عربي21 :
أروى بن نصر :
نشرت مجلة “الأتلنتيك” الأمريكية مقال رأي للصحفي البريطاني إد جونغ تحدث فيه عن السياسات التي وضعها صناع القرار في الكثير من بلدان العالم للتصدي لتفشي جائحة فيروس كورونا المستجد والتي لعبت دورا مهما إما في تضييق الخناق على الفيروس أو في مزيد استفحاله أكثر.
وقال الكاتب في تقريره الذي ترجمته “عربي21″، إن فيروس كورونا المستجد انتشر في الكثير من بلدان العالم وأصاب حوالي مئات آلاف الأشخاص .
وأضاف، أنه على خلفية تفشيه في الكثير من الأماكن، انهارت اقتصادات وأنظمة الرعاية الصحية. كما امتلأت المستشفيات بالمرضى وأغلقت الأماكن العامة. وأدى تفشي الفيروس إلى ابتعاد الناس عن أماكن عملهم وأصدقائهم.
وعلى غرار الحرب العالمية الثانية وهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، أثر تفشي هذه الجائحة على نفسية الكثير من الناس. والجدير بالذكر أن المئات من خبراء الصحة نشروا كتبًا وأبحاثًا ومقالات رأي تحذر من احتمال تفشي مرض بهذا الحجم، ناهيك عن التحذيرات التي أصدرها بيل غيتس من قبل حول هذا الشأن.
وذكر الكاتب أن الجيل الجديد الذي سيولد في خضم هذه الأزمة الصحية العالمية سيعيش في مجتمع شهد تغيرات جذرية جرّاء تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، مشيرا إلى أنه أطلق عليه اسم “الجيل سي”.
وأضاف أن معالم حياة “الجيل سي” الجديد ستتشكل، من خلال الخيارات والتدابير التي سيقع اتخاذها في الأسابيع المقبلة من قبل صناع القرار، ومن خلال الخسائر التي سيتكبدها العالم بسببها.
ونقل الكاتب ما جاء على لسان طبيبة الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة بوسطن، ناهد باديليا، التي أوضحت أن فيروس مثل سارس كوف 2 سيختبر قدرة الأنظمة الصحية المجهزة بشكل جيّد على الصمود. لذلك، ينبغي على الدول تطوير اختبار واستخدامه لتحديد الأشخاص المصابين وعزلهم وتتبع أولئك الذين تواصلوا معهم بهدف احتواء هذا المرض. وهذا ما فعلته كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ.
ولو تمكّنت الدول من تتبع انتشار الفيروس بدقة، لكانت المستشفيات قد نفذت خططها الخاصة بالأوبئة وهيأت نفسها من خلال تخصيص غرف العلاج أو طلب إمدادات إضافية، أو تحديد مرافق محددة للتعامل مع حالات الإصابة بكوفيد-19. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحسن التعامل مع أزمة الحالية التي تواجهها.
اقرأ أيضا: كيف تعرّض الأزمة الصحية بسبب كورونا حريات الشعوب للخطر؟
خلال الأشهر المقبلة
وأفاد الكاتب أنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة اللحاق بركب الدول التي تمكنت من الحدّ من الإصابات، ذلك أن الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى منذ عدة أيام ستبدأ الأعراض بالظهور عليهم في الوقت الحالي، حتى ولو سبق أن عزلوا أنفسهم في هذه الأثناء. سوف يدخل بعض هؤلاء الأشخاص إلى وحدات العناية المركزة في أوائل شهر نيسان/أبريل.
حتى نهاية الأسبوع الماضي، كان لدى الولايات المتحدة الأمريكية 17 ألف حالة مؤكدة، ولكن العدد الفعلي ربما كان يتراوح بين 60 ألف و245 ألف. ولازالت هذه الأرقام آخذة في الارتفاع، حيث بلغ عدد الحالات التي بلّغت عنها الجهات الرسمية 54 ألف صباح يوم الأربعاء الفارط، في حين لايزال العدد الحقيقي المسكوت عنه غير معروف.
في الواقع، تقدم إيطاليا وإسبانيا تحذيرات مخيفة بشأن المستقبل، إذ أن المستشفيات لم تعد تملك غرفا شاغرة، كما تعاني من نقص في الإمدادات والموظفين.
ومن جهة أخرى، اضطر الأطباء الغير قادرين على إنقاذ الجميع إلى اختيار رعاية المرضى الذين يبدون بوادر الشفاء، بينما يتركون الآخرين للموت.
وبحلول نهاية الصيف، سيكون الوباء قد قتل 2.2 مليون أمريكي بشكل مباشر، بغض النظر عن أولئك الذين سيموتون بشكل غير مباشر بسبب عجز المستشفيات على الاهتمام بالمصابين بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية وحوادث السيارات. هذا هو السيناريو الأسوأ. ولتجنب ذلك، ينبغي أن تحدث أربعة أمور بسرعة.
الأول والأهم هو إنتاج الأقنعة والقفازات ومعدات الحماية الشخصية الأخرى بسرعة. إذا لم يتمكن عمال الرعاية الصحية من البقاء بصحة جيدة، فسوف ينهار كل شيء. ففي بعض الأماكن، تكون المخزونات منخفضة بالفعل لدرجة أن الأطباء يعيدون استخدام الأقنعة بين المرضى، أو يطالبون بتبرعات من الجمهور، أو يخيطون بدائل محلية الصنع.
في الولايات المتحدة، يقع بالفعل نشر المخزون الوطني الاستراتيجي، خاصة في الولايات الأكثر تضررا. المخزون سينتهي، ولكنه يمكن أن يوفّر بعض الوقت. في المقابل، يمكن أن يستغل دونالد ترامب ذلك الوقت لوضع قانون الإنتاج الدفاعي، ويطلق مبادرة يتحول فيها المصنعون الأمريكيون إلى صنع المعدات الطبية. غير أن ترامب فشل بالفعل في تحقيق هذه المبادرة وذلك بسبب الضغط الذي تلقاه من غرفة التجارة الأمريكية ورؤساء الشركات الكبرى.
في الحقيقة، بعض الشركات المصنعة ترقى بالفعل إلى مستوى التحدي، لكن جهودها مجزأة وموزعة بشكل غير متساو. وفي هذا الصدد، يقول علي خان، عميد الصحة العامة في المركز الطبي بجامعة نبراسكا: “في يوم من الأيام، سنستيقظ على قصة أطباء في مدينة ‘أكس’ يعملون مرتدين عصابات، بينما تتكدس الأقنعة في مدينة ‘واي’ في الخزائن”.
ونقل الكاتب قول توماس إنغليسبي من كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة: “هناك حاجة الآن لعملية ضخمة للوجستيات وسلسلة التوريد في جميع أنحاء البلاد”، إلا أنه لا يمكن إدارتها من قبل الفرق الصغيرة وعديمة الخبرة المنتشرة في جميع أنحاء البيت الأبيض. الحل، كما يقول، هو استدعاء وكالة الدفاع اللوجستية، وهي مجموعة تتألف من 26 ألف شخص تجهّر الجيش الأمريكي للعمليات في الخارج، سبق وأن ساعدت في أزمات الصحة العامة السابقة.
يمكن لهذه الوكالة أيضًا البدء في تنفيذ اختبارات كوفيد ـ19 على نطاق واسع. وكانت هذه الاختبارات بطيئة في الوصول إلى الناس بسبب عدم وجود أقنعة لحماية الأشخاص الذين يديرون الاختبارات ونقص إجراء المسحات البلعومية الأنفيّة لجمع العينات الفيروسية، وغياب أدوات الاستخراج لسحب المادة الوراثية للفيروس من العينات والكواشف الكيميائية التي تمثل جزء من تلك المجموعات، بالإضافة إلى عدم توفّر الأشخاص المدربين الذين يمكنهم إجراء الاختبارات. ويعود هذا النقص مرة أخرى لسلاسل التوريد المتوترة.
وأوضح الكاتب أن بعض النواقص وقع معالجتها. وفي الواقع، تتحرك إدارة الغذاء والدواء الآن بسرعة للموافقة على الاختبارات التي طورتها المختبرات الخاصة. بذلك، يمكن التحصّل على النتائج في أقل من ساعة، مما يسمح للأطباء بمعرفة ما إذا كان المريض حاملا لفيروس كوفيد ـ19.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ: ما تأثير وباء كورونا على الربيع العربي الثاني؟
ويقول مارك ليبسيتش، من جامعة هارفارد، إن الأولوية الأولى هي اختبار العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى في المستشفيات. وفي وقت لاحق، بمجرد أن تتباطأ الأزمة المباشرة، ينبغي نشر الاختبارات على نطاق أوسع.
وستستغرق هذه التدابير وقتًا، حيث سيتسارع الوباء خلالها إلى ما يتجاوز قدرة النظام الصحي أو يتباطأ إلى مستويات يمكن احتواؤها.و يعتمد مسارها ومصير الأمة الآن على الحاجة الثالثة وهي الابتعاد الاجتماعي.
ولفت إلى أن هناك الآن مجموعتان فقط من الأمريكيين، حيث تشمل المجموعة “أ” جميع المشاركين في الاستجابة الطبية، في حين تتكون المجموعة “ب” من أي شخص آخر وتتمثل مهمتهم في توفير المزيد من الوقت للمجموعة “أ”. ينبغي أن يقوم أعضاء المجموعة “ب” ‘بتسوية المنحنى’ من خلال عزل أنفسهم جسديًا عن الأشخاص لوضع حد لانتشار الفيروس.
وأفاد الكاتب أن إقناع بلد كامل بالبقاء طوعًا في المنزل ليس بالأمر السهل، وقد يضطر رؤساء البلديات والمحافظون وأصحاب الأعمال إلى اتخاذ خطواتهم الخاصة نظرا لنقص الإرشادات الواضحة من البيت الأبيض. في الواقع، حظرت بعض الولايات التجمعات الكبيرة أو أغلقت المدارس والمطاعم. ومع ذلك، يواصل العديد من المواطنين التجمهر في الأماكن العامة.
في هذه اللحظات، عندما تعتمد مصلحة الجميع على تضحيات الكثيرين، فإن التنسيق الواضح أمر مهم للغاية. ينبغي تعميم أهمية البعد الاجتماعي على الجمهور وطمأنته أيضا. بدلا من ذلك، قلّل ترامب من أهمية المشكلة مرارا وتكرارا وأخبر الأمريكيين بأنهم “مسيطرون على الوضع” في حين أن الأمر ليس صحيحا، وأن هذه الحالات “ستنخفض إلى ما يقرب من الصفر” عندما كانت ترتفع.
بعيدًا عن غرفة الصحافة في البيت الأبيض، يبدو أن ترامب كان يستمع إلى أنثوني فاوشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية والذي يعمل الآن في فرقة العمل الخاصة بفيروس كوفيد ـ19 التي تجتمع مع ترامب تقريبًا كل يومين. وقال فاوشي: “لدى ترامب أسلوبه الخاص، فلنترك الأمر عند هذا الحد، لكنه يستمع إلى أي نوع من التوصيات التي قدمتها”.
وأفاد الكاتب بأن ترامب يبدو مترددا بالفعل، حيث أنه أشار في الأيام الأخيرة إلى استعداده للتراجع عن سياسات التباعد الاجتماعي في محاولة لحماية الاقتصاد. والجدير بالذكر أن النقاد وقادة الأعمال استخدموا كلاما مشابها، قائلين بأنه من الممكن حماية الأشخاص المعرضين للخطر مثل كبار السن، بينما يُسمح للأشخاص الذين لا يهدد الفيروس حياتهم بشدة أن يعودوا إلى العمل.
وأوضح الكاتب أن مثل هذا التفكير يُعد مُغر لكن تشوبه العيوب، حيث أنه يبالغ في تقدير قدرة الأمريكيين على تقييم الخطر الذي يواجهه الشخص، ويضع حاجزا بين الأشخاص “المعرضين للخطر” وبقية المجتمع. في الواقع، قدّر تحليل حديث من جامعة بنسيلفانيا أنه حتى إذا تمكنت إجراءات التباعد الاجتماعي من تقليص معدلات الإصابة بالفيروس بنسبة 95 بالمئة، سيحتاج 960 ألف أمريكي إلى الرعاية المكثفة.
وأضاف، لذلك سيكون من الغباء التخلي عن التباعد الاجتماعي الآن بينما لا تزال اختبارات الكشف عن الفيروس ومعدات الحماية نادرة.
المرحلة النهائية
ذكر الكاتب أنه طالما استمر الفيروس في الانتشار في مكان ما في العالم، فهناك احتمال أن ينقله مسافر مصاب إلى البلدان التي احتوت تفشي هذا الوباء بالفعل. والجدير بالذكر أن هذا ما يحدث الآن في الصين وسنغافورة ودول آسيوية أخرى، والتي بدت لفترة وجيزة وكأنها سيطرت على الفيروس. في ظل هذه الظروف، هناك ثلاث سيناريوهات نهائية محتملة.
وأشار الكاتب إلى أنه عبر السيناريو الأول، تتمكن كل دولة من معالجة الفيروس في وقت واحد، كما حدث مع المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة الأصلية في سنة 2003. وبالنظر إلى مدى انتشار جائحة فيروس كورونا وعدم تمكن العديد من البلدان من التعامل معه، فإن احتمالات سيطرة بلدان العالم على الفيروس في آن واحد تبدو ضئيلة.
وذكر الكاتب أن السيناريو الثاني يقوم على ترك الفيروس ينتشر في جميع أنحاء العالم وتركه لما يكفي من الناجين المحصنين ضده حتى يصبح من الصعب له أن يُصيب أي شخص. يُعد هذا المخطط الافتراضي “لمناعة الجميع ضد المرض” سريعا، وبالتالي مغري. لكن ستكلف هذه المرحلة العالم خسارة فادحة حيث أن فيروس “سارس ـ كوف 2” يُعد أكثر قابلية للانتقال وأكثر فتكا من الأنفلونزا، ومن المحتمل أن يتسبب في ملايين الوفيات وأن يدمر النظم الصحية.
وأضاف الكاتب أن السيناريو الثالث هو قضاء دول العالم على تفشي المرض هنا وهناك حتى يمكن إنتاج لقاح. والواقع أن هذا الخيار يمثل الخيار الأفضل، ولكنه يمثل أيضًا الخيار الأطول والأكثر تعقيدًا. لصنع لقاح ضد الفيروس، سيحتاج الباحثون إلى التحقق من أنه قادر على منع الإصابة بفيروس “سارس ـ كوف 2”.
ونقل الكاتب ما جاء على لسان الرئيس التنفيذي للتحالف العالمي للقاحات والتحصين، سيث بيركلي، الذي صرح بأنه “حتى إذا نجح العالم في اكتشاف اللقاح، فلن يجدوا طريقة سهلة لتصنيعه على نطاق واسع”. بغض النظر عن الاستراتيجية الأسرع، يقدر بيركلي وآخرون أن تطوير لقاح فعال يستغرق من 12 إلى 18 شهرًا، وسيستغرق وقتًا أطول لصنعه وشحنه لدول العالم وحقنه.
وأوضح الكاتب أنه من المحتمل إذن أن يمثل فيروس كورونا الجديد جزء باق من الحياة الأمريكية لمدة سنة على الأقل، إن لم يكن لفترة أطول. إذا نجحت تدابير التباعد الاجتماعي، فيمكن أن ينحسر الوباء بشكل كاف لكي يعود الوضع للحياة الطبيعية. غير أنه مع عودة الوضع العادي، سيعود الفيروس أيضًا، وهذا لا يعني أن المجتمع مضطر إلى الاستمرار في اتباع سياسة الإغلاق الكامل حتى سنة 2022.
وذكر الكاتب أن الكثير مما سيحدث في السنوات القادمة، بما في ذلك تواتر الاضطرابات الاجتماعية ومدتها وتوقيتها، يعتمد على خاصيتين للفيروس، وكلاهما غير معروف حاليًا. تتمثل الخاصية الأولى في الموسمية، حيث تميل الفيروسات التاجية إلى الظهور في فصل الشتاء والتلاشي في فصل الصيف. قد ينطبق ذلك على فيروس “سارس ـ كوف 2″، لكن الاختلافات الموسمية قد لا تبطئ الفيروس بما فيه الكفاية.
وتتمثل الخاصية الثانية في مدة المناعة. في الواقع، عندما يصاب الناس بالفيروسات التاجية البشرية المعتدلة التي تسبب أعراضًا شبيهة بالبرد، فإنهم يظلون يحملون مناعة ضدها لمدة تقل عن سنة. وعلى النقيض من ذلك، ظل القليل ممن أصيبوا بفيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة الأصلي الذي كان أشد حدة، حاملين للمناعة لفترة أطول.
اقرأ أيضا: إيسكوير: كيف سيغير كورونا حياتنا وطريقة عملنا وعلاقاتنا؟
وعلى افتراض أن فيروس “سارس ـ كوف 2” يقع في مكان ما في الوسط، فإن الأشخاص الذين يتعافون منه قد يكونون محميين منه لبضع سنوات. لتأكيد ذلك، سيحتاج العلماء إلى تطوير اختبارات مصلية دقيقة تبحث عن الأجسام المضادة التي تمنح المناعة، كما سيحتاجون إلى التأكد من أن هذه الأجسام المضادة تمنع الأشخاص من الإصابة بالفيروس أو نشره.
وأورد الكاتب أنه يمكن للعلماء توظيف الفترات الفاصلة بين تلك النوبات المرضية لتطوير أدوية مضادة للفيروسات، على الرغم من أن هذه الأدوية نادرًا ما تكون فعالة، وتنجم عنها آثار جانبية محتملة. كما يمكن للمستشفيات تخزين المستلزمات الضرورية وتوزيع مجموعات الاختبار على نطاق واسع لرصد عودة الفيروس في أسرع وقت ممكن.
لا يوجد سبب يدعو الولايات المتحدة إلى السماح لفيروس كوفيد-19 بإصابة الناس دون علم، وبالتالي ليس هنالك داعٍ لنشر تدابير التباعد الاجتماعي على نطاق واسع. وكما كتب آرون إي كارول وأشيش جها مؤخرا: “يمكننا إبقاء المدارس والشركات مفتوحة قدر الإمكان، وإغلاقها بسرعة عند فشل الحظر، ثم فتحها مرة أخرى بمجرد تحديد المصابين وعزلهم. بدلا من أن نلجأ إلى نهج الدفاع، يمكننا أن نعتمد على الهجوم”.
وسواء من خلال ضمان مناعة المجتمع أو وصول اللقاح الذي طال انتظاره، فإن الفيروس سيجد الانتشار على نطاق كبير أكثر صعوبة. في الواقع، إنه من غير المحتمل أن يختفي بالكامل، وقد يحتاج اللقاح إلى التحديث مع تغير الفيروس، كما سيحتاج الناس إلى إعادة التلقيح على أساس منتظم مثلما يفعلون حاليًا مع الإنفلونزا. وفي المستقبل، قد يصبح فيروس كوفيد-19 مثل الأنفلونزا، مجرد مرض شتوي متكرر.
تبعات فيروس كورونا
أفاد الكاتب بأن تكلفة الوصول إلى هذه النقطة، مع أقل عدد ممكن من الوفيات، ستكون باهظة. ونقلا عن زميلته آني لوري، فإن الاقتصاد يعاني من صدمة “مفاجئة وشديدة تفوق جميع التوقعات”.
وفي الواقع، فقد حوالي واحد من كل خمسة أشخاص في الولايات المتحدة ساعات عمله أو وظيفته، كما أن الفنادق شاغرة وشركات الطيران أوقفت الرحلات الجوية والمطاعم والشركات الصغيرة الأخرى أغلقت أبوابها. وسوف تتسع أوجه عدم المساواة، إذ سيكون الأشخاص ذوي الدخل المنخفض هم الأكثر تضررا من التدابير الاجتماعية بعيدة المدى.
وذكر الكاتب أنه مع اختفاء فيروس كورونا، ستليها جائحة ثانوية تتعلق بمشاكل الصحة العقلية. في لحظة من الفزع الشديد وعدم اليقين، عُزلت الناس عن التواصل الاجتماعي وأضحى العناق والمصافحات والطقوس الاجتماعية الأخرى مصدر تهديد. كما يواجه الأشخاص المصابين بالقلق أو الوسواس القهري صعوبات عدة. علاوة على ذلك، يُطلب من كبار السن أن ينأوا بأنفسهم عن الاحتكاك بالآخرين أكثر، مما يعمق وحدتهم. ومن ناحية أخرى، يعاني الآسيويون من إهانات عنصرية، يغذيها رئيس يصر على وصف فيروس كورونا بأنه “الفيروس الصيني”.
وبعد الوباء، قد يُنبذ الأشخاص الذين تعافوا من فيروس كوفيد-19 ويوصّمون بالعار، وسيستغرق العاملون في مجال الرعاية الصحية وقتًا للشفاء وستتراجع إنتاجيتهم ليصبحوا أكثر عرضة للإصابة بالإرهاق والتوتر بعد الصدمة. كما ستخلّف فترة الحجر الصحي بعض الانعكاسات السلبية.
ويقول ستيفن تايلور من جامعة كولومبيا البريطانية، الذي كتب كتاب “علم النفس أثناء الأوبئة”: “لاحظ زملائي في ووهان أن بعض الناس هناك يرفضون الآن مغادرة منازلهم وقد أصيبوا برهاب الخلاء”.
وفي المقابل، يقول ريتشارد دانزيج من مركز الأمن الأمريكي الجديد: “هناك أيضًا إمكانية لعالم أفضل بكثير بعد أن نمر بهذه الصدمة”. بالفعل، تجد المجتمعات طرقًا جديدة للتلاقي حتى في فترة التباعد الاجتماعي. كذلك، يمكن أن تتغير نظرتنا للتدابير الصحية نحو الأفضل، فإن غسل يديك لمدة 20 ثانية، وهي عادة كان من الصعب على مر التاريخ تكريسها حتى في المستشفيات، ستصبح عادة مقدسة.
ونوّه الكاتب بأن من شأن الأوبئة أن تحفز التغيير الاجتماعي. فسرعان ما تبنّت الشركات والمؤسسات ممارسات لم يسمحوا بها من قبل، على غرار العمل من المنزل، والدعوة إلى المؤتمرات لاستيعاب الأشخاص ذوي الإعاقة، والإجازات المرضية، وترتيبات رعاية الأطفال المرنة. في الواقع، ربما تتعلم الأمة أن الاستعداد لا يتعلق فقط بالأقنعة واللقاحات والاختبارات، ولكن أيضًا حول سياسات العمل العادلة ونظام الرعاية الصحية المستقر والمتساوي.
وقال الكاتب إن جوانب من الهوية الأمريكية قد تحتاج إلى إعادة صياغة مفهومها بعد زوال فيروس كورونا، إذ يبدو أن العديد من قيم البلاد القائمة على الفردانية والاستثنائية تعود بالضرر عليها خلال الوباء. فعندما حان الوقت لإنقاذ الأرواح والبقاء في المنزل، توافد بعض الناس إلى الحانات والنوادي.
تجدر الاشارة إلى أن السنوات من الخطاب الانعزالي لها عواقب أيضا، حيث اعتقد المواطنون الذين رأوا الصين كمكان بعيد ومختلف، أين تكون الخفافيش صالحة للأكل وتكون السلطوية مقبولة، أنهم محصنين من هذه الجائحة ولن يصيبهم مكروه. في هذا الصدد، تقول ويندي بارميت، التي تُدرّس القانون والصحة العامة في جامعة نورث إيسترن: “عندما يكون لديك هيئة سياسية تشجع على هذه الأفكار الانعزالية والعرقية، فستصاب بالعجز عندما ينتشر الوباء على وجه الخصوص”.
اقرأ أيضا: إندبندنت: تعامل ترامب مع أزمة كورونا يدل على “مرض نفسي”
وأوضح الكاتب أن الأوبئة الرئيسية الأخرى في العقود الأخيرة بالكاد أثرت على الولايات المتحدة، إذ كان وقعها أخف مما كان متوقعًا أو أنها كانت تقتصر في الغالب على مجموعات محددة من الناس. وعلى النقيض من ذلك، فإن جائحة كوفيد-19 تؤثر على الجميع بشكل مباشر، وتغيّر طبيعة حياتهم اليومية. وهذا ما يميزها ليس فقط عن الأمراض الأخرى، ولكن أيضًا عن التحديات النظامية الأخرى في عصرنا.
بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، ركز العالم على مكافحة الإرهاب، أما بعد فيروس كورونا فقد يتجه الانتباه إلى الصحة العامة. من المتوقع أن نرى زيادة كبيرة في تمويل علم الفيروسات وعلم اللقاحات وعدد الطلاب المتقدمين لبرامج الصحة العامة والمزيد من الإنتاج المحلي للإمدادات الطبية. ينبغي توقع ظهور الأوبئة على رأس جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبيّن الكاتب أنه من الصعب التنبؤ بالدروس التي تستخلصها الولايات المتحدة من هذه التجربة، خاصة في وقت لا تقدم فيه الخوارزميات على الإنترنت والمذيعون الحزبيون سوى الأخبار التي تتوافق مع التصورات المسبقة لجمهورهم. يقول إيلان غولدنبرغ، خبير السياسة الخارجية في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إن مثل هذه الديناميكيات ستكون محورية في الأشهر المقبلة.
وأضاف غولدنبرغ قائلا: “لم تكن التحولات بعد الحرب العالمية الثانية أو أحداث 11 أيلول/ سبتمبر عبارة عن مجموعة من الأفكار الجديدة. وإن الأفكار موجودة، لكن المناقشات ستكون أكثر حدة خلال الأشهر القليلة المقبلة بسبب مرونة اللحظة واستعداد الجمهور الأمريكي لقبول تغييرات كبيرة وواسعة”.
يمكن للمرء أن يتصور بسهولة عالمًا تعتقد فيه معظم الأمة أن الولايات المتحدة هزمت فيروس كوفيد ـ19. وعلى الرغم من الهفوات العديدة لترامب، فقد ارتفع تصنيفه. تخيل أنه نجح في توجيه أصابع اللوم إلى الصين، حيث وصفها بأنها الشرير وأن الولايات المتحدة هي البطلة.
في المقابل، يمكن للمرء أيضا أن يتصور مستقبلا تتعلم فيه الولايات المتحدة درسا مختلفا. وإن الروح الجماعية التي ولدت من خلال الابتعاد الاجتماعي جعلت الناس يتجهون إلى الخارج، أي إلى الجيران الأجانب والمحليين. بالإضافة إلى ذلك، ستصبح انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 بمثابة رفض لسياسة “أمريكا أولاً”. وستنتقل الأمة، كما فعلت بعد الحرب العالمية الثانية، من الانعزالية إلى التعاون الدولي.
وللاطلاع على كامل الإحصائيات الأخيرة لفيروس كورونا عبر صفحتنا الخاصة اضغط هنا