يعد الركود جزءا أساسيا من دورة الأعمال، ومن بين أمور أخرى، يتسبب الركود في انهيار الشركات الضعيفة ويعيد توزيع رأس المال والعمالة لاستخدامات أفضل، وبالرغم أن الركود مؤلم لكنه ضروري، وينتهي عند بدايته، كدلالة على اقتصاد صحي.

ولا يرتبط الكساد المصاحب للركود بالأحداث الاقتصادية فقط، فهو نتيجة لقوى خارجية مثل الحروب أو الأمراض، ولا يعتبر الكساد عملية ضرورية كالركود، بل هو نتيجة ثانوية للدمار الوحشي الذي تسببه هذه القوى الخارجية، التي لا تعطل فحسب، بل تدمر أجزاء كبيرة من الإنسانية، إلى جانب الاقتصاد.

لذلك، فإن مسألة ما إذا كنا الآن في حالة كساد أو ركود ليست مسألة أكاديمية، ولكن السؤال الأكثر أهمية الذي تواجهه الإنسانية هو: هل سنتعافى من هذا الركود أم لا؟

وسوف نتعافى من الركود بالطبع، وسوف نتعافى من الكساد أيضا، لكن الأمر سيستغرق وقتا أطول، وسيشمل المزيد من الألم.

وفي الحقيقة، الكساد هو أحداث اقتصادية تخلقها قوى غير اقتصادية، لذلك لا يكفي قياس عمق الكساد من خلال التدابير الاقتصادية وحدها.

ويعتمد مقياس الكساد على مدى تدميره لآمال وأحلام جيل ما، ما يجعل ما كان في متناول اليد بعيد المنال بشكل لا يمكن تصوره.

ومثل الكثير من الأشياء، يمكن التعرف على علامات الكساد بسهولة، حتى لو كان من الصعب تحديد الكساد نفسه.

وعلى سبيل المثال، إذا انكمش الاقتصاد بنسبة 30%، فإن التعافي من ذلك بمعدل نمو 4% لا يمكن اعتباره انتصارا، بل تأكيد على أننا سنبدأ في الخروج من الكساد.

وخرجت الولايات المتحدة من ركودها الأخير في الحرب العالمية الثانية، لذا فقد مر ما يقرب من قرن منذ أن مررنا بمثل هذا الأمر، وكانت الفترة التي مررنا بها قد نشأت من الحرب وتم حلها عن طريق الحرب.

وخلقت الحرب العالمية الأولى كسادا هائلا في معظم أوروبا، وكان سبب الكساد هو أنه على مدى 4 أعوام، مات ما لا يقل عن 20 مليون أوروبي، معظمهم من الجيل التالي.

وركز الاقتصاد لمدة 4 أعوام على بناء الأسلحة والذخائر، وعاد الجنود الذين عاشوا الصدمة إلى بلادهم التي لديها خطة صناعية ليس لها صلة بأي شيء سوى الحرب.

لم يعد الجنود إلى المستقبل الذي تخيلوه بعد الحرب، كما أن مستقبل أولئك الذين لم يذهبوا إلى الحرب جرى تحطيمه أيضا.

وجاء مصطلح “الجيل الضائع” للإشارة إلى المثقفين الساخرين الذين نشأوا في عشرينات القرن العشرين، ولكنه يصف بشكل أكثر دقة، الجندي الذي كان يأمل في امتلاك محل أحذية ولكنه وجد نفسه الآن في بلد لا توجد فيه أحذية جديدة يتم شراؤها على الإطلاق.

ولم يكن هذا فريدا بالنسبة لأي دولة، باستثناء الولايات المتحدة، التي قاتلت لمدة عام واحد فقط وعادت إلى بلد قادر على إنتاج محركات الحرب ورجال يمكنهم إدارتها، مع توفر كل الطعام الذي يمكن تخيله.

وبقيت معظم أحلامهم حية لبعض الوقت، لكن استمرار الكساد الأوروبي كان يعني أن الولايات المتحدة لا تستطيع استئناف دورها كمصدر.

ولن أزعجك بتفاصيل الكساد الأمريكي، لكن كانت إحدى خصائص الجيل الأعظم أنهم، بعد أن مروا بالكساد، رأوا الحرب العالمية الثانية بمثابة أمل كبير لهم.

ويصبح الكساد هنا حدثا سياسيا، فهناك من يعمل بشكل جيد في مثل هذه الأوقات، ويريد الحفاظ على الكساد قائما.

وهناك السياسيون الذين إما يستشهدون بأيديولوجية قديمة لا صلة لها بالوقت الراهن، أو يتظاهرون بأنهم يعرفون ما يجب عليهم فعله.

وقليل فقط يعرفون أنه في الأزمات يتجمع الناس مع أولئك القادرين على التخطيط بشكل صحيح، وكان “لينين” أحد هؤلاء، فبالرغم أن روسيا قد تحطمت تماما لكنه عرف ماذا يجب أن يفعل.

وفي ألمانيا، ظهر قائد أدرك أن البطالة هي لب المشكلة، وقدم “الفاشية” كحل، كما حدد طرفا لإلقاء كل اللوم عليه، وأمم “هتلر” الاقتصاد بينما ترك العمل قائما، وقدم اليهود للجمهور على أنهم هم الأشرار، وحصل في المقابل على تصفيق حاد.

وهؤلاء هم الناس الذين يخرجون من الكساد، في الحقيقة، الناجحون هم عبارة عن وحوش، وبالرغم أن صفقة “روزفلت” ساعدت البعض، لكنها لم تغير الواقع.

ويخرج الكساد أناسا يائسين وجياعا لكل شيء، لكنه يخرج البعض وهم يأملون في المستقبل.

وكان “هتلر” و”لينين” نوعا واحدا من القادة، وكان “روزفلت” وزعماء أوروبيون آخرون نوعا آخر، وفي النهاية، لم يتم العثور على الحل من قبل الاحتياطي الفيدرالي ولكن من الجيش.

ولم تنهِ الحرب العالمية الثانية الكساد، (باستثناء الولايات المتحدة)، حيث دخلت أوروبا مرة أخرى في حالة كساد، ودمرت الحرب الصين واليابان.

وعندما كنت طفلا، كانت عبارة “صنع في اليابان” تجلب الضحك وتعبر عن السلع الرخيصة والرديئة، وجاء الحل من خشية الأمريكيين من السوفييت، حيث أنشأوا حزم مساعدات للحلفاء مكنتهم من بيع السلع الرخيصة إلى الولايات المتحدة.

وقادت العمالة الماهرة في منطقة أوراسيا إما كساد أجيال من السوفييت أو التعافي من قبل الأمريكيين، ومرة أخرى، كان الكساد واحتمال الحرب يسيران جنبا إلى جنب.

وتشبه أزمة الفيروس التاجي الحرب، تحشد الدولة الناس الغافلين عن العواقب، ويتم تحويل القوى العاملة، أو جزء كبير منها، عن عملها، ويتم إغلاق المدارس. وفي الحرب، القاعدة هي أنه لا يوجد سعر مرتفع للغاية بحيث لا يمكن دفعه مقابل النصر.

لكن النصر في الحرب والانتصار ضد الفيروسات مختلفان تماما، ويقودنا هذا إلى التساؤل كيف يجب أن يكون النصر في هذه الحالة؟

حسنا، يجب أن يختفي الفيروس، بمفرده أو عبر اكتشاف لقاح. ويجب أن يعود العالم إلى ما كان عليه.

ومع ذلك، فإن مشكلة الحرب والكساد هي أن العالم لا يعود إلى ما كان عليه، إنه يصبح مختلفا تماما، وفي شكله المعدل يتسبب في تغيير أحلام الناجين، لكن الأهم من ذلك أنه يبقى لديهم أحلام، أي لن يضطروا إلى التخلي عن حقهم في الحلم.

إذن هذه هي أسئلة اللحظة:

أولا: هل سيتم هزيمة الفيروس أم سيزول؟

وإذا بقي، فهل نقبل ديمومة المرض الجديد أم سنشن حربا تغير العالم بطرق غير معروفة؟

ثانيا: هل ما يجري الآن مثل الكساد بعد الحرب العالمية الأولى؟

ولا أعتقد أن الولايات المتحدة وصلت بعد إلى نقطة الكساد، ولا أعتقد أن الأرقام تظهر ذلك بعد، كما أن اليأس الناتج عن الكساد لم يحدث بعد، ولكن ربما وصل جزء من العالم إلى هذه النقطة.

وأعتقد أن إلحاح الوصول إلى اللقاح اللازم يعكس شعورا بالخوف من الوصول إلى نقطة الانهيار.

ومن المفيد أن نتذكر الماضي، فعندما ننظر إلى النصف الأول من القرن العشرين، كان الاقتصاد أسير الحرب، ولم تكن النظرية الاقتصادية هي التي تحدد الأشياء.

لكن النظم السياسية اتخذت القرار بشأن الثمن الواجب دفعه، وكان الثمن باهظا من حيث عدد الأرواح التي تمت خسارتها.

وفي هذه المعادلة، فإن الحقيقة المظلمة هي أن حل هذه المشكلة دون قبول موت العديد من الناس سيكون صعبا، ما لم يكن لدى الطب حل ما.

المصدر | جورج فريدمان | جيوبوليتيكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد