وأضاف خلال اجتماع عبر الإنترنت نظمته مؤسسة المجلس الأطلسي «نأمل أن نرى الأتراك يواصلون فرض ضغوط على المنظمات الإرهابية هناك، وأقواها هيئة تحرير الشام». وتابع قائلاً «كان هناك بعض من تبادل إطلاق النار، هناك بعض الضغوط المفروضة عليهم. نأمل أن نرى استمراراً لذلك».
وتبرز مؤشرات على أن المواجهة بين أنقرة و»هيئة تحرير الشام» التي تشكل جبهة النصرة مركز ثقلها، في إدلب ومحطيها شمال غربي سوريا، قد تصل إلى نقطة اللاعودة، لاسيما مع إصرار الأخيرة على فتح معابر تجارية مع النظام السوري، لإيجاد مردود ماديّ ومكاسب من الموافقة على هذه الخطوة، وفرض نفسها كلاعب في إدلب وتطالب باحترام مكانتها وتغلغلها في مفاصل الإدارة والأمن والعسكرة كافة، وذلك بما يناكف السياسة التركية، التي تصر على تهميش الهيئة في الأمور المفصليّة، وترفض لأجل ذلك خطوات فتح المعابر مع النظام، لما له من دلالة تؤكد على رسالة مفادها أن الهيئة باتت خارج الاتفاق.
المبعوث الأمريكي يريد ضغطاً تركياً على المتشددين شمال سوريا
وفي ظل التوتر الكبير، وسعيها لافتتاح معبر تجاري مع قوات النظام، دفعت هيئة تحرير الشام أمس الخميس بتعزيزات جديدة إلى غرب حلب، أكد حصولها المرصد السوري لحقوق الانسان وقال إن التعزيزات وصلت إلى معارة النعسان في ريف حلب الغربي تمهيداً لافتتاح المعبر التجاري مع قوات النظام، في حين تجمع عشرات المحتجين من أهالي منطقة معارة النعسان وريفها، وقطعوا الطريق الواصل إلى بلدة ميزناز في ريف حلب الغربي، لمنع الشاحنات من المرور عبر المعبر التجاري الذي تجهز له «تحرير الشام».
استنفار «التركي»
وفي التوازي، استنفر الجيش التركي وفصائل عسكرية معارضة، على خلفية استقدام هيئة «تحرير الشام» تعزيزات لإزالة الحاجز الترابي الذي أقامه الجيش التركي، بهدف قطع الطريق على الشاحنات التجارية ومنعها من الوصول إلى المعبر التجاري الذي تنوي الأخيرة فتحه في المنطقة مع النظام السوري، وذلك في إعقاب منع عناصر «هيئة تحرير الشام» رتلاً لقوات الجيش التركي من دخول مدينة دارة عزة غرب محافظة حلب، حيث تجمع عناصر حاجز القاطورة، للوقوف في وجه الآليات العسكرية التركية.
واعتبر الخبير المتخصص في التنظيمات المتطرفة «حسن أبو هنية» أن هيئة تحرير الشام قد تقترب من نقطة النهاية، بعدما حاولت تركيا على مدى سنوات أن تعيد تأهيل النصرة لكن الأخيرة كانت دائما مترددة ومتأخرة، محاولة شراء الوقت.
وبالتالي فشلت كل عمليات إعادة تأهليها سواء من قبل الولايات المتحدة أو النظام الروسي أو الايراني، كما أصبحت الأمور بعد اتفاق آذار الماضي بين الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان والروسي فلاديمير بوتين، تتجه إلى التأكيد مرة أخرى بإيفاء تركيا بالتزاماتها ببنود اتفاق سوتشي وقبله استانة والذي ينص على تفكيك الجماعات المتطرفة.
وأمام ما تقدم، اعتقد الخبير خلال حديثه مع «القدس العربي» أن المعطيات تشير إلى بداية لعمليات أشمل وأوسع، لافتاً إلى ان «مقتضيات الاتفاق الاخير مع بوتين، يجبر على ان يكون هناك حل ولذلك شاهدنا هيئة تحري الشام تعيد هيكلة بعض مؤسساتها الادارية والعسكرية وشاهدنا بعض التصعيد والأمور تتدحرج شيئاً فشيئاً» مضيفاً، «سوف تحصل صدامات وهو شيء مؤكد».
وتشيرُ معلومات خاصة لـ «القدس العربي» إلى أنّ اعتصام الكرامة على الرغم من وجود مدنيين فيه إلا أنهم يرتبطون بشكل ما بهيئة تحرير الشام فهم إما عناصر من الهيئة بلباس مدني، أو أنهم إداريون وموظفون في حكومة الإنقاذ التي فرضت على مختلف مؤسساتها وإداراتها إرسال مناوبات مستمرة للاعتصام وذلك تحت تهديد الفصل من الهيئة أو العمل والوظيفة.
إذ يحصل ذلك بإخطارات رسميّة من حكومة الإنقاذ لموظفيها، بالذهاب إلى الاعتصام وخصم جزء من رواتبهم في حال لم يذهبوا للبقاء على الطريق الدولي، بالإضافة إلى وجود عدد قليل من المدنيين الذين انضموا للاعتصام كتعبيرٍ عن رفض فكرة الاتفاق التركي الروسي، وقد خُصِّصت سيارات مجانية لنقل الناس إلى خيم الاعتصام بالإضافة إلى تقديم الطعام والشراب للباقين هناك.
مستقبل الهيئة
وينظر الباحث المختص في شؤون الجماعات والتنظيمات الجهادية عرابي عرابي إلى أن مستقبل هيئة تحرير الشام معقّد، وذلك لوجود محددات عدة يجب التنبه لها، وأولها حسب ما يقول لـ»القدس العربي»:
تركيّا: تستطيع تركيا شنّ حملة عسكرية تنهي بها التنظيمات الجهادية والهيئة، إلا أنها ليست بوارد اللجوء لهذا الخيار الآن، فالوضع العسكري لم يستقر بعد، كما أن روسيا لم تفِ بالتزاماتها مع تركيا شرق البلاد، وبالضرورة فإن تركيا تحتاج الهيئة لمعارك مستقبلية قد تندلع مع الميليشيات الإيرانية في المنطقة.
ثانياً، الهيئة ذاتها، فهي تعلم أن الواقع التركي معقّد، فتركيا الآن تواجه صعوبات في تنفيذ الاتفاق مع روسيا، ولديها أولويات بالقضاء على فايروس كورونا وتجاوز آثاره الاقتصادية، إضافة إلى إدراكها أن العمل العسكري ضدها ليس مرجّحًا في الظروف الحالية، ولذلك فإنها تعمل على فرض نفسها داخل هذا السياق.
وفي التوازي مع «أ»، و «ب» فإن لتركيّا خطّة لفرض واقع قانوني جديد لفرض السيطرة على ما تبقّى من إدلب بصيغة شبيهة لما في مناطق نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون، وهنا فإن أنقرة تسعى لخفض التوتر في المنطقة وتعمل في سياق موازٍ على تفكيك هيئة تحرير الشام من الداخل وذلك بمحاصرة الهيئة اقتصاديًّا من خلال منعها من فتح معابر اقتصاديّة مع النظام دون الاتفاق على نقاط أخرى كمسألة الاندماج مع الجيش الوطني وذلك بهدف دفع القواعد والمجموعات المعتدلة أو غير المؤدلجة والتي لا مصالح لها داخل الهيئة للانشقاق عنها تلقائيًّا والانضمام لفصائل أخرى، إضافة إلى محاصرتها عسكريًّا باستمرار التدفق العسكري لأرتال القوات التركية، وبإعادة ترتيب فصائل الجيش الوطني ضمن فيالق أو ألوية متعددة والضغط على الهيئة لتكون ضمن هذه الفيالق بصيغةٍ ما، إضافة إلى محاصرتها داخل حاضنتها الشعبية.
وفي حركة مقابلة لهذه الخطوات، يضيف المتحدث أن الهيئة تفتعل توترات جانبية بهدف عدم الضغط عليها من أجل حلّ تشكيلها العسكري بالكامل وبهدف ضمان وجود أذرعها في الإدارة المدنية لإدلب في المرحلة القادمة نظرًا لتغلغلها في مفاصل الخدمات والتعليم والإغاثة والمجالس المحلية كافة وبهدف ضمان فوائد لها من فتح الحركة التجارية على الطريق الدولي إضافة إلى ضمان معاقلها في مطقة غرب إدلب بمحاذاة جسر الشغور.