"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

مابعد الوباء

شبكة فولتير :

كشف الوباء عن نقاط ضعف في بنية الديمقراطيات الليبرالية الغربية، تجلت بوضوح بتناقضاتها الداخلية، وجهلها المؤكد ببقية أنحاء العالم.

لنأت إلى التناقضات أولاً.

خضع الغرب عبر العصور لثقافتين مختلفتين جذرياً.

هناك “أوروبا القديمة” من جهة، حيث نشأت الدول لخدمة المصلحة، ومن جهة أخرى الأنغلوسكسون الذين عارضوا وجود شيء اسمه المصلحة العامة.

وفي أوروبا القديمة تتعارض الانتخابات “الديمقراطية” مع البرامج، بينما في الولايات المتحدة نجدها تتعارض مع التكتلات. ويتبلور هذا الاختلاف بشكل أوضح حول مفهوم الحرية.

ففي أوروبا القديمة مثلاً، تتحدد الحرية الفردية بالمصلحة العامة، وتفرض توضيح هذه الحدود بموجب القانون، أما في الولايات المتحدة، فلا وجود لهذه المحددات.

تأسيساً على ذلك، فإن مكافحة أي وباء عام، تقتضي إقامة الحجر الصحي، وإلزام الناس بالبقاء في بيوتهم.

بيد أنه، إذا كانت ثقافة الأوروبيين تسمح بتطبيق هذه الإجراءات، نراها غير ممكنة لدى الشعب الأميركي. والرئيس الفدرالي دونالد ترامب لايملك السلطة الكافية لفرضها، لأنها شأن حصري بكل ولاية. وحاكموا الولايات لا يملكون بدورهم أي سلطة تخولهم التعدي على حريات مواطنيهم، تحت أي ظرف كان.

وإذا كان من الممكن في بعض الحالات فرض حجر صحي على الأجانب، إلا أنه غير ممكن في أي حال فرضه على المواطنين الأمريكيين، ومن المستحيل إلزام الناس البقاء في منازلهم. لأنه من الصعب أن نتخيل كيف يمكن لدولة “حرية الشركات” أن تجبر شركاتها على إغلاق منشآتها لمنع انتشار الفيروس.

لكن الرئيس دونالد ترامب سوف يضطر في نهاية المطاف، إلى لي عنق نصوص القانون، لاسيما قانون “ستافورد للإغاثة في حالات الكوارث، وتقديم العون في حالات الطوارئ”.

ولنأت إلى الجهل ثانياً. لم تنقل وسائل الإعلام الدولية على شكر الرئيس الصيني شي جين بينغ لنظيره الكوبي ميغيل دياز كانيل في 28 شباط الماضي. ولم تأت على ذكر أي دور لعنصر إنترفيرون ألفا 2 ب (IFNrec) في مكافحة المرض. لكنها بالمقابل تحدثت عن استخدام فوسفات الكلوروكين المستخدم عادة ضد الملاريا، ولم تذكر كلمة واحدة عن أوضاع البحوث الجارية حالياً لإنتاج اللقاح. إذ أنه من المتوقع أن تتمكن الصين من إجراء أولى تجاربها على البشر بهذا الخصوص في شهر نيسان القادم بعد نجاح مختبر معهد سانت بطرسبرغ للقاحات والمصول، بانتاج خمسة نماذج أولية للقاحات.

لايمكن تفسير هذا التجاهل المتعمد إلا من منظور فرض رقابة معينة على وكالات الصحافة الغربية، التي أصبحت تجري مقارباتها من العالم من دون تعريض أحكامها المسبقة لأي تشكيك.

وبمنظور تلك الوكالات المقيمة سواء في بروكسل أو في واشنطن، لايمكن لثلاث “ديكتاتوريات” شيوعية، أو شيوعية سابقاً، أن تحقق أي انجاز أفضل من الغرب.

ومع ذلك، فالصين هي التي أحكمت سيطرتها على الوباء وانتهت منه بزمن قياسي، على حين بلغ معدل الوفيات حتى الآن أعلى بست مرات في إيطاليا.

يُضاف إلى ماسبق، أن انعدام رباطة الجأش لدى الشعوب الغربية أمر مثير للدهشة مقارنةً بالصينيين.

إنهم، بحالة الهلع الجماعي التي انتابتهم، يعطون انطباعاً عن حضارة بدأت تدرك فقدان سيطرتها على العالم، وتصر على رفض التخلي عن مكانتها للقوى الجديدة الصاعدة.

وباستسلامهم للخوف، عميت بصيرتهم عن رؤية التحدي السعودي والتركي للبنتاغون، على الرغم من أن أياً من هاتين الدولتين، المدرجتين في خطط هيئة الأركان العامة الأمريكية لتقسيمها إلى خمس دول بالنسبة للأولى ولدولتين بالنسبة للثانية، لايمكنها أن تقاوم مثلما قاومت سورية ومنعت تقسيمها إلى ثلاث دول.

إن انهيار أسعار النفط وتدمير صناعة النفط الصخري الأمريكي، الذي تصورته المملكة العربية السعودية، أو التهديد بنشوب حرب تفرضها تركيا ضد روسيا في سورية، أمور لايمكنها أن تنتظر حتى نهاية الوباء.