“إسقاط المواطنة”.. خطوة ترامب لإلغاء الوجود الفلسطيني
ضمن المخطط الأكبر الذي رسمته الولايات المتحدة الأمريكية ضد مدينة القدس المحتلة وسكانها الفلسطينيين، لجأت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى اعتماد صيغ وعبارات جديدة، تستهدف المقدسيين بشكل مباشر وتمس حقوقهم الوطنية والسياسية والقانونية داخل مدينتهم المقدسة.
وفي سابقة خطيرة، تعمدت وزارة الخارجية الأمريكية، في تقريرها الأخير، استبدال تعريف “المواطنين الفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية”، المعترف به في جميع المحافل الدولية، بعبارة “المقيمين العرب”، أو “غير الإسرائيليين”، لتُشعل بها موجة غضب فلسطينية، وسط تحذيرات من النتائج المترتبة على تدويل واعتماد هذه العبارات، وعلاقاتها الخفية بما جاء بخطة ترامب السياسية التي تُعرف باسم “صفقة القرن”.
التقرير الذي صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، الأربعاء (11 مارس)، أسقط رسمياً صفة “الفلسطيني” عن سكان شرقي القدس المحتلة، واعتبر أن الفلسطينيين الذين يقيمون في تلك المنطقة هم “سكان غير إسرائيليين يعيشون في القدس”، أي “مقيمون عرب”.
ويعالج التقرير الذي يصدر سنوياً عن الخارجية الأمريكية، حالة حقوق الإنسان حول العالم بما يتناسب مع سياسات واشنطن، ويحتوي على فصل عن الوضع في الضفة الغربية، ومن ضمنها القدس، ويتضمن كذلك لفت الانتباه إلى حالة حقوق الإنسان في كل دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكن اتجاهه تغير منذ وصول ترامب للبيت الأبيض، ليظهر انحياز الإدارة الأمريكية لسياسة الاحتلال الإسرائيلي وممارسته في كل ما يتعلق بالصراع العربي/ الفلسطيني- الإسرائيلي.
وتعد هذه الخطوة تحدياً أمريكياً جديداً لقرارات مجلس الأمن الدولي تجاه القضية الفلسطينية، وخصوصاً القرار رقم 2334، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي صدر في (29 نوفمبر 2012)، والذي أصبحت فيه دولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، وكذلك قرارات الشرعية الدولية التي أكدت جميعها أن “القدس الشرقية” جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
أصحاب الحق والأرض
مفتي القدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عكرمة صبري، يقول: إن “إدارة الرئيس ترامب استفحلت في تجاوزاتها واعتداءاتها على المدينة المقدسة وسكانها، من خلال القرارات الخطيرة والمُجحفة التي تتخذها وتستهدف بشكل مباشر المدينة ومكانتها الإسلامية العريقة”.
صبري يؤكد، في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، أن الخطوات التي تبعت إعلان “صفقة القرن”، ما هي إلا محاولات “شيطانية” لتزييف تاريخ المدينة المقدسة وإعطائه الطابع اليهودي، والتمهيد لخطوات لاحقة لتهجير سكانها على أنهم مقيمون فيها وليسوا من سكانها الأصليين.
ويوضح أن المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لإسقاط حق الفلسطينيين في مدينتهم المقدسة تجاوز كل الخطوط الحمر، ويعد سابقة خطيرة لا يمكن الوقوف عليها دون خطوات عملية وقوية تُسقطها وتلغيها، كما أسقطت حق كل مقدسي في مدينته التي تحارب الاحتلال والإدارة الأمريكية والمتواطئين معهم.
خطيب المسجد الأقصى حذر من تدويل واعتماد تلك المصطلحات التي أسماها بـ”المشبوهة”، مؤكداً أنها توجه جديد ضمن المخطط القديم الذي يستهدف المدينة المقدسة وسكانها، لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي في السيطرة وإلغاء الطابع الإسلامي الفلسطيني وتزييفه بطابع يهودي مندس وعنصري.
ولفت صبري، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن مثل تلك المصطلحات تُعطي شرعية مجانية للاحتلال، على حساب الحقوق الوطنية والسياسية والقانونية لسكان المدينة، وتنسجم تماماً مع مخاطر “صفقة القرن” التي اعتبرت القدس هدفها الأول والرئيسي، وعنواناً لخطتها السياسية التي تستهدف القضية الفلسطينية.
وشدد خطيب المسجد الأقصى على أنه “لا الإدارة الأمريكية ولا حتى إسرائيل يملكون القدرة على إسقاط حقوق المواطنة عن المقدسيين داخل مدينتهم المحتلة، وأن مثل تلك القرارات رغم خطورتها هي مجرد محاولات ستسقط أمام صمود أهل المدينة”، مشيراً إلى أن استمرار الغطرسة الأمريكية وانحيازها للاحتلال على حساب القدس وسكانها سُيشعل غضب الفلسطينيين ويقلب المنطقة على رأس الجميع.
يذكر أن التقرير الصادر عن الخارجية الأمريكية قبل عامين أسقط مصطلح “الأراضي المحتلة” عن قطاع غزة والضفة الغربية، وفي العام الماضي، أسقط التقرير مصطلح “الأراضي المحتلة” عن هضبة الجولان السوري، كما تضمن التقرير إدانات شديدة اللهجة لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل السلطة الفلسطينية و”حماس”.
واعتبر كذلك هضبة الجولان السوري والضفة الغربية المحتلتين، وقطاع غزة المحاصر، مناطق تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، علماً أن التقارير السابقة التي صدرت بهذا الشأن وصفت هذه المناطق بـ”المحتلة”.
وفي تقرير هذا العام أُسقط مصطلح “الفلسطينيين” عن السكان العرب الذين يعيشون في الأراضي المحتلة بالقدس وعددهم يتجاوز 340 ألفاً، حيث تفرض “إسرائيل” سيادتها على المدينة، واعتبرهم “السكان العرب” أو “المواطنين غير الإسرائيليين”.
وتزعم إدارة ترامب أنها “ترسي مبدأ الالتزام بالحقيقة والوقائع على الأرض، وأن التعريف الجديد يعكس الواقع في القدس كما هو لأنه لا توجد دولة فلسطينية وأن السكان العرب في القدس ليسوا مواطنيها أيضاً”.
وفي هذا السياق، نقل موقع صحيفة “يسرائيل هيوم” الإلكتروني عن مسؤول في البيت الأبيض أن “الإدارة الأمريكية تحتاج إلى وصف الواقع كما هو بأنه لا يمكن الاعتماد على تقرير المصير الذي لا أساس له في الواقع”.
وادعى أن “هذا التقرير يقرب المنطقة من السلام لأنه، كما قلنا مراراً، لا يمكن بناء السلام إلا على أساس الحقيقة. كل شيء آخر سوف يتفكك ويفشل”، حسب موقع “عرب 48”.
تزييف تاريخ القدس
عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي، محمود الزق، أكد أن إدارة ترامب تواصل خطواتها التصعيدية ضد مدينة القدس التي شملت الاعتراف بها عاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية إليها، إضافة لدعم مخططات العنصرية والتهجير وصولاً إلى إسقاط صفة المواطنة عن سكانها الفلسطينيين.
وأوضح الزق، في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، أن الإدارة الأمريكية لا تلتفت للقوانين الدولية التي اعترفت بحقوق الفلسطينيين داخل مدينتهم، وهذه الخطوة الجديدة، التي لم تسقط سهواً وجاءت بعد أسابيع من طرح “صفقة القرن”، تكشف حجم خطورة المخططات التي تحاك ضد القدس وسكانها.
ولفت إلى أن هذه الخطوة استهداف مباشر لحقوق ومكانة وقانونية المقدسيين، السكان الأصليين للمدينة، واعتبار أنهم “مقيمون غير إسرائيليين، أو عرب”، وشطب وجودهم، خطوة خطيرة سيكون لها تبعات صادمة للجميع، مشدداً على أن إدارة ترامب كشفت للجميع وجهها الحقيقي في دعم عنصرية الاحتلال وهمجيته.
هذه الخطوة، بحسب الزق، من شأنها أن تُزيف تاريخ القدس بأكمله، وتتماشى مع المخطط الإسرائيلي الأكبر في السيطرة الدينية والسياسية والعسكرية على المدنية بخلاف كل القوانين الدولية التي اعترفت بالفلسطينيين في مدينتهم وحقهم في المواطنة والعيش رغم الاحتلال.
ولفت إلى أن المواقف الأمريكية باتت جميعها معادية لحقوق ومصالح الفلسطينيين وتتماشى مع “صفقة القرن”، مشدداً على أن محو الإدارة الأمريكية لمصطلح “فلسطينيين” لن يغير من الواقع شيئاً، و”الهوية والحقوق الفلسطينية لأهل القدس ستبقى ما بقوا على هذه الأرض”.
بدوره أدان مركز “حماية” لحقوق الإنسان إسقاط الإدارة الأمريكية صفة المواطنة الفلسطينية عن المقدسيين المقيمين داخل أحياء شرقي القدس المحتلة. وبيَّن، في بيان حصل “الخليج أونلاين” على نسخه عنه، أن هذا الإجراء “تدخل غير مبرر وغير مقبول في عرف القانون الدولي وحقوق الإنسان، وانحياز لصالح دولة على حساب دولة أخرى، وهذا ما من شأنه أن يعزز الاضطراب والصراع في المنطقة”.
وطالب المركز الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجميع الدول الأعضاء برفض المواقف الأمريكية المنحازة، وحماية قراراتها وإسقاط أي مبادرات سياسية تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وتتجاوز القانون الدولي، وعدم الاعتراف بأي مواقف أو قرارات أو إجراءات تفرضها الولايات المتحدة، ومن ضمن ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” وفرض سيادتها على الضفة الغربية، ونزع الصفة الوطنية عن المقدسيين في مدينة القدس المحتلة.
وبدأت إدارة ترامب في الآونة الأخيرة بالتراجع عن المواقف والسياسات الأمريكية الثابتة التي انتهجتها الإدارات السابقة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والتي كانت خلالها تعترف بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم في حدود 1967 وعاصمتها “القدس الشرقية”.
ويأتي تغيير التوصيف الأمريكي وسط تزايد المشاحنات حول المدينة في أعقاب نشر خطة ترامب بشأن الشرق الأوسط والتي تقول إن القدس ينبغي أن “تظل العاصمة السيادية لدولة إسرائيل” في أي اتفاق سلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين.