نقلت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية عن مصادر ألمانية قولها إن الحبر الأعظم خلال الحرب العالمية الثانية كان يعلم بالمحرقة لكنه صمت.
وقالت معاريف استنادا لوثائق تاريخية، إن باحثين من ألمانيا قد اكتشفوا أن البابا بيوس الثاني عشر الذي لم يسجل إدانة للمشروع التصفوي النازي، قد كان يعلم بالمحرقة في بدايتها، وأن الفاتيكان تعامل مع قتل مئات آلاف اليهود باستخفاف لأنهم “يميلون عادة للمبالغة والتهويل في الوصف”.
ونقلت عن طاقم باحثين في برلين قولهم قبل أيام، إن البابا بيوس الثاني عشر “الذي يعتبر شخصية خلافية قد تلقى معلومات واسعة من مصادر مختلفة حول جرائم النازيين بحق اليهود في كل أوروبا، بيْد أنه اختار إخفاء المعلومات بعدما قيل له “إنه من الصعب الاعتماد على اليهود والأوكرانيين”.
وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فقد اكتشف الباحثون الألمان، أن الفاتيكان أخفى وثائق حساسة كهذه وغيرها، مرجحةً أن ذلك تمّ من أجل حماية صورة البابا بيوس الثاني عشر، وعدم إرباك الكنيسة الكاثوليكية.
وزعمت “معاريف” أنه طيلة سنوات كثيرة، انتظر باحثون من ألمانيا البحث في أرشيف الفاتيكان الذي بقي حتى وقت قصير مغلقا، وذلك بغية دراسة أعمال البابا خلال فترة الحرب العالمية الثانية.
منوهة أنه تم فتح أرشيف الفاتيكان لمدة أسبوع واحد فقط قبيل تفجر جائحة كورونا، والتي تسبب بإغلاقه مرة تلو الأخرى، لكن المواد التي اكتشفت كانت كافية لإلقاء الضوء بشكل بائس على البابا الذي نعت عدة مرات بـ”بابا هتلر “.
وتشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن طاقم الباحثين الألمان تكوّن من سبعة مؤرخين من جامعة “مينستر” سافروا إلى روما في مطلع مارس/ آذار الماضي، انتهازا للفرصة التاريخية بفتح أرشيف الفاتيكان في فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
وقد ترأس الطاقم البحثي مؤرخ الكنيسة الكاثوليكية هوبيرت وولف، الذي سبق ودرس الأرشيف السري للفاتيكان. وفي حديث له لمجلة كاثوليكية في مينستر، قال: “علينا بداية فحص المصادر الجديدة” وتابع: “في حال خرج البابا الثاني عشر من هذه الدراسة بصورة طيبة فسيكون هذا رائعا، وفي حال كانت الصورة سيئة جدا، فعلينا أن نسلّم بذلك ونقبله”.
** الخوف من النازيين
ونسبت له “معاريف” تصريحات حادة بدرت عنه قبل أيام، قال فيها إن البابا بيوس الثاني عشر المتهم بالسكوت على المحرقة، “كان يعرف بأن اليهود يذبحون”. وتستذكر أن البابا بيوس الثاني عشر قاد الفاتيكان في الفترة بين 1939 و1958 وهو الشخصية الأكثر إثارة للخلافات حولها في القرن العشرين.
وتقول الصحيفة إن منتقديه حاولوا طيلة سنوات كثيرة البحث عن طريق للأرشيفات الخاصة بالبابا بيوس الثاني عشر من فترة الحرب العالمية الثانية من أجل إثبات المزاعم ضده. في المقابل فإن أنصار البابا بيوس الثاني عشر ادعوا لسنوات طويلة أنه لم يكن بمقدوره أن ينتقد النازيين خوفا من ردود فعلهم، وأشاروا لقيامه بمنح المأوى السري ليهود داخل الفاتيكان وداخل الكنائس والأديرة، معتبرين ذلك دليلا على أفعاله الطيبة.
يشار إلى أن الفاتيكان وأمام الهجمات الصهيونية والإسرائيلية المتتالية عليه، أصدر سلسلة وثائق مكونة من 11 جزءا، هي عبارة عن وثائق تاريخية تم اختيارها من أرشيف الفاتيكان بهدف تقديم حجة على براءته.
لكن “معاريف” تقول إن لجنة كاثوليكية- يهودية مشتركة تشكلت عام 1999 بغية دراسة مسيرة ومواقف البابا بيوس الثاني عشر قد تفككت بعد سنتين؛ لأن الفاتيكان رفض فتح الأرشيف وأبقاه موصدا حتى عام 2028.
وحسب “معاريف” فإن طاقم الباحثين الألمان من “مينستر” شرع في نشر معطياته الأولية، وجاءت استنتاجاته واضحة: “لقد علم البابا بيوس الثاني عشر بالمذابح المروعة التي كانت تجري في دول أوروبية”.
كذلك نشرت صحيفة “واشنطن بوست” قبل أسبوع، أن دبلوماسيا أمريكيا توجه في سبتمبر/ أيلول 1942 للفاتيكان بمذكرة سرية تستند على تقرير استخباراتي للوكالة اليهودية في جنيف.
وطبقا لـ”معاريف” جاء في التقرير الاستخباراتي معطيات عن مذابح جماعية ترتكب بحق اليهود في معسكر وارسو الذي قتل فيه 100 ألف يهودي و50 ألفاً آخرين في مدينة “لافوف” في أوكرانيا المحتلة من قبل النازيين آنذاك.
كذلك تقول “معاريف” إن الطاقم الألماني عثر على قصاصة ورق في أرشيف الفاتيكان تثبت أن البابا بيوس الثاني عشر قد قرأ القرير الاستخباراتي الأمريكي المذكور، علاوة على مذكرتين إضافيتين عثر عليهما داخل الأرشيف البابوي تؤكد التبليغ بوقوع مجازر بحق اليهود.
** رسالة البطريرك
كما تقول “معاريف” نقلا عن المصادر الألمانية، إن الباحثين من “مينستر” عثروا ضمن “جبال المستندات التاريخية” داخل أرشيف الفاتيكان، على رسالة بعث بها البطريرك الكاثوليكي في مدينة “لافوف” وفيها يشرح للبابا بيوس الثاني عشر كيف تم قتل 200 ألف يهودي في أوكرانيا على يد الاحتلال النازي الشيطاني”.
كما تشير لرسالة ثانية بدون تاريخ معنونة من قبل شخص يدعى ملاوتسي ليمونسينير جوفاني بتيستا مونتيني (أصبح لاحقا الحبر الأعظم) يشرح فيها للبابا إياه عن “المذبحة المدهشة” التي يقترفها النازيون بحق اليهود كما رآها خلال زيارته الأخيرة إلى وارسو.
كذلك تدّعي “معاريف” أن الباحثين الألمان عثروا أيضا في أرشيف الفاتيكان على ثلاث صور صغيرة تظهر أسرى داخل معسكرات التركيز، وجثثا أودعت داخل قبر جماعي، منوهة أن يهوديا مجهولا قد سلمها لسفير الفاتيكان في سويسرا المحايدة بهدف إرسالها للفاتيكان، مدعية أن البابا بيوس الثاني عشر قد صادق على استلامه الصور في رسالة جوابية لاحقا.
وتنقل عن رئيس طاقم الباحثين الألمان قوله إن أحد أسباب عدم تعامل الفاتيكان بجدية مع التقارير الواردة حول المحرقة، يرتبط بتقرير موجز لوزير خارجية الفاتيكان، حذر من مستوى مصداقية تقارير استخباراتية للوكالة اليهودية “لأن اليهود يبالغون ويغالون بسهولة، ولأن الشرق أوروبيين هم حقا ليسوا مثالا للاستقامة”.
وقد ورد هذا التقرير في سلسلة الوثائق الخاصة بالحرب العالمية الثانية التي نشرها الفاتيكان من أجل حماية سمعة بيوس الثاني عشر.
وعن ذلك يقول المؤرخ الألماني وولف: “هذه وثيقة هامة تم إخفاؤها عنا لأنها لاسامية وتظهر لماذا لم يتطرق بيوس الثاني عشر للمحرقة”.
ووفقا لـ”معاريف” فقد قال وولف أيضا إن هناك وثيقة تاريخية من سفير الفاتيكان في بيونس أيريس تشير إلى أن “البابا بيوس الثاني عشر لعب دورا في تهريب نازيين لأمريكا الجنوبية “.
وخلصت الصحيفة الإسرائيلية للقول: “يريد وولف أجوبة على هذه الأسئلة وعلى غيرها وذلك من أجل تخفيف دافعية الكاثوليك المحافظين الداعين للإعلان عن بيوس الثاني عشر كقديس، غير أن وباء كورونا أدى لإغلاق الأرشيف في الفاتيكان، مما يعيق جدا دراسة وولف، فهناك أسئلة كافية كي تشغلنا لمدة عشر سنوات كما يقول وولف”.
يشار إلى أن جهات إسرائيلية رسمية وغير رسمية منذ عقود، تطالب الفاتيكان بالاعتذار عن موقف بيوس الثاني عشر مما يشكل نقطة خلاف معه.