"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

نتائج “الرخاوة” المصرية.. هل اقتربت إثيوبيا من تعطيش مصر؟

إثيوبيا تعتزم بدء التعبئة الأولية لخزان “سد النهضة” بعد 4 شهور

لم تجد إثيوبيا وقتاً أفضل مما تمر به مصر حالياً من حالة ضعف سياسي واقتصادي بقيادة رأس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي، لتحقيق حلم راودها من سنوات طويلة، وهو بناء سد النهضة والانتهاء من ملء خزاناته، متجاهلة أي اتفاقيات أو التزامات دولية.

وبلغة قوية خرج وزير الخارجية الإثيوبي، جودو أندارجاشيو، ليعلن أن بلاده تعتزم بدء التعبئة الأولية لخزان “سد النهضة” بعد 4 شهور، مؤكداً عدم وجود أي قوة تستطيع أن تثني إثيوبيا عن استكمال بناء السد، وهو ما يعد تحدياً واضحاً للسلطات المصرية التي تقف عاجزة منذ سنوات.

ولم يكتفِ وزير الخارجية الإثيوبي بتأكيداته ملء الخزان، بل ذهب إلى أكثر من ذلك برفضه لأي تحذيرات مصرية عن تدمير علاقاتها مع بلاده، مؤكداً أن “إثيوبياً لا تخشى أحداً”، منهياً بذلك الأمل في الوصول إلى اتفاق بعد جولات مفاوضات رعتها أمريكا.

كما رفض أندارجاشيو بيان وزارة الخزانة الأمريكية حول تعبئة السد، قائلاً: “لن نقبل أن تطلب منا أمريكا أن نفعل شيئاً لا نريده، وممارسة الضغوط علينا لفائدة الآخرين”.

وأعلن وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشن، عدم إحراز أي تقدم في مفاوضات سد النهضة على مدى 8 سنوات، مشيراً إلى أنه مصدر قلق كبير بشأن السلامة وتوفير المياه.

واستخدم وزير الخارجية الإثيوبية لغة قوية حين قال: “الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا، ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه”.

وسد النهضة هو سد إثيوبي يقع على النيل الأزرق بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية، كان قد بدأ بناؤه عام 2011، في حين تخطط أديس أبابا للانتهاء منه بشكل كلي عام 2023، ولدى الخبراء في مصر والسودان قلق كبير بخصوص تأثيره في تدفق مياه النيل والحصة المتفق عليها.

واقترحت مصر خلال المفاوضات الثلاثية “ملء السد خلال 7 سنوات مع الإبقاء على مستوى المياه في سد أسوان (جنوبي مصر) عند 165 متراً فوق سطح الأرض، على أن تقدم إثيوبيا 40 مليار متر مكعب سنوياً من المياه إليها”، فيما تقترح أديس أبابا ملء السد وتخزينه بين 4 و7 سنوات.

وفي ظل وصول المفاوضات إلى نقطة “اللاعودة”، تبدو الخيارات أمام مصر محدودة للغاية في التعامل مع الأزمة، التي تُهدد بجفاف أكثر من نصف الرقعة الزراعية الحالية في البلاد، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة في البلاد.

وتروج الدبلوماسية المصرية دائماً أن المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة حول سد النهضة تسفر دائماً عن نتائج إيجابية، في حين تواصل السلطات الإثيوبية إجراءاتها لملء خزانات السد وهو ما يهدد حصة مصر من مياه نهر النيل الشريان الوحيد للحياة لدى المصريين.

آثار كارثية

وحول الآثار السلبية لسد النهضة على مصر يؤكد الخبير المائي محمد حافظ، أن إثيوبيا ستحجز 104 مليارات متر مكعب من مياه نهر النيل، وهي كميات كان مفترضاً أن تصل إلى بحيرة ناصر، وهو ما سيؤدي إلى عجز يزيد على 30 ملياراً من المياه بالسنة.

ويقول حافظ في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “سد النهضة يعني أنه لا توجد مياه ري لقرابة 5 ملايين فدان، وفقدان أكثر من 25 مليون مواطن مصري وظيفته كفلاح أو يعمل في مجال الإنتاج الزراعي كمزارع الأبقار أو الأغنام”.

ولفت إلى أن الكثير من الأسماك في نهر النيل مهددة بالاختفاء بسبب زيادة حموضة المياه وقلتها، وهو ما يعني تضرر عدد كبير من الصيادين وحرمان المصريين من هذا الغذاء.

ومع انخفاض المياه القادمة لمصر من المنبع؛ ستدخل مياه البحر الأبيض المتوسط في شمال الدلتا، وهو ما سيتسبب في تمليح أرضية النيل، وفق حديث حافظ.

وسيؤثر انخفاض مستوى النيل، كما يؤكد الخبير المائي لـ”الخليج أونلاين”، على محطات معالجة المياه؛ لكونها ستكون غير قادرة على سحب المياه من النهر ومعالجتها بسبب حموضتها العالية وانخفاض منسوبها.

وبعد عامين من تشغيل السد، سيصل منسوب تخزين المياه بالسد العالي إلى الصفر، وهو ما يعني وقف توليد الكهرباء منه، حسب تأكيدات حافظ.

وحول تعامل الحكومة المصرية مع سد النهضة، اعتبر الخبير المائي أن حكومة بلاده تقوم بإدارة الأزمة بنوع من “الرخاوة الشديدة”؛ من خلال التنازل عن عنصر القوة في التعامل مع القضية، وهو ما زاد من أطماع إثيوبيا.

وأوضح أن الرئيس السيسي وقع اتفاقية وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة مع إثيوبيا والسودان في 2015، دون الدخول بأي مفاوضات مسبقة حول القضية، وهو ما أضعف موقف بلاده في تحقيق أي إنجاز حول هذا الملف.

يشار إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، هدد بأن بلاده ستحشد ملايين الجنود إذا اضطرت إلى خوض حرب بسبب النزاع مع مصر على مشروع سد النهضة الإثيوبي.

وشدد أحمد على أن بلاده مصممة على إتمام مشروع السد لأنه مشروع “ممتاز”، وقال في هذا الصدد: “يقول البعض أموراً عن استخدام القوة من قبل مصر، ينبغي التأكيد على أنه ما من قوة تستطيع منع إثيوبيا من بناء سد”.

لكن السيسي تعامل بما وُصف بأنه “لامبالاة” مع تصريح أحمد، حيث أظهرت الصورة المتداولة للقاء الذي جمعه برئيس الوزراء الإثيوبي في أكتوبر الماضي، على هامش قمة روسيا-أفريقيا، تجاهل السيسي لتصريحات نظيره المهددة بالحرب.

وظهر السيسي في اللقاء مبتسماً، في حين يجلس آبي أحمد بطريقة مسترخية بجوار نظيره المصري الذي خاطبه بالقول: “أهنئك بجائزة نوبل، وأنت رجل سلام حقيقي”.