قال دانييل ليفي، المفاوض الإسرائيلي السابق، إن ما أطلق عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خطة سلام للشرق الأوسط «ولادة عمل عدواني تتقاطر منه عبارات العنصرية الخشنة»، وأضاف رئيس مشروع الشرق الأوسط الأمريكي: «هذه خطة كراهية، وليست خطة سلام».
ليفي، الذي كان أحد المفاوضين خلال صياغة أجندة اتفاقيات أوسلو الثانية، قال في مقال نشرته مجلة The American Prospect الأمريكية، الخميس 30 يناير/كانون الثاني 2020، إن أي خطة سلام يجب أن تبنى على قابلية الطرفين للحفاظ على ماء وجهيهما، وقدرتهما على إعلان أي شكل من أشكال النصر.
خطة عبارة عن «رسالة كراهية»
لكن الخطة التي أعلنها ترامب، يوضح دانييل ليفي، عبارة عن رسالة كراهية، مؤلفة من 180 صفحة، يوجهها الأمريكيون (وبالتبعية الإسرائيليون) للفلسطينيين. وأضاف: «ما لم يقرأ المرء الوثيقة بالكامل، ويعرف تاريخ النزاع، فسيصعُب عليه استيعاب عمق الاحتقار والازدراء الذي ينطوي عليه هذا النص تجاه الفلسطينيين. فقد تفوق على الاستعمار المتعصب للجنس الأبيض».
كما أشار المفاوض الإسرائيلي السابق، إلى أن الوثيقة اعتمدت في صياغتها على أكثر النقاط المحورية سذاجة وتعالياً والتي ترتكز إليها الدعاية الإسرائيلية، وهي إقصائية من بدايتها لنهايتها.
فمن وجهة نظر الخطة الأمريكية، فإن الجانب الإسرائيلي وحده هو من يستحق التعاطف بل اعتناق مزاعمه وتبريراته التاريخية عن الأرض وبناء دولته. ووفقاً للخطة أيضاً، الغرض من وجود الفلسطينيين هو تلقِّي الصفعات والاستقواء عليهم. ولن يُسمَح لهم بالحديث إلا لتقديم الاعتذار وإبداء الندم.
ليفي يرى وبحسب النص، أنَّ الأعمال العسكرية الإسرائيلية هي دوماً دفاعية. وتخلي إسرائيل عن أية أرض مُحتَلَّة تنازل سخي منها. وعلى النقيض من ذلك، تعتبر الوثيقة الفلسطينيين «عصابة تحريضية وجاحدة وفاسدة من الأوغاد».
الخريطة «هدية ميتة»
بحسب مقال المفاوض الإسرائيلي السابق، فإن النماذج المرئية للخريطة المقترحة عن منح الفلسطينيين، تكشف هدية ميتة مُتمَثِّلة في: مجموعة من الجزر الفلسطينية أفضل ما يمكن تشبيهها به هي خريطة البانتوستانات التي وضعها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
ومن المفترض أن الخطة تعرض إنشاء دولة فلسطينية، لكن هذه الفكرة أُفرِغَت من معناها تماماً. إذ تُحمِّل الوثيقة نفسها مشقة اتخاذ طابع فلسفي لتخبرنا بأنَّ «السيادة مفهوم غير مُحدَّد المعالم تطور عبر الزمن».
بموجب الخطة، ستسيطر إسرائيل على جميع جوانب الأمن والمياه الإقليمية والمجال الجوي والمعابر الدولية لهذا الكيان الذي لا يحمل صفة دولة، ويمكنها حتى فرض حصار بحري دائم عليها.
كما لن تكون القدس عاصمة اللادولة الفلسطينية؛ لأنها ستظل «العاصمة الموحدة ذات السيادة لدولة إسرائيل». لكن يمكن أن يأخذ الفلسطينيون الأحياء الواقعة على أطراف القدس على الجانب الآخر من جدار إسرائيل الأمني. ومع ذلك، لا تيأسوا، إذ سيُسمَح للفلسطينيين بإطلاق أي اسم يحلو لهم على اللاعاصمة هذه.
أخيراً، يقول ليفي، لن تخرج هذه اللادولة الفلسطينة العظيمة إلى الوجود، ما لم يفِ الفلسطينيون بسلسلة من الشروط المسبقة، التي «ستكون دولة إسرائيل هي المُقرِّر لما إذا كانت استوفيت أم لا».
لا شيء مطلوباً من إسرائيل!
على الرغم من بعض المحاولات التكتيكية في إسرائيل، من تياري اليسار واليمين على حد سواء، لتصوير الوثيقة الأمريكية على أنها تتطلب تقديم إسرائيل تنازلات على غير رغبتها، تمثل هذه الخطة للتطرف الإسرائيلي ضربة قاضية.
يقول ليفي: «إذ لا يُطلَب من إسرائيل بموجب الوثيقة إلا فعل أشياء أو التخلي عن أشياء سبق أن أعلنت أنه لا مصلحة لها فيها. وإذا كان على إسرائيل أن تغير رأيها أو إذا لم تعتبر ذلك كافياً، فلديها خطة احتياطية. إذ يحق لها وقف التنفيذ باستخدام حق النقض من جانب واحد تمنحه لها الخطة».
إضافة إلى ذلك، ستُعيَّن حدود القدس وفقاً للجدار الأمني الذي بُني وفق قرار انفرادي اتخذته إسرائيل. وليس هناك حد لوقف انتشار المستوطنات. وقد حددت إسرائيل جميع الأراضي التي تريدها؛ لذا يمكنها الاستمرار في البناء هناك من دون أي إزعاج، وتوسيع السيادة الإسرائيلية لتصل لجميع هذه المناطق، وبتأييد أمريكي.
إذ يتضمن البند الذي من المفترض أنه يحظر هدم المنازل والأبنية الفلسطينية ثغرة مفيدة تتمثل في الفقرة التالية: «لا ينطبق هذا الوقف على هدم أي بناء يشكل خطراً على السلامة، على النحو الذي تحدده دولة إسرائيل، ولا ينطبق أيضاً على عمليات الهدم العقابية بعد أعمال الإرهاب». أضف إلى ذلك، يُسمَح لإسرائيل بتجاهل قرارات مجلس الأمن الدولي من جانب أحادي.
الأمر كله خطأ الفلسطينيين!
تُعَد غزة واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظاً في العالم، وطُرِد معظم قاطنيها من منازلهم الأصلية خلال النكبة. وقبل بضع سنوات، أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أنَّه بحلول هذا العام (2020)، قد تصبح غزة غير صالحة للسكن من منظور «فكل شيء هو خطأ الفلسطينيين» حسب ليفي، إذ يُقال لنا إنَّ الغزيين والقيادة في غزة وحدهم يتحملون المسؤولية الحصرية عن ظروفهم. أمَّا إسرائيل، فهي على الفطرة وخلو من كل خطأ.
لا يوجد صراع في العالم يسير على هذا النحو، ولا يمكن أن تصدر أي محاولة ترمي إلى حل صراع، مثل هذا التأكيد. ويؤكد النص الأمريكي كذلك «التحسينات الكبيرة لشعب غزة، والتي لن تحدث إلى أن يتحقق نزع السلاح الكامل في غزة». وهذا لن -ولا يجب حتى أن- يحدث؛ فما يُعرَض على الغزيين هو مزيد من البؤس