في 5 أبريل/نيسان 2020، أقام معهد “دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” لعبة حرب لمحاكاة انتشار واسع النطاق لفيروس “كورونا” في قطاع غزة نتج عنه مئات الوفيات. كان الهدف تقييم آثار مثل هذا الحدث، وتقييم ردود الجهات الفاعلة ذات الصلة، وصياغة توصيات للقيادة الإسرائيلية. وكما أظهرت المحاكاة، فإن (إسرائيل) ليست لديها طريقة لمنع انتشار الوباء في غزة، ولكن يمكنها اتخاذ خطوات للتخفيف من الوضع.

ما يلي هو سرد للمحاكاة، والمواقف والخطوات التي اتخذتها الجهات الفاعلة، ومن بين التوصيات الرئيسية: يجب على (إسرائيل) بالفعل نقل المساعدات الطبية الحيوية إلى قطاع غزة، والعمل مع منظمة الصحة العالمية ووكالات الإغاثة الأخرى من أجل توظيف الموارد الطبية في المنطقة؛ وتجنب عرقلة أي مبادرة لإنشاء حكومة طوارئ من قبل السلطة الفلسطينية و”حماس”؛ والاستعداد لإقامة البنية التحتية للمساعدات الطارئة، مثل المستشفيات الميدانية وأماكن على الحدود الإسرائيلية للفلسطينيين المعرضين للخطر.

السيناريو الافتراضي للمحاكاة

تفترض المحاكاة انتشار الوباء في غزة وفي الضفة الغربية بداية من منتصف أبريل/نيسان، في حين تسجل غزة مئات الوفيات من بين آلاف الحالات المؤكدة في أواخر أبريل/نيسان. وبحسب توصيات الخبراء التي ستقدم إلى “يحيى السنوار”، رئيس “حماس” في القطاع، فإن عدد الوفيات المتوقع يصل إلى 8 آلاف شخص حتى أواخر مايو/أيار. ستعلن “حماس” عن إغلاق تام داخل القطاع، لكنها لا نستطيع فرضه حيث يبحث الناس عن الطعام خلال شهر رمضان ويخشون من الإصابة بالفيروس نتيجة لظروف المعيشة المزدحمة.

في غضون ذلك، يعلن “السنوار” أن النظام الصحي المحلي يفتقر إلى القدرة على التعامل مع الوضع ويطالب بأن ترسل (إسرائيل) على الفور 500 جهاز تنفس. ويهدد بتصعيد الوضع الأمني ​​إذا لم يُرفع “الحصار” عن غزة، تماشياً مع تهديده في أوائل أبريل/نيسان “إذا لم نتنفس في غزة، فلن يتنفسوا في (إسرائيل)”. ونظراً للضيق داخل القطاع، شهدت الأيام الأخيرة توجه مئات من السكان اليائسين بالقرب من السياج الحدودي، بما فيهم نساء وأطفال، لكن “حماس” وقوات الجيش الإسرائيلي منعتهم.

لكن من وجهة نظر المحاكاة، ستسمح “حماس” لهم بالاقتراب من السياج وتُقتل مجموعة من الأشخاص الذين نجحوا في اختراق الحاجز -23 رجلاً وامرأة وطفلا- بنيران الجيش الإسرائيلي. وبالتوازي مع تجديد المسيرات الشعبية، ستعمل الفصائل المسلحة في القطاع، بما فيها “الجهاد الإسلامي”، على دعم رسالة “السنوار”، وفي المرحلة الأولى تطلق صواريخ متفرقة على (إسرائيل) باتجاه محيط غزة.

ورداً على مقتل المدنيين، ستقوم الفصائل الفلسطينية بتكثيف معدل ومدى إطلاق الصواريخ على جنوب (إسرائيل). في موازاة ذلك، ستواجه (إسرائيل) موجة ثانية من الإصابة بالفيروس، مع عشرات الآلاف من الحالات ومئات القتلى. لتصل عدد الوفيات في أراضي السلطة الفلسطينية حوالي 200. ويتضح ارتفاع حاد في انتشار الفيروس، خاصة في المنطقة المحيطة بالقدس.

ردود الفعل

ستحدد “حماس” هدفين رئيسيين: رفع الحصار عن القطاع ودخول مساعدات طبية وإنسانية ضخمة، مقدمة من المجتمع الدولي و(إسرائيل). وستعمل قيادة “حماس” جاهدة لتثبت للجمهور في القطاع أنها تبذل كل ما في وسعها لوقف انتشار الفيروس واستعادة السيطرة على الوضع، بينما تواصل الفصائل المسلحة إطلاق الصواريخ على (إسرائيل) وحتى إرسال فرق خاصة للتسلل إلى المستوطنات في محيط غزة، مستخدمة في ذلك الأنفاق أيضا. سيتم تنسيق هذه الأعمال مع “حماس” من خلال لجنة عمليات مشتركة، ولكن في هذه المرحلة لن تنضم “حماس” إلى الهجمات حتى لا تغلق باب المساعدة من (إسرائيل) ومصر والمجتمع الدولي.

في الوقت الحالي، تستخدم “حماس” الفصائل المسلحة لتكثيف الضغط على (إسرائيل) لرفع الحصار، وزيادة كمية المعدات الطبية الواردة إلى القطاع، ومنع قوات الجيش الإسرائيلي من إطلاق النار على المتسللين من القطاع إلى (إسرائيل).

وتشير المحاكاة بأن سكان غزة سيكونوا غير قادرين على مواكبة التعامل مع أعداد الوفيات ودفنهم. وسيفقد الجمهور الثقة في “حماس” ويلوم كل من حكومته و(إسرائيل). سيضعف الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي: هناك احتجاجات مدنية عفوية من قبل النساء والأطفال مع طلبات المساعدة، وتزايد حالات محاولة الهروب نحو محيط غزة، (حيث يواجه سكان غزة إطلاق نار من قبل قوات الجيش الإسرائيلي)، وكذلك تجاه مصر، (التي تغلق الحدود وتطلق النار على كل مدني يحاول العبور إلى سيناء). من وجهة نظر سكان غزة، سيصبح خطر التعرض للفيروس يتفوق على خطر التعرض للموت بإطلاق النار، وستنمو عقلية الاستشهاد.

وإزاء هذه الخلفية، وخاصة عجز “حماس”، ستنشأ دعوات متزايدة داخل القطاع لتشكيل حكومة طوارئ مع السلطة الفلسطينية، تحت رئاسة رئيس الوزراء “محمد اشتية”، والتي اكتسبت ثقة الجمهور في الضفة الغربية حيث تتعامل بشكل أفضل مع الوباء. وبالتالي تواجه حركة “حماس” خيارين: العمل مع “الجهاد الإسلامي” والفصائل المسلحة الأخرى والانضمام إلى إطلاق النار على (إسرائيل). أو تشكيل حكومة طوارئ مؤقتة مع السلطة الفلسطينية لمواجهةد الوباء، وقبول مبدأ رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” المتمثل في “سلطة واحدة وقانون واحد وبندقية واحدة”، مما يلزم إخضاع الجناح العسكري لـ”حماس” لآلية قوة مشتركة.

في مواجهة الطريق المسدود، ستوافق قيادة “حماس” على التوافق مع السلطة الفلسطينية بموجب شروط السلطة الفلسطينية، لكن السلطة الفلسطينية ستتردد في تحمل مسؤولية القطاع، لا سيما في وقت تشتد فيه أزمة الصحة العامة والأزمة الإنسانية هناك.

في حين أن “عباس” سيعلن أن غزة والضفة الغربية نظام حكم وطني واحد، فإنه سيقول أيضًا أن السلطة الفلسطينية ووزارة الصحة الفلسطينية تبذلان كل ما في وسعهما لدعم سكان غزة حتى في غياب حكومة وحدة. وبالفعل، يتم نقل جزء صغير من الأدوية والأقنعة من الضفة الغربية إلى القطاع. بالإضافة إلى ذلك، تقدم السلطة الفلسطينية طلب مساعدة عاجلة للدول العربية والمجتمع الدولي وتطالبها بالضغط على (إسرائيل) لتكثيف الإغاثة في غزة والامتناع عن إطلاق النار على المدنيين الفارين من القطاع.

وستكون الوكالات الدولية في حيرة، وستنتقد بشدة سياسة الحصار وإطلاق النار الإسرائيلية، لكن نداءاتها ستظل ضعيفة في ظل الأزمة العالمية التي تشغل القوى العظمى. وستواجه الجهود المبذولة لتحويل الموارد إلى قطاع غزة صعوبات بالنظر إلى نطاق الوباء والأزمة الاقتصادية التي ستتبعه.

مع استمرار (إسرائيل) في سياسة الحصار الصارمة، ودون أي مساعدة عربية أو دولية، ستحتاج “حماس” إلى إظهار الإنجازات ومنها إعادة الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم مقابل إطلاق سراح السجناء الأكبر سنا في (إسرائيل). وستكون (إسرائيل) مستعدة للتفاوض من خلال وساطة مصرية لكنها سترفض الشروط المسبقة لـ”حماس”، وبالتالي ستنضم “حماس” إلى “الجهاد الإسلامي” والفصائل الأخرى في إطلاق الصواريخ على (إسرائيل).

ستتخذ مصر مسارين للعمل. أولاً، تكثف جهودها لتحقيق ترتيب بين (إسرائيل) و”حماس” وتضغط على (إسرائيل) لزيادة المساعدة ومنع الانهيار الإنساني للقطاع. ثانياً، تحاول التوسط بين “حماس” والسلطة الفلسطينية بهدف تشكيل حكومة طوارئ تكون بمثابة أساس لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع. في حين أن مصر ستزيد مساعدتها للقطاع إلى حد ما، إلا أنها ستكون منشغلة في مواجهة التفشي عبر حدودها ولن تسمح بأي محاولة للهروب نحو الحدود المصرية حتى لو كلف ذلك اللجوء إلى إطلاق النار على المدنيين.

ستجد (إسرائيل) نفسها متورطة في أزمة أمنية وإنسانية متصاعدة، في الوقت الذي يجب أن تتعامل فيه مع الوباء. كرد فعل على التهديد الأمني​​، فإنها ستعزز دفاعاتها على طول حدود غزة، وستتخذ إجراءات وقائية مثل تعزيز مجموعة الدفاع الجوي لاعتراض الصواريخ وإطلاق ضربات دقيقة داخل القطاع. في نفس الوقت، ستحاول عبر الوساطة المصرية تنسيق وقف إطلاق النار مقابل المساعدات الإنسانية والطبية الممكنة للقطاع.

ستضع (إسرائيل) “حماس” في مأزق: من ناحية، سيؤدي استمرار إطلاق الصواريخ إلى وقف إمداد السلع والكهرباء، ومن المحتمل أن يدفع ذلك (إسرائيل) لمنع نقل المساعدات القطرية، بالرغم من زيادة عدد المصابين والوفيات في قطاع. من ناحية أخرى، إذا حافظت “حماس” على تهدئة الأوضاع، فإن (إسرائيل) ستكون على استعداد لتقديم المساعدة، ولكن سيكون العبء الرئيسي على المجتمع الدولي ودول الخليج.

لن يبدي المواطنون الإسرائيليون اهتماما كبيرا بما يحدث داخل القطاع، خاصة مع استمرار إطلاق الصواريخ. وبينما ستقوم المنظمات غير الحكومية القانونية بتقديم طعون مدنية إلى المحكمة العليا باسم سكان غزة الذين طلبوا اللجوء في (إسرائيل)، وستقرر المحكمة عدم التورط بالأمر.

في هذه الأثناء، سيقوم السكان الإسرائيليون في المجتمعات البعيدة عن غزة بإطلاق مبادرات خاصة للمساعدة في توفير المعدات الطبية والغذاء للقطاع. على النقيض من ذلك، سيعارض سكان المدن التي تعاني من الصواريخ والقذائف الصاروخية بشدة أي إغاثة لغزة. النتيجة: لا يوجد إجماع بين الجمهور الإسرائيلي حول كيفية التعامل مع ما يحدث في غزة.

النتائج

لا توجد وسيلة متاحة لدى (إسرائيل) أو أي طرف آخر لوقف انتشار الفيروس في قطاع غزة، خاصة بالنظر إلى الكثافة السكانية العالية، والبنية التحتية المعطلة، والصرف الصحي السيئ حتى لو تم توفير المئات من أجهزة التنفس. وسيتفاقم الوضع الحالي في القطاع بسبب جائحة الفيروس.

تتعرض جميع الجهات الفاعلة بما فيها “حماس” والفصائل المسلحة في القطاع والسلطة الفلسطينية و(إسرائيل) ومصر والمجتمع الدولي والسكان المدنيين على جانبي الحدود لضغوط شديدة لتطوير أدوات جديدة للتعامل مع الوضع، و لذلك سيلجأ الجميع إلى صندوق الأدوات المألوف، كل بطريقته الخاصة: التهرب من المسؤولية، وإلقاء اللوم على (إسرائيل)، وإطلاق الصواريخ والقذائف، وإرسال البالونات الحارقة، و توجيه المسيرات إلى السياج ومحاولة التسلل وراءه، وتكثيف الحصار، ومحاولة الوساطة لوقف إطلاق النار مقابل تخفيف الحصار. لكن بدون استثناء، كل هذه الجهود ذات صلة بواقع ما قبل الوباء وغير كافية لهذه الأزمة.

لا تمتلك (إسرائيل) وسيلة لتنفيذ رد عسكري من شأنه إنهاء إطلاق الصواريخ من غزة خلال الوباء. إن الهجوم البري ليس عمليًا في القطاع، سواء بسبب الخطر الذي ستواجهه قوات الجيش الإسرائيلي أو لأنه سيشير إلى مسؤولية (إسرائيل) عن مشاكل المنطقة.

تفهم “حماس” والفصائل المسلحة ذلك، وبالتالي وفقا للمحاكاة لن توقف إطلاق الصواريخ. من جانبها، لن تقوم (إسرائيل) برفع الحصار، الذي تعتبره أساسيا طالما أن “حماس” تسيطر على القطاع، ولكنها ستتبع سياسة تخفيف الحصار أو تكثيفه بالتناوب رداً على التقلبات في سياسة “حماس”، ومن أجل حث الأخيرة على العمل لتهدئة الوضع الأمني.

أما فيما يتعلق بإمكانية تعزيز الوحدة بين الضفة الغربية والقطاع وتشكيل حكومة طوارئ وطنية، فهناك نهجان متضاربان. يرتبط أحدهما بعدم وجود بدائل، حيث أن الوضع سيدفع “حماس” والسلطة الفلسطينية إلى التوصل إلى بعض الاتفاق بسبب الضغط من الجمهور الفلسطيني لتأمين مساعدة دولية واسعة النطاق. والثاني هو أنه مع تصاعد التفكير في المصلحة الذاتية، بشكل رئيسي لدى السلطة الفلسطينية، ستركز كل منطقة على مشاكلها الخاصة.

على أي حال، لن يكون خيار الوحدة ذا صلة إلا عندما يزداد عدد الضحايا في قطاع غزة وتعترف “حماس” بالعجز وفقدان الشرعية في أعين الجمهور الفلسطيني.

المصدر | نوح شوسترمان، أودي ديكل – معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد