتحدة بشأن مدى ومستوى الضغط الذي يمكن أن يمارس على “حزب الله” وقادته ومسؤوليه، وما إذا كان يجب التشدد فيه ليشمل مسؤولين ووزراء لبنانيين تابعين لـ”حزب الله”.
ووفقا لـ”منيمنة” فإن واشنطن باتت ترى حاليا أن التراخي في فرض العقوبات لم يؤد لنتيجة، بل فسح المجال للمنسجمين مع إيران وتطلعاتها.
ومن هذا المنطلق، دعا “ريتشارد جرينيل” السفير الأمريكي السابق في ألمانيا الذي أصبح لاحقا مستشارا للرئيس الأمريكي “ترامب”، في سبتمبر/أيلول الماضي، دعا إلى حظر النشاط السياسي لـ”حزب الله” في ألمانيا، على غرار ما فعلت بريطانيا وهولندا، وكتب في مقال نشرته صحيفة “دي فيلت” الألمانية آنذاك أن “هذا سيمنع الحزب من حشد المؤيدين وجمع التبرعات وسيسمح لألمانيا بتوجيه رسالة قوية تظهر أنها لا تتسامح مع العنف والكراهية المعادية للسامية والإرهاب في أوروبا”.
وخلال زيارة إلى برلين العام الماضي، صرح “بومبيو” للصحفيين بأنه يأمل أن تسير ألمانيا على نهج بريطانيا في حظر “حزب الله”.
وأدرجت الولايات المتحدة، في يوليو/تموز الماضي، للمرة الأولى مسؤولين لبنانيين بارزين على قائمة العقوبات التي تضم أشخاصا تتهمهم واشنطن بتقديم الدعم لمنظمات إرهابية، وشمل القرار الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة عضوين في البرلمان اللبناني هما “أمين شري” و”محمد حسن رعد”، ومسؤولا أمنيا مكلفا بالتنسيق بين “حزب الله”، والأجهزة الأمنية في لبنان يدعى “وفيق صفا”.
ومن هنا يمكن قراءة تبرير وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” لقرار حظر أنشطة “حزب الله” بـ”عدم اعتراف الحزب بحق (إسرائيل) في الوجود”، إذ يعد هذا التبرير متناغما بقوة مع الاتجاه الأمريكي الداعم بقوة لدولة الاحتلال.
منابع التمويل
ومع انضمام ألمانيا إلى نادي الدول المشاركة في حملة أقصى ضعط ضد طهران، فليس من المتوقع أن يكون تصنيف “حزب الله” كمنظمة إرهابية هو الخطوة الأخيرة، حيث سيتبع ذلك تتبعا لمصادر وشبكات تمويل الحزب داخل ألمانيا وهو ما ظهر في الاتهامات التي وجهتها الاستخبارات الألمانية للحزب باستغلال البلاد كواجهة لجمع الأموال لمصلحته، وذلك من خلال الجمعيات التي يديرها في المجالات الاقتصادية أو حتى من خلال التهريب وغسيل الأموال.
وتنظر الكثير من الجماعات الدينية والسياسية إلى ألمانيا كميدان للنشاط الاقتصادي الذي يدرّ عليها أرباحا كبيرة، وسبق للنائب البرلماني من الحزب المسيحي الديمقراطي “ماريان فينت” أن حذر من تمويل “حزب الله” نفسه داخل ألمانيا من خلال “الجريمة وتجارة السيارات وغسيل الأموال”، وفقا لما أورده موقع إذاعة صوت ألمانيا “دويتشه فيله”.
ويشير المحلل اللبناني “خليل الحلو”، في هذا الصدد، إلى وجود آلاف اللبنانيين في ألمانيا الذين يرسلون أموالا لعائلاتهم أو لمؤسسات تابعة لـ”حزب الله” في لبنان، مشيرا إلى أن القيود على التحويلات التي كانت تقتصر على تلك التي ترسل عبر المصارف سوف ستتضاعف بعد قرار ألمانيا بحظر أنشطة الحزب لتشمل الأموال التي ترسل عبر شركات تحويل الأموال، وفقا لما أوردته شبكة “العين” الإماراتية.
ومن زاوية أخرى، فإن حظر “حزب الله” في ألمانيا يجعل برلين مشاركا فاعلا في جهود مكافحة “منابع” تمويل الحزب في جميع أنحاء العالم، بداية من لبنان وسوريا وصولا إلى أمريكا الجنوبية.
وفي أواخر عام 2017، نشرت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية تحقيقا من 3 أجزاء عن أنشطة “حزب الله”، زعم قيام الحزب بإنشاء شبكة لتهريب المخدرات إلى دول عربية وأوروبية انطلاقا من سوريا، وأكدت المجلة أن “حزب الله” ينسق مع نظام “الأسد” لمواجهة الضائقة المالية التي يعاني منها جراء تجفيف مصادر تمويله بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية على طهران.
ضغط تكتيكي
لكن ثمة فرضية أخرى ترى أن الموقف الألماني يأتي في إطار “ضغط تكتيكي” على “حزب الله”، وهو ما أشارت إليه “دويتشه فيله” في تحليلها لدعوة البرلمان الأوروبي إلى حظر الحزب في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، إذ ذكرت أنه “ليس مستبعدا أن يؤسس الحزب منظمة جديدة باسم آخر”، واعتبرت أن ذلك سيفقد الحزب الكثير من زخمه الجماهيري والعلامة التجارية الدعائية الخاصة به لكنه سيتمكن من مواصلة أنشطته من خلال قنوات أخرى.
وتستند هذه الفرضية إلى أن تصنيف “حزب الله” على قوائم الإرهاب يعد أمرا سلبيا للعلاقات الألمانية اللبنانية، ما دام الحزب هو القوة السياسية المتحكمة بالقرار اللبناني، وهو ما ألمح إليه حزب اليسار الألماني، عندما رفض التصويت في البرلمان لصالح مقترح حظر أنشطة الحزب.
وترى ألمانيا في لبنان بلدا محوريا لـ”احتواء اللاجئين السوريين”، وقدمت له ما يزيد على 1.4 مليون يورو منذ عام 2012 حسب أرقام الخارجية الألمانية.
في ضوء ذلك، فإن الموقف الذي ستتخذه السلطات الألمانية تجاه محاولات “حزب الله” إعادة تنظيم صفوفه خلال الأسابيع المقبلة سيقدم الجواب الحاسم حول حقيقة السياسة التي تنوي برلين اتباعها، وإذا ما كان قرارها الأخير يهدف فقط لوضع ضغوط تكتيكية على “حزب الله”، أم أن ألمانيا جادة بالفعل في شن الحرب على الحزب اللبناني.