لا يعد النقد بمعزل عن التداعيات السلبية التي خلفها تفشي فيروس “كورونا” حول العالم.

وتواجه العملات المحلية، خاصة الورقية، مأزقا صعبا، مع توالي التحذير من مخاطر انتقال الفيروس عبر تداولها.

وتفيد دراسات علمية بأن الفيروس يمكن أن يعيش على الورق المقوى لمدة 24 ساعة، ونحو 3 أيام على البلاستيك.

وتحذر منظمة الصحة العالمية من أن الأوراق المالية الملوثة بالفيروس قد تنقل العدوى، وقد تسهم في تفشي المرض، داعية إلى تجنب استخدام العملات الورقية، واستعمال طرق دفع لا تتطلب اللمس.

  • تدابير وقائية

بدورها، لم تسلم عملات دول الخليج من حزم التدابير الاحترازية، التي قررتها الحكومات، ضمن خطوات لمنع تحول الأوراق النقدية إلى أداة انتقال لـ”كورونا”.

فقبل أيام، أعلن بنك الكويت المركزي تنفيذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالعملات وتداولها، حتى لا تكون أداة لانتقال العدوى.

وتضمنت الإجراءات تعقيم مستمر للخزانات وأجهزة العد والفرز ومناطق الاستلام والتسليم للحفاظ على سلامة المتعاملين، وعزل الأوراق النقدية الواردة إلى المركزي لمدة 4 أسابيع؛ لضمان خلوها من الفيروسات، ثم إعادة ضخها من جديد.

كذلك، تقوم مؤسسة النقد العربي (البنك المركزي السعودي) بعزل جميع العملات المحلية الواردة لفروع المؤسسة، عن طريق البنوك وشركات نقل الأموال.

على النحو ذاته، يلزم مصرف الإمارات المركزي موظفيه بعدم التعامل مع النقود بالأيدي المجردة دون استخدام القفازات، إضافة إلى الامتثال لإجراءات التطهير في فروعه، ومع الشركات التي تنقل الأموال.

أيضا، ينفذ مصرف البحرين المركزى حزمة من التدابير الوقائية تشمل تعريض العملات النقدية للأشعة الفوق البنفسجية أو تعريضها لدرجات الحرارة المرتفعة، أو عزلها لمدة لا تقل عن 72 ساعة، مع إلزام الموظفين العاملين في استلام ونقل العملات النقدية بارتداء معدات الحماية الشخصية.

  • تراجع الطلب

ولا يقتصر تأثير كورونا على العملات على المخاوف من تحول الأوراق النقدية إلى أدوات لنقل العدوى، لكنه يتعدى ذلك إلى التأثير على قيمة وقوة العملة نفسها؛ حيث تتوقف قوة عملة أي بلد على حجم الاحتياطات النقدية، والقدرة الإنتاجية والتصديرية للبلاد، إضافة إلى حجم العرض والطلب على العملة.

وتشارك عوامل متعددة في تحديد قيمة العملة، منها حجم الثروات الطبيعية (نفط، غاز، معادن، ذهب)، وحجم الأصول التي تملكها الدولة بشكل كام.

ويعد الريال السعودي، أكثر العملات الخليجية تضررا من أزمة “كورونا”، خاصة بعد إلغاء موسم العمرة، الذي كان يزدهر في شهر رمضان المبارك، الذي يحل بعد أسبوعين.

وتستقبل المملكة، خلال هذا الموسم، نحو 7.5 ملايين معتمر، وفق بيانات رسمية، ما كان يزيد الطلب على الريال السعودي، في كافة البنوك وشركات الصرافة حول العالم.

ومع تواصل أزمة تفشي الفيروس، وارتفاع عدد الإصابات داخل المملكة (2752 حالة)، تتزايد احتمال إلغاء الحج هذا الموسم (نحو 2.5 مليون حاج)؛ وهو ما يضعف الطلب على العملة السعودية.

وتفيد بيانات شركة “رفينيتيف” للخدمات المالية، الشهر الماضي، أن الريال السعودي سجل انخفاضا حادا مقابل الدولار في سوق العقود الآجلة مع تراجع أسعار النفط.

ورغم تقلص حجم الطلب على العملة السعودية، فإن ربط الريال السعودي بالدولار يحول دون انهيار قيمته؛ حيث يرتبط الريال بالدولار عند قيمة 3.75 ريالات لكل دولار في السوق الفورية.

ويؤثر انخفاض الريال السعودي أمام الدولار في العقود الآجلة بالأسواق الخارجية على الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي الذي يلتزم بمبدأ ربط العملة، والذي سيضطر لضخ المزيد من الأموال للحفاظ على قيمة العملة.

  • تدخل مركزي

ويعد الدينار الكويتي، من العملات الخليجية التي عانت كذلك تضررا، جراء تفشي “كورونا” في منطقة الخليج العربي.

وتراجع سعر صرف الدينار الكويتي أمام الدولار (يساوي 3.20 دولارات)، وعدد من العملات العربية بنسبة 1.81%، خلال الربع الأول من 2020.

وتعد الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تخلت عن ربط عملتها بالدولار.

وبالنظر إلى ربط معظم الدول الخليجية عملاتها بالدولار، فقد انخفض سعر صرف الدينار الكويتي مقابل الريال السعودي، والدرهم الإماراتي، والريال القطري، والدينار البحريني، والريال العماني، بنفس نسبة تراجعه مقابل الدولار.

كذلك تراجع الدينار الكويتي أمام كل من الفرنك السويسري، والين الياباني، واليورو في الربع الأول من 2020، فيما لم يشهد ارتفاعا سوى أمام الجنيه الإسترليني.

وفي محاولة لطمأنة الأسواق، خرج محافظ بنك الكويت المركزي “محمد الهاشل”، الأسبوع الجاري، مؤكدا أنه لا خوف على الدينار الكويتي، وأن هناك سيولة كافية في البنوك للحفاظ على قيمة العملة.

وأضاف “الهاشل”، في مقابلة مع قناة “العربية” السعودية، أن بوسع البنوك مواصلة صرف أرباح 2019 رغم الأزمة التي تعيشها البلاد، مشيرا إلى إمكانية تدخل الدولة إذا تطلب الأمر.

  • سقوط النفط

ويعاني الريال العماني المرتبط بالدولار (الريال يساوي 2.6 دولار)، من ضغوط كبيرة بسبب تهاوي أسعار النفط.

ويرزخ الاقتصاد العماني تحت عبء مستويات عالية من الدين، وهو عرضة لخطر التأثر بتقلبات أسعار الخام، إضافة إلى توقعات التباطؤ الاقتصادي بسبب تفشي فيروس “كورونا”.

وتعد سلطنة عمان إلى جانب البحرين، وهما أصغر منتجين للنفط في منطقة الخليج، الأكثر عرضة للمعاناة من عبء الديون، والأكثر عرضة لتقلبات الأسعار.

وتقول وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيفات الائتمانية إن البحرين (يبلغ سعر الدينار البحريني حوالي 2.6 دولار) من ضمن الدول الأكثر عرضة للمعاناة بسبب تراجع عائدات السياحة على خلفية تفشي “كورونا”.

وتعاني عمان بدورها بسبب تباطؤ حركة الاقتصاد الصيني؛ حيث تعد الدولة الأكثر ارتباطا بالاقتصاد الصيني في منطقة الخليج.

أما قطر، التي تتمتع بفائض في الموازنة، ويعتمد اقتصادها على صادرات الغاز الطبيعي المسال، فإن تأثرها المباشر بأسعار النفط أقل شدة، كما أن تمتعها باحتياطيات دولية وسيولة كبيرة بالعملة الأجنبية يمكنها من المحافظة على استقرار العملة القطرية (يبلغ سعر الدولار 3.6 ريالات قطري).

بينما سعت الإمارات، لدعم استقرار الدرهم أمام الدولار، عند سعر 3.67 دراهم لكل دولار، عبر تدخل البنك المركزي الإماراتي لخفض سعر الفائدة مرتين على التوالي خلال مارس/آذار الماضي، إضافة إلى إطلاق عدد من حزم الدعم والتحفيز لتنشيط الاقتصاد.

كذلك تعد احتياطيات النقد الأجنبي الضخمة التي تمتلكها الإمارات، ضمانة للحفاظ على عملتها المحلية، ووسيلة احتواء تزيد من قدرة الدولة على امتصاص الصدمات المالية.

المصدر | الخليج الجديد