إيران تهاجم كل من يطلق عليه مصطلح الخليج العربي
دائماً ما تستفز إيران من أي رئيس أو زعيم أو مؤسسة دولية تطلق مصطلح “الخليج العربي” على الممر المائي الاستراتيجي، وتسرع وزارة خارجيتها إلى مهاجمتهم ومطالبتهم بضرورة التراجع واستخدام اسم “الخليج الفارسي” واعتماده كمصطلح ثابت.
ورغم أن الدول العربية تطل على المساحة الأكبر من الخليج العربي البالغة مساحته الإجمالية 3300 كم2، ونصيب إيران منه الثلث فقط، فإن طهران تعتمد مصطلح “الخليج الفارسي”، وتحرص على توثيق ذلك في خرائط “جوجل”، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى.
والدول العربية المطلة على ضفتي الخليج هي: قطر، وسلطنة عُمان، والكويت، والإمارات، والبحرين، والسعودية، والعراق، من الجهة الغربية، وإقليم عربستان (الأحواز) ولنجة، وبوشهر، من الجهة الشرقية.
ومن الأسماء التي كانت تطلق عليه اسم “خليج البصرة”، وهو مصطلح موثق في عهد خليفة المسلمين الصحابي عمر بن الخطاب، كما سمي بحر “الشروق الكبير”، وسماه الآشوريون والبابليون والأكديون “البحر الجنوبي” أو “البحر السفلي”، وفيما بعد اقترحت بعض الشخصيات تسميته بـ”الخليج الإسلامي”.
بدأ الخلاف بين الدول العربية والخليجية تحديداً على مصطلح الممر المائي في ستينيات القرن العشرين مع ولادة فكرة الجامعة العربية والقومية العربية، وهنا أصبح اسم الخليج العربي المصطلح المعتمد والمستخدم في غالبية العواصم العربية.
وتعتمد الأمم المتحدة في بياناتها الرسمية العربية تسمية الخليج العربي، وفي اللغة الإنجليزية تستخدم المنظمة الأممية تسمية “الخليج الفارسي”.
واستخدمت شركة “جوجل” مصطلح الخليج العربي ضمن خرائطها، وهو ما أثار غضب الإيرانيين، لتتراجع وتضع مصطلح “الخليج الفارسي (الخليج العربي)” في محاولة منها لإرضاء العرب والإيرانيين.
كذلك، اعتمدت جمعية “ناشيونال جيوغرافيك” مصطلح “الخليج العربي” بدلاً من “الخليج الفارسي”، وأصدرت عام 2004 طبعة جديدة من أطلسها يتضمن الاسم الجديد.
وبعد هذه الخطوة قررت السلطات الإيرانية منع توزيع منشورات الجمعية في البلاد، وهو ما جعلها تعود إلى إصدار نسخة معدلة للأطلس حذفت منها الصفة المرافقة وأضافت ملحوظة تقول: “إن هذا الممر المائي المعروف تاريخياً وفي الغالب الأعم بالخليج الفارسي، يشير إليه البعض باسم الخليج العربي”.
وكان آخر هجوم إيراني بسبب مصطلح الخليج العربي جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، في تغريدة نُشرت على موقع “تويتر”، مهاجماً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، داعياً إياه إلى تصحيح تصريحه لاسم “الخليج الفارسي”.
وذكر ماكرون، الأحد (19 يناير 2020)، اسم “الخليج العربي” في تغريدة له تتعلق بقراره إرسال حاملة الطائرات “شارل ديغول” وقوات خاصة فرنسية إلى منطقة الخليج.
سواحله عربية
المؤرخ والمتخصص في الجغرافيا فوزي الجدبة، يؤكد أن المصطلح الصحيح لهذا الممر المائي هو الخليج العربي، لكون سواحله الغربية والشرقية تطل على دول عربية، وإقليم عربستان، الذي سيطرت عليه إيران 1925.
ويعتمد جميع المؤرخين العرب، والكثير من الأجانب، مصطلح الخليج العربي، حسب حديث الجدبة لـ”الخليج أونلاين”، ولكن قديماً استخدم بعض علماء الجغرافيا والمؤسسات الدولية مصطلح “الخليج الفارسي” بسبب الهيمنة الإيرانية في حينها، ومطالباتها المستمرة من تلك الدول والمؤسسات اعتماد هذه التسمية.
كذلك، يعد النفوذ القوي والتاريخي لإيران سبباً في تمرير مصطلح “الخليج الفارسي” لدى الكثير من قادة الدول، والخرائط، والمنظمات الدولية، وفق حديث الجدبة.
ويرجع الجدبة اعتماد مصطلح “الخليج الفارسي” على الممر المائي المهم في المنطقة من قبل بعض الدول والمؤسسات، إلى استمرار سيطرة إيران للجزر الإماراتية الثلاث (جزيرة طنب الكبرى، والصغرى، وأبوموسى) وبسط السيادة الكاملة عليها.
وتقع الجزر الثلاث شرقي الخليج العربي، وتؤكد الإمارات أنها جزء من أراضيها وتطالب إيران -التي تسيطر عليها منذ 1971- بإرجاعها، في حين تؤكد طهران أن ملكيتها للجزر “غير قابلة للنقاش”.
كما تسبب النفوذ الإيراني الكبير في منطقة الخليج العربي، سواء من خلال مليشياتها العسكرية، أو قواتها البحرية فيه، سبباً لاستمرار استخدام تسميته بـ”الخليج الفارسي”، وفق حديث المؤرخ الجدبة لـ”الخليج أونلاين”.
وتراجعت بعض الدول والمؤسسات عن استخدام مصطلح “الخليج الفارسي” وعادت إلى إطلاق اسم الخليج العربي رغم الغضب الإيراني، بفضل الرجوع إلى المراجع التاريخية التي تؤكد أحقية العرب في هذا الممر المائي، كما يؤكد الجدبة.
ووجد “الخليج أونلاين” أن الكثير من المؤرخين تراجعوا عن تسميته بـ”الخليج الفارسي”، وأبرزهم المؤرخ الإنجليزي رودريك أوين الذي زار الخليج العربي وأصدر سنة 1957 عنه كتاباً بعنوان “الفقاعة الذهبية – وثائق الخليج العربي”.
وروى رودريك أنه زار الخليج العربي وهو يعتقد بأنه “خليج فارسي” لأنه لم ير على الخرائط الجغرافية سوى هذا الاسم. ولكنه ما كاد يتعرف إليه عن كثب حتى رأى أن الأصح تسميته الخليج العربي؛ لأن أكثر سكان سواحله من العرب.
ووثق الكاتب الفرنسي جان جاك بيربي عروبة الخليج في أحد مؤلفاته التي تناول فيها أحداث المنطقة وأهميتها الاستراتيجية.
ويقول بيربي: “يؤلّف القسم الذي تغسله مياه نهر كارون من إقليم الأهواز مع القسم الأسفل من بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية واقتصادية… إن إقليم الأهواز هو طرف الهلال الخصيب الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية وينتهي عندها مارّاً بلبنان وسوريا والعراق”.
أهميته الاستراتيجية
وتكمن أهمية الخليج العربي في أنه أحد أهم الممرات المائية لدول الخليج، بسبب ارتباطه بموانئ الدول الخليجية بالمحيط الهندي، واعتباره ممر نقل نفط الدول الخليجية إلى العالم.
ويعد الخليج العربي أحد أبرز المسارات التي ينطلق منها النفط العربي المصدر إلى الخارج، الذي يمر عبر المحيط الهندي إلى أنحاء العالم كافة، ومن ثم فهو يسهم في إنعاش التجارة والاقتصاد الخليجيين.
كما يعدّ مضيق هرمز، الذي يقع بين سلطنة عُمان وإيران من أهم الممرات المائية للخليج العربي لكونه يربطه ببحر العرب، أحد أهم الممرَّات المائيَّة الاستراتيجيَّة في العالم، ويبلغ عرض المضيق 60 كيلومتراً.
ويُعتبر المضيق ورقة قوة لدى إيران؛ لكون قرابة 17 مليون برميل من النفط الخام تمرّ منه يومياً، وفق أرقام لمنظَّمة البلدان المصدِّرة للنفط (أوبك)، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وسبق أن هدد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، مراراً بإغلاق المضيق ردّاً على العقوبات الأمريكية ضد بلاده، وهو ما يعني منع تصدير كمّيات هائلة من النفط الخام للعالم، والتسبُّب بأزمة في معروض النفط ومن ثم ارتفاع أسعاره.
وفي حال نفّذت إيران تهديداتها وأغلقت حركة الملاحة في مضيق هرمز، فسيؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في الأسواق العالميَّة، إضافة إلى التسبُّب بانهيار اقتصادات بعض الدول التي تعتمد على هذه الواردات في اقتصادها.
وسيفتح وقف الملاحة في مضيق هرمز الباب على إمكانيَّة نشوب مواجهة عسكرية مع دول العالم الكبرى، خاصةً التي توجد قطعها البحرية بكثافة قرب المضيق.
وفي عام 2012، مع بدء تطبيق العقوبات الاقتصادية الأمريكيَّة على إيران، صدَّق مجلس الشورى الإيراني على مشروع لغلق المضيق أمام ناقلات النفط الخام.
وتاريخياً لم يستطع المضيق الإفلات من أطماع وصراعات الدول الكبرى للسيطرة عليه؛ فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يؤدّي دوراً دولياً وإقليمياً هاماً، أسهم في التجارة الدولية.
وقد خضع للاحتلال البرتغالي، ثم لسائر الدول الأوروبية، خصوصاً بريطانيا، لتنتشر الشركات الغربيَّة المتنافسة، ويتراجع الأمن مع غزوات القراصنة.
وكانت بريطانيا تعتبر المضيق مفترق طرق استراتيجية، وطريقاً رئيسيّاً إلى الهند.