القدس العربي :
العقيد د. شاؤول اريئيلي هو رجل الخرائط، يساري وخبير في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، مع التركيز الخاص على موضوع الحدود والسكان في النزاع .
وعندما يتم طرح سؤال كم عدد الفلسطينيين الذين سيتم ضمهم لإسرائيل إذا تم تطبيق “صفقة القرن” الأمريكية، فإن اريئيلي وحده من يملك التقدير الأكثر دقة، وتقديره هو أن 250 ألف فلسطيني سيتم ضمهم، منهم 50 ألفاً يعيشون الآن في المناطق التي تقع تحت سيطرة إسرائيل (مناطق ج)، وعند فرض السيادة الإسرائيلية سيحصلون على المواطنة الإسرائيلية.
و200 ألف فلسطيني يعيشون في قرى معزولة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الفلسطينيين (مناطق ب)، التي حسب خريطة ترامب يمكن أن يتم نقلها إلى سيطرة إسرائيل .
إلى الـ 250 ألف شخص يجب إضافة 200 ألف فلسطيني هم سكان شرقي القدس. ومن الآن هؤلاء السكان لديهم بطاقات هوية زرقاء، لكن ليست لهم مكانة مقيم دائم أو مكانة مواطن. على الطريق، مع الـ 250 ألف فلسطيني المضمومين من مناطق الضفة الغربية، سيتم تحسين مكانة ثلثي سكان شرقي القدس من مقيم إلى مواطن (والثلث المتبقي سيبقون دون مواطنة).
بالإجمال، 450 ألف مواطن فلسطيني سيتم ضمهم لدولة إسرائيل، الأمر الذي يعني إضافة 24 في المئة للسكان العرب في إسرائيل (الذين يبلغ عددهم الآن 1.9 مليون شخص). وزيادة نسبة عدد السكان غير اليهود من 21 في المئة إلى 25 في المئة من ناحية سياسية، فهذا أمر يعني تغييراً لا يعرض الأغلبية اليهودية الثابتة في دولة إسرائيل للخطر.
وماذا بشأن التداعيات الاقتصادية – الاجتماعية؟ هذه التداعيات من الأسهل تقديرها لأن لنا تجربة سابقة؛ فمنذ العام 1967 عندما قامت إسرائيل بضم شرقي القدس، يعيش بين ظهرانينا 340 ألف عربي من سكان المدينة الذين هم ليسوا مواطنين. ويمكنهم أن يحظوا بحقوق مواطن كاملة باستثناء حق التصويت للكنيست. بعد 52 سنة يمكن القول إن إسرائيل استطاعت دمج سكان شرقي القدس العرب.
تم إبلاغ الحكومة عن الاعتراف بذلك قبل سنتين في إطار قرارها الذي صدر في أيار 2018 حول جسر الفجوات الاجتماعية – الاقتصادية والتطوير الاقتصادي في شرقي القدس. وقررت الحكومة الاستثمار الأكبر لها في شرقي القدس، 2 مليار شيكل، من أجل تقليص الفجوات في جميع مجالات الحياة. مع ذلك، فإن الوزارة المسؤولة عن القرار، وزارة شؤون القدس، تقدر بأن هذا القرار السخي ليس سوى طرف جبل الجليد. تقليص جدي للفجوات كان بحاجة إلى استثمار بمبلغ 50 مليار شيكل وليس 2 مليار شيكل.
الشرح يبين السبب؛ فنسبة الفقر في أوساط العائلات تبلغ 75 في المئة (اعترفت مؤسسة التأمين الوطني في هذه الأثناء بأنها غير مقتنعة بدقة هذه النسبة، وقامت بتحديث نسبة الفقر للسكان العرب في شرقي القدس إلى 59 في المئة. وبسبب مشكلات صعبة في العينة، فليس واضحاً أي نسبة هي الأكثر دقة)، بعيداً عن أي مجموعة سكانية أخرى في إسرائيل، وحتى بعيداً عن الـ 52 في المئة التي في أوساط عرب إسرائيل. ليس هذا فقط، بل إن الفقر في أوساط عرب شرقي القدس موجود في منحى من الزيادة السريعة مقابل الاعتدال في الشرائح السكانية الأخرى.
نسبة الأكاديميين في أوساط سكان شرقي القدس هي 10 في المئة. معظمهم حصلوا على تعليمهم الأكاديمي في الضفة الغربية والدول العربية. الشباب في شرقي القدس يعملون بجد. مع نسبة تشغيل تبلغ 81 في المئة. وهم يعملون أكثر من عرب إسرائيل. مع ذلك، في أوساط النساء يسود خواء تشغيلي: 27 في المئة فقط من النساء يعملن، بعيداً تحت الـ 40 في المئة من النساء العربيات في إسرائيل. وعن الأكثر من 80 في المئة التي في أوساط النساء اليهوديات. تقريباً، كل التشغيل هو في وظائف متدنية وأجور منخفضة.
نسبة التسرب من جهاز التعليم في شرقي القدس، الذي الذي تدرّس بمعظم مدارسه مناهج التعليم الفلسطينية، هي نسبة كبيرة: 22 في المئة (5 في المئة في أوساط عرب إسرائيل). أحد أسباب التسرب هو غياب أفق تشغيلي بعد الثانوية. والحاجة الملحة للخروج إلى العمل من أجل إعالة العائلة. 95 في المئة من الطلاب لا يتحدثون العبرية، وثمة نقص يقدر بـ 1900 صف. كل ذلك قبل أن نتكلم عن غياب البنى التحتية والمواصلات العامة والحدائق والمتنزهات ومواقع الاستجمام (4 مراكز جماهيرية تخدم 340 ألف نسمة)، وهناك فوضى مطلقة في التخطيط (40 في المئة من المباني غير قانونية).
إسرائيل أدارت ظهرها
جميع هذه المعطيات تتعلق بمجموعة سكانية توجد في حدود بلدية القدس الكبرى، ولديها مواطنة إسرائيلية منذ 52 سنة، ويقدر الاستثمار المطلوب لتقليص الفجوات التي يعانون منها بـ 50 مليار شيكل. وحسب خطة ترامب، يتوقع من هذه المجموعة السكانية أن تزيد لتصل 250 ألف نسمة آخرين، وهي زيادة تبلغ 73 في المئة. معظم الذين سيتم ضمهم في المستقبل هم فلسطينيون يعيشون في عمق أراضي الضفة، وليس داخل حدود القدس الكبرى المكتظة ومتعددة الفرص. الاستثمار المطلوب لرفع مستوى حياة الـ 250 ألف فلسطيني هؤلاء يتوقع أن يكون أعلى بكثير من الاستثمار المطلوب لسكان شرقي القدس.
لذلك، وبتقدير أولي، سيكون مطلوباً استثمار بمبلغ 50 مليار شيكل، ستضاف إلى الـ 50 مليار شيكل المطلوبة الآن لشرقي القدس. ومعاً سيكون مطلوباً دفع ثمن يبلغ 100 مليار شيكل، لاستيعاب السكان الفلسطينيين في شرقي القدس والضفة الغربية، دون فجوات، في دولة إسرائيل.
ولكن معروف أنه لا توجد حاجة لتنفيذ هذا الاستثمار. حتى الآن إسرائيل تدير ظهرها لعرب شرقي القدس ولم تتأثر من عمق الفجوات والفقر والإهمال، التي تفشت في أوساطهم. وفي الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى ضم 250 ألف فلسطيني آخرين من الضفة إلى الـ 340 ألف فلسطيني الذين تم ضمهم في السابق (بمكانة مقيم وليس مواطناً) في شرقي القدس، فإنها عملياً قامت بعملية قتل. في التسعينيات وسنوات الألفية، اتبعت الدولة سياسة سحب الإقامة من كل مقيم في شرقي القدس تجرأ على السفر للدراسة في الخارج أو شراء بيت في أراضي الضفة.
من جهة، الدولة ضمت سكان شرقي القدس، ومن جهة أخرى فعلت كل ما في استطاعتها كي تسحب منهم الإقامة. عرب شرقي القدس الذين أرادوا تحسين مكانتهم من مكانة مقيم إلى مكانة مواطن، ووجهوا بعدم المبالاة. ثمة بحث أجراه معهد القدس لأبحاث السياسات أظهر كيف رُفضت الأغلبية الساحقة من هذه الطلبات بذرائع مختلفة.
هذه اللعبة المزدوجة، ضم المناطق وعدم ضم السكان فيها، تنجح فيها إسرائيل منذ 22 سنة في شرقي القدس . ولكن خطة ترامب تقتضي واقعاً مختلفاً. فهي تلزم بإعطاء المواطنة الكاملة للـ 450 ألف شخص من مواطني الضفة وشرقي القدس الذين سيتم ضمهم. ويمكن الافتراض بأنه سيكون أكثر صعوبة التنكيل بهم. لذلك، عند حصولهم على المواطنة، ستكون الدولة ملزمة بالاستثمار لتحسين وضع العرب في شرقي القدس والضفة. والمبلغ المطلوب لذلك قد يكون كبيراً جداً.
بقلم: ميراف ارلوزوروف
هآرتس 3/2/2020