"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الجنيه المصري والدولار.. لغز الهبوط والصعود

فارق واضح بين أداء الجنيه المصري أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2016 حين فقد أكثر من نصف قيمته تزامنا مع قرار الحكومة المصرية بتحرير سعر الصرف، وحاله مطلع العام 2020، حين تم تصنيفه كأفضل العملات أداء في العالم أمام الدولار الأمريكي بنهاية 2019.

وفي أعقاب تحرير سعر الصرف، تراجع بشكل مخيف أمام الدولار، إلى نحو 20 جنيها في غضون أقل من شهرين مقابل أقل من 9 جنيهات قبل التحرير، لكنه عاد بعد 3 سنوات ليصعد تدريجيا إلى ما دون 16 جنيها أواسط الشهر الجاري.

وتتباين آراء خبراء الاقتصاد بشأن هذا الوضع، ما بين مشيد بنجاح الإصلاحات الاقتصادية الني نفذتها الحكومة المصرية، ومشكك في وجود تدخلات من قبل البنك المركزي المصري في حركة سعر الصرف.

ويتحدد سعر الصرف في البنوك المصرية وفقًا لآلية العرض والطلب، التي بدأت مع قرار التحرير (التعويم)، فكلما زاد المعروض من الدولار وتراجع الطلب عليه انخفض معه السعر.

ويعزو البنك المركزي المصري، أسباب الصعود القوي للجنيه أمام الدولار، إلى الزيادة المحلوظة فى موارد البنوك من النقد الأجنبي، ولاسيما استثمارات صناديق النقد في الأسواق المالية المصرية.

وحصلت مصر خلال 3 سنوات على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد، بموجب اتفاق بين الطرفين، مقابل إصلاحات شملت تحرير سعر الصرف وتقليص دعم الوقود والمياه والكهرباء والمواصلات والخدمات الأخرى، وزيادة الضرائب، وبيع شركات حكومية.

الاحتياطي النقدي

ويعزو الخبير الاقتصادي “إسلام جمال الدين شوقي” تراجع الدولار إلى زيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في البنك المركزي المصري الذي تجاوز الـ45 مليار دولار ما يسهم في زيادة المعروض من النقد الأجنبي، إضافة إلى ارتفاع عوائد السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، بحسب “الأهرام”.

لكن المحلل الاقتصادي “مصطفى عبدالسلام” يختلف معه، قائلا إن “موارد البلاد الأجنبية لم تشهد قفزات تبرر التحسن المتواصل للجنيه المصري، كما أن الحكومة تواصل الاقتراض الخارجي دون توقف”.

ووفق بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي المصري، فقد تخطى حجم الدين الخارجي للبلاد حاجز الـ109 مليارات دولار، وسط توقعات من “النقد” بوصوله إلى 111 مليار دولار خلال العام المالي 2021-2022.

ويرى “عبدالسلام” أن ما يحدث في سوق الصرف هو تحسن “مصطنع” للجنيه المصري ليس هناك ما يدعمه على الأرض، محذرا وفق ما نقلته “العربي الجديد”، من أن هذا التحسن قد لا يصمد كثيراً إذا لم تشهد الإيرادات الدولارية قفزة حقيقية.

ويتفق معه الخبير الاقتصادي “ممدوح الولي” نقيب الصحفيين المصريين الأسبق، مؤكدا أن ارتفاع سعر الجنيه أمام الدولار هو إجراء إداري مصطنع، بدليل زيادة العجز في ميزان المعاملات الجارية، وزيادة العجز في الميزان التجاري، وزيادة العجز بميزان دخل الاستثمار، وانخفاض الفائض بالحساب الرأسمالي والمالي.

ولم تشهد الصادرات المصرية، نموا يضاهي خطوة تحرير سعر صرف الجنيه في أواخر 2016، كما أن السوق المصرية تشهد ركودا، ما يعني أساسا تراجع الطلب على الدولار.

تدخل مباشر

ووفق تقييم أجرته، قبل شهور، شركة لايتهاوس لأبحاث السوق (مقرها دبي)، فإن الجنيه المصري مازال خاضعا لإدارة محكمة ولا يعمل وفقا لنظام سعر صرف حر.

وأضافت الشركة، في مذكرة بحثية، أن موجة صعود الجنيه المصري في الآونة الأخيرة تخالف الاتجاه النزولي العام في أصول الأسواق الناشئة العالمية.

ويصف مسؤول مصرفي بأحد البنوك الخاصة العاملة في مصر لـ”رويترز”، ارتفاع الجنيه المصري بأنه “حركة مثيرة للقلق وموجهة”، مؤكدا أن الأمر ليس له أي علاقة بالعرض والطلب.

ودوريا يجري “المركزي المصري” تنسيقا مع البنوك الفاعلة في السوق وفي مقدمتها البنوك الحكومية مثل “الأهلي المصري”، و”بنك مصر” لخفض سعر الدولار بشكل متواصل، بحسب “العربي الجديد”.

مخاوف مستقبلية

ويصاحب صعود الجنيه مخاوف من عدم استمرار موجة الارتفاع المدعوم باحتياطي نقدي أغلبه قروض وودائع، دون وجود مقومات وموارد مستدامة للعملة الأجنبية، ما يعني أن هناك احتمالات أن تهبط العملة من جديد.

ويتوقع كبير محللي الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس “محمد أبوباشا”، أن يصل سعر العملة الأجنبية في 2020 إلى 16.25 جنيه مقابل كل دولار.

ومن أبرز المخاوف التي تهدد بتراجع الجنيه مجددا، استمرار التراجع الحاد في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة على مصر، والتي سجلت أدنى مستوى في آخر 5 سنوات.

وتظهر بيانات المركزي المصري، أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام المالي الماضي سجل نحو 5.9 مليار دولار مقابل نحو 7.7 مليار دولار خلال عام 2018/2017، بنسبة تراجع بلغت 23.5%.

وتتوقع مذكرة بحثية صادرة عن مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس”، إمكانية أن يعاود الدولار الارتفاع إلى مستويات 18 جنيها، بسبب وجود معدلات تضخم أكثر ارتفاعاً في الدول التي لديها شراكات تجارية مع مصر، وهو ما سيزيد من احتمالية انخفاض قيمة الجنيه للحفاظ على تنافسية العملة.

ووفق رئيس قطاع البحوث في “شعاع لتداول الأوراق المالية – مصر” (شركة إماراتية)، “عمرو الألفي”، فإن “الجنيه يواصل ارتفاعه المسجل في الآونة الأخيرة، وقد نراه عند مستوى 15.50 جنيه قبل أن يبدأ في التراجع في نهاية 2020”.

وتظهر توقعات “فيتش سوليوشنز”، التابعة لمؤسسة “فيتش” العالمية للتصنيف الائتمانى، أن الجنيه المصرى سيدأ فى الانخفاض قليلًا مقابل الدولار ليصل إلى 17 جنيها قبل انتهاء 2020.

ما بين توقعات الهبوط، والصعود، يبقى الجنيه المصري في مأزق، جراء الاعتماد على الأموال الساخنة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ووجود جدول صعب لسداد الديون الخارجية في العامين المقبلين، والأهم من ذلك أن تحسن قيمة الجنيه لم ينعكس بالإيجاب على المواطن المصري.

المصدر | الخليج الجديد