الخليج الجديد :
أولا، أدى مقتل “سليماني” إلى إزاحة أحد أكثر القادة فعالية ضد التنظيم، والمسؤول عن بناء تحالف الميليشيات التي تدعمها إيران والتي قامت بالكثير من القتال على الأرض لطرد المسلحين من معاقلهم في سوريا والعراق.
كما أعاد الاغتيال توجيه غضب تلك الميليشيات والعديد من حلفائها السياسيين داخل العراق بشكل مباشر ضد الوجود الأمريكي هناك؛ ما أثار الشكوك حول استمرار بقاء الحملة التي تقودها الولايات المتحدة للقضاء على ما تبقى من “الدولة الإسلامية”، ومنع إحيائها في كل من العراق وسوريا المجاورة.
الحماية الذاتية أولا
وقال “سام هيلر”، المحلل في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: “هذا هو بالضبط ما تحتاجه الدولة الإسلامية، لإفساح المجال أمامها للعمل والسماح لها بالخروج من الهامش الحالي.. حتى لو لم يتم سحب القوات الأمريكية فورا، فمن الصعب جدا أن أتخيل أن بإمكانهم مواصلة معارك الدولة الإسلامية بشكل معتبر”.
وبحسب مقال “ديفد كيريباتريك” الذي ترجمه “الخليج الجديد” عن صحيفة “نيويورك تايمز”، قال مسؤولون سابقون في وزارة الدفاع والمخابرات، إن المواجهة الأمريكية المتصاعدة مع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، والتي كانت موجهة من قبل الجنرال “سليماني”؛ ستعني الآن أن القوات الأمريكية في كل من سوريا والعراق يجب أن تقلق بشأن حماية نفسها من الهجوم مثلما تفعل مع محاربة الجهاديين، وهذا سيؤدي إلى إعاقة العمل ضد “الدولة لإسلامية”.
وقالت “دانا سترول”، المسؤولة السابقة في (البنتاجون) والرئيس المشارك لمجموعة الدراسات حول سوريا المؤلفة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والتي يرعاها الكونغرس: “سيكونون أكثر تركيزا على حماية أنفسهم بدلا من محاربة الدولة الإسلامية”.
لكن الاختبار الأولي والأكثر شمولا وفورية سيأتي يوم الأحد، حيث من المتوقع أن يصوت البرلمان العراقي على اقتراح بطرد القوات الأمريكية من العراق.
توفر القوات الأمريكية البالغ عددها حوالي 5 آلاف جندي والمتمركزة في العراق، الدعم الضروري للقوات العراقية التي تحاول تعقب الآلاف من مقاتلي “الدولة الإسلامية” الذين ما زالوا يخططون لشن هجمات من مخابئهم في المناطق الريفية النائية والصحاري والجبال.
ويقول محللون إنه “بدون مراقبة أمريكية واستخبارات ودعم جوي، سيجد مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية فرصة للإفلات من العقاب لإعادة بناء منظمتهم”.
علاوة على ذلك، فإن الدعم الاستخباراتي واللوجستي المقدم من الجيش الأمريكي، ضروري بنفس القدر للشركاء العسكريين الأوروبيين وغيرهم في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد “الدولة الإسلامية.
حتى المجموعة الأصغر التي تضم أقل من ألف شخص من أفراد الخدمة الأمريكية الذين ما زالوا منتشرين لمحاربة “الدولة الإسلامية” في سوريا، سيكون من المستحيل استمرارها دون دعم من الأمريكيين داخل العراق.
وقد رأى بعض المحللين أن سحب “ترامب” لمعظم القوات من سوريا ترك القوات الأمريكية هناك بالفعل عرضة للهجوم مع تخفيف الضغط على “الدولة الإسلامية”.
نهاية التوازن الحرج
نتيجة لذلك، فإن التصويت البرلماني لطرد القوات الأمريكية من العراق سينهي فعليا الجهد العسكري لهزيمة “الدولة الإسلامية”، وسيزيد من الإحباط بشأن إمكانية عودتهم.
وتكافح الحكومة العراقية التي تأسست بعد الغزو الأمريكي عام 2003، لتحقيق التوازن بين اعتمادها على واشنطن والغرب، وبين علاقاتها الوثيقة مع جارتها إيران، حيث اعتمدت بغداد اعتمادا كبيرا على الميليشيات التي تدعمها إيران في الحرب ضد “الدولة الإسلامية”.
كما أن العديد من السياسيين العراقيين لهم روابط وثيقة مع إيران. من بينهم العديد من قادة أو ممثلي تلك الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران والذين تم انتخابهم في البرلمان مؤخرا.
علاوة على ذلك، طمأن المسؤولون الأمريكيون العراقيين المتوترين مرارا وتكرارا أن قوات الولايات المتحدة التي عادت في عام 2014، قد جاءت فقط لدعم الحرب العراقية ضد “الدولة الإسلامية”.
وأكد الدبلوماسيون والضباط العسكريون الأمريكيون دائما، أن القوات الأمريكية كانت موجودة فقط بناء على دعوة رسمية من الحكومة العراقية، ولمساعدتها في زيادة قدرة القوات العراقية على محاربة التنظيم بأنفسهم.
لكن في الأسبوع الماضي، لم تغتل قوات الولايات المتحدة في العراق الجنرال “سليماني” فحسب؛ بل قتلت في نفس الغارة قائد ميليشيا عراقي بارز كان أيضا مسؤولا أمنيا حكوميا بارزا وعضوا سابقا في البرلمان.
وفي الأيام السابقة، قتلت الولايات المتحدة بالفعل أكثر من 25 مقاتلا عراقيا من ميليشيا كبرى تدعمها إيران، في ضربة صاروخية نفذت ردا على هجوم صاروخي أسفر عن مقتل مقاول مدني أمريكي وجرح عدة أشخاص آخرين في قاعدة عسكرية عراقية.
وقال “هيلر” من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: “إن هذا النوع من العمل يعد خرقا واضحا لتلك الشروط المتفق عليها لعودة الجيش الأمريكي إلى العراق”.
وقال إنه حتى إذا لم يقم البرلمان بطرد القوات الأمريكية على الفور، “لا أرى كيف سيستمر الوجود الأمريكي في ظل عمليات القتل هذه”.
لطالما اعتبر المسؤولون الأمريكيون الجنرال “سليماني” عدوا مخيفا ساعد بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 في تشكيل وتوجيه الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، والتي يُلقى عليها اللوم في قتل مئات الأمريكيين.
لكن في الحرب ضد “الدولة الإسلامية” بعد عام 2014، قبلت الولايات المتحدة “ضمنا” الجنرال “سليماني” كحليف حرج. ووجد الحكام الشيعة في إيران قضية مشتركة مع واشنطن ضد المقاتلين السنة من “الدولة الإسلامية”، وقامت الميليشيات المدعومة من طهران برعاية الجنرال “سليماني” بالكثير من القتال على الأرض، بينما قدمت الطائرات الأمريكية وطائرات الهليكوبتر وطائرات دون طيار تغطية القوة الجوية.
كما توقفت الميليشيات عن مهاجمة القوات الأمريكية التي عادت إلى العراق. واستقرت تلك القوات في مواقع داخل القواعد العسكرية العراقية، حيث تعتمد في ضمان سلامتها وحمايتها على قوات الأمن العراقية، على الرغم من علاقات مضيفيهم القوية بطهران.
بدأ “ترامب” الآن في مواجهة متصاعدة مع إيران، وقد كان يسعى إلى استخدام عقوبات اقتصادية شاملة لإجبار طهران على الخضوع لقيود جديدة على أنشطتها العسكرية وبرامجها النووية.
كما بدأت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران في الأشهر الأخيرة مرة أخرى بتهديد الأمريكيين ومهاجمتهم. وعندما حاصرت عناصر موالية لإحدى الميليشيات الأسبوع الماضي مجمع السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء المشمولة بحماية شديدة في بغداد، كان إخفاق قوات الأمن العراقية في منع الهجوم ورد الفعل المتأخر بعد بدايته؛ بمثابة تذكير صارخ بإمكانياتها، وفي جزء منه بسبب ولائهم المنقسم.
ضروف مواتية للعودة
وإذا أدى التصعيد إلى معركة أكبر في العراق بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الفوضى ستخلق نفس الظروف التي سمحت لـ”الدولة الإسلامية” بالازدهار في الماضي، كما قال “إيلان غولدنبرغ”، رئيس فريق إيران السابق في البنتاغون في عهد “باراك أوباما”، ومدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط بمركز الأمن الأمريكي الجديد: “هذا وضع مثالي لعودة تنظيم الدولة الإسلامية”.
وقد حذر “دوجلاس لندن”، أستاذ مركز الدراسات الأمنية بجامعة “جورج تاون” والموظف السابق في “سي أي ايه” ومسؤول من ذوي الخبرة في المنطقة، من أن ردود الفعل العنيفة ضد الولايات المتحدة زادت أيضا من احتمال ما يسمى الهجمات “أخضر على أزرق” من قبل أفراد القوات العراقية ضد الأمريكيين. ويشير هذا المصطلح إلى الهجوم بزي القوات المتحالفة.
وأضاف: “لم نواجه فعلا هجمات أخضر على أزرق في العراق مثل التي تعرضنا لها في أفغانستان، لكن خطر ذلك سيزداد بالتأكيد”.
وكما قالت “باربرا سلافين” الخبيرة في مركز “ذا أتلاتنتك”: “من المؤكد أن قادة تنظيم الدولة الإسلامية فرحون الآن برؤية خصومهم في العراق يهاجمون بعضهم بعضا”.