"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الجيش الأمريكي لن يكتب حاضر العراق

السؤال الذي يتبادر الى الذهن عند رؤية هذه المئات من الصفحات هو: ما الذي يجعل هذه الدراسة تستحق القراءة، بالنسبة إلينا؟

ما الفائدة منها وهي، كما يدل العنوان، قد لا تزيد عن كونها سردا لتاريخ احتلال يتم تسويقه باعتباره تاريخ حرب عادلة وأن نتائجها البشرية الكارثية مجرد أخطاء؟ تعتمد الاجوبة على كيفية قراءة الدراسة، واي منظور ينطلق منه القارئ.

يرى الباحثون المساهمون بإعداد الدراسة، ومعظمهم برتب عسكرية عالية، إن هذه الدراسة موجهة الى نوعين من القراء:

– الأول هم قادة الجيش الأمريكي الحالي وجيش المستقبل، لفهم طبيعة العمليات العسكرية وتحليلها وتقييمها.

– الثاني هو المدنيون في أمريكا وبلدان التحالف، لمساعدتهم على فهم تجربة الجيش في الحرب تفاديا لخلق فجوة بين الاثنين.

كتبه الباحثون على غرار «الجيش الأخضر» عن تاريخ الحرب العالمية الثانية، حيث التركيز على العمليات العسكرية، من وجهة نظر القيادة العسكرية، مع محاولة تقديم وجهة نظر «العدو» وظروف البلد والمحتوى السياسي والاجتماعي لـ«الصراع».

إذا ما وضعنا جانبا، عدم التطرق الى الأسباب الحقيقية للغزو وتكرار القاء إللوم، بشكل مباشر وغير مباشر، على العراقيين أنفسهم للخراب الذي أصاب البلد وخسارة الأرواح.

وتذكر أن هذه الدراسة، في جوهرها، سرد لتاريخ احتلال العراق، كما يراه قادة قوات الاحتلال، لوجدنا أن أهمية الكتابين تكمن في كيفية قراءة وتحليل المقابلات العسكرية التي أجريت خصيصا للدراسة، والسجلات والوثائق السرية البالغ عددها 30 ألف وثيقة تم رفع حجر السرية عنها للباحثين.

مما يعني توفرها لكل من يمتلك الرغبة بفهم وقائع ونتائج العمليات العسكرية، خاصة اذا ما تم الرجوع، أيضا، الى وثائق ويكيلكس العراق، التي تشكل بحد ذاتها مخزونا لإدانة القوات الأمريكية والشركات الأمنية والمرتزقة، وكل من سبب قتل العراقيين، في المستقبل.

ما لم يتم التطرق إليه في الدراسة، باعتراف الباحثين هو:

– أولا، دور قوات العمليات الخاصة، التي كانت فاعلة طوال فترة الحرب، لأن «قيادة العمليات غير مستعدة للسماح بالاطلاع على وثائقها» وترى أن الوقت لم يحن لذلك،

– ثانيا، دور قوات الأمن العراقية ودور «العدو». وتستخدم مفردة «العدو» للإشارة الى المقاومة التي اختار الباحثون تسميتها، أيضا، حينا بالتمرد واخرى بالإرهاب.

يبحث الكتاب الاول، بالتفصيل، قرارات بول بريمر والقوانين المعنية باجتثاث البعث وحل الجيش العراقي وتأسيس مجلس الحكم، بمحاصصته الطائفية التي يتحمل مسؤوليتها، حسب الباحثين، العراقيون السبعة، من معارضة نظام البعث التي كانت ناشطة خارج العراق وهم: احمد الجلبي، أياد علاوي، ابراهيم الجعفري، نصير الجادرجي، باقر الحكيم، مسعود بارزاني وجلال طالباني.

إذ طلب منهم بريمر انتقاء بقية أعضاء مجلس الحكم من منظور «غير طائفي». فكانت النتيجة مجلس حكم طائفي، هيأ لمأسسة المحاصصة الطائفية في كل مؤسسات الدولة والحكومة ومجلس النواب، حتى اليوم.

من التفاصيل الموثقة الأخرى، التي تسترعي الانتباه لكونها اساسا لما يجري في البلد، حتى اليوم، ولعلاقتها المباشرة، بحالات الاختطاف والقتل التي يتعرض لها المنتفضون في ساحات التحرير، هي كيفية تعامل قوات الاحتلال ومجلس الحكم مع الميليشيات وأكثرها نفوذا فيلق بدر، الذي أسسته ايران، بقيادة هادي العامري.

وقد كتب الباحث باتريك بتلر مقالة طويلة بعنوان « ماذا تكشف تصريحات اوديرنو عن حرب العراق؟»، ترجمها طارق العاني، عن خصوصية تعامل القوات الأمريكية مع فيلق بدر.

لهذه المقالة أهميتها ازاء ندرة التغطية الإعلامية حول دراسة الجيش الأمريكي، عربيا أولا، ومحاولة الكاتب الجادة لإثبات أن العلاقة بين القوات الأمريكية وفيلق بدر، منهجية، بدءا من قول الجنرال أوديرنو، الذي كان حينها قائد فرقة المشاة الرابعة، عن احباطه حين علم بإطلاق سراح مجموعة من أفراد فيلق بدر اعتقلوا، لارتكابهم جريمة قتل في أيار/ مايو 2003.

وتصريح ديريك هارفي، الذي خدم لاحقاً في مجلس الأمن القومي في حكومة ترامب، لوكالة رويترز في كانون الأول/ ديسمبر 2015 أكد فيه أن القوات الأمريكية أطلقت سراح قتلة من فيلق بدر، الذين تم إلقاء القبض عليهم وبحوزتهم قوائم لاستهداف بعثيين.

وتشير احدى برقيات ويكيليكس – العراق الى أن عشرة آلاف عضو في بدر شكلوا فرق موت استهدفت أعضاء البعث من السنة والشيعة في البصرة والعمارة وديالى وبغداد.

وأن «العامري قد يكون قد أمر شخصياً بشن هجمات على ما يصل إلى 2000 شخص من السنة» وأن «إحدى طرقه المفضلة في القتل يزعم أنها تتم باستخدام المثقب لاختراق جماجم الخصوم»، في فترة التفاخر باستخدام المثقب لإثارة الرعب عندما أطلق الاحتلال العنان للميليشيات لارتكاب جرائم القتل الجماعي، في مناطق الحواضن الشعبية للمقاومة.

وجرى تلويث المقاومة بالطائفية، بعمليات إضافية لفرق العمليات الخاصة الأمريكية بين 2005-2007، وسلسلة الجرائم المرعبة التي تلتها والموصوفة، في الدراسة غالبا، بأنها تمت عن طريق الخطأ.

ولاتزال حوادث القتل اللاإنسانية، تتكرر اليوم، في استهداف المنتفضين السلميين اختطافا وقتلا، واستخدام عبوات الغاز المسيل للدموع المخصصة للاستخدام الحربي التي تخترق، يا للمفارقة، جماجم « الخصوم»، من قبل المليشيات برعاية أمريكية. كما لانزال نقرأ تاريخنا وحاضرنا مكتوبا من قبل آخرين.

– د. هيفاء زنكنة طبيبة وكاتبة من العراق.