"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

بعد صفعها “حزب الله”.. هل بدأت حرب أمريكا وأذرع إيران بالعراق؟

أمريكا وجهت ضربة قوية إلى مواقعة تابعة لـ”كتائب حزب الله” بالعراق

تشير الأحداث في العراق بعد أقل من 24 ساعة من هجمات أمريكية مركَّزة على مواقع تابعة لـ”كتائب حزب الله العراقي”، المنضوي تحت مليشيا “الحشد الشعبي”، إلى أن تصعيداً أمنياً سيشهده هذا البلد، الذي ما زال يئنُّ من مخلفات المعارك مع تنظيم “الدولة”، وربما ستشهده أيضاً دول أخرى في المنطقة.

إذ إن المستهدَف -“حزب الله”- يعتبر إحدى الأذرع العسكرية لإيران، وهو ما يجعل التوقعات تذهب لتنفيذ هذه الذراع، أو أذرع أخرى موالية لطهران، هجمات على مصالح أمريكية بالمنطقة، أو مصالح دول ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.

وفي آخر حصيلة لقتلى الغارات الأمريكية التي استهدفت، مساء الأحد (30 ديسمبر الجاري)، منشآت ومواقع لـ”كتائب حزب الله العراقي” في العراق وسوريا، وصلت إلى 28 قتيلاً و51 جريحاً.

وكان مدير الحركات في “هيئة الحشد الشعبي”، جواد الربيعاوي، أوضح أن 25 عنصراً بالمليشيا سقطوا وأُصيب 51 آخرون بالقصف الأمريكي، مشيراً في بيان، إلى أن عدداً من جثث القتلى ما يزال تحت الأنقاض.

وأقر الجيش الأمريكي بتنفيذ خمس هجمات استهدفت مواقع لمليشيا “الكتائب”، ثلاث منها في العراق واثنتان بسوريا.

وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، للصحفيين: “الضربات كانت ناجحة، وسنتخذ مزيداً من الإجراءات إذا لزم الأمر؛ للدفاع عن النفس وردع المليشيات أو إيران عن ارتكاب أعمال معادية”، حسبما نقلت قناة “الحرة” الأمريكية.

من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، إن كبار مستشاري الأمن القومي الأمريكي أبلغوا الرئيس دونالد ترامب بالهجمات.

وأضاف في تصريحات للصحفيين بعد إطلاع ترامب على الهجمات في “بالم بيتش” بولاية فلوريدا: “لن نتغاضى عن قيام إيران بتصرفات تعرّض الرجال والنساء الأمريكيين للخطر”.

قادة المليشيات يهددون

بدورهم، أطلق قادة مليشيات عراقية تهديدات مباشرة للوجود الأمريكي في العراق.

وردَّت مليشيا “كتائب حزب الله” على قصف مقرها، بالدعوة إلى طرد الأمريكيين من العراق، مضيفة في بيان: “على القوات العسكرية والأمنية والقواعد الشعبية والوطنية طرد العدو الأمريكي، في صفحة جديدة من صفحات العزة والإباء”.

وتابعت: إن “غربان الشر الأمريكية نفذت عدواناً مبيَّتاً استهدف أبناءنا المدافعين عن الحدود الغربية”، مشيرة إلى أن القصف الأمريكي يعد “استهتاراً بسيادة العراق وكرامة شعبه”.

من جهته أطلق نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، تهديدات للأمريكيين الموجودين بالعراق، قائلاً، في تصريح مقتضب: إن “دماء القتلى والجرحى لن تذهب سدى، وإن الرد سيكون قاسياً”.

من جانبها دعت مليشيا “عصائب أهل الحق” إلى “وقفة شجاعة” ضد التصرفات الأمريكية التي وصفتها بـ “المنفلتة”، مؤكدة أن ما حدث “يؤكد عنجهية الإدارة الأمريكية واستخفافها بأمن الشعوب، وسعيها لزعزعة الاستقرار في البلدان الآمنة”.

وأضافت المليشيا: “ندين وبشدة، ‏العدوان الأمريكي الغاشم”، مبينةً أن هذه “الاعتداءات استمرار لاعتداءات ‏سابقة قام بها العدو الإسرائيلي لمقرات فصائل الحشد ‏الشعبي، وهي دليل على أن العدو جبهة واحدة”، مطالبةً القوى السياسية الوطنية بـ”وحدة الصف أمام هذا العُدوان، وتجاوز الخلافات، والعمل على تخطي العقبات ‏والأزمات”.

رفض حكومي

في السياق أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، وزيرَ الدفاع الأمريكي رفضه الشديد لقصف مواقع “الحشد الشعبي”.

وأوضح المتحدث باسمه، عبد الكريم خلف، أن رئيس حكومة تصريف الأعمال أمر بعقد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري للأمن الوطني؛ بهدف اتخاذ التدابير اللازمة لحماية العراقيين، وحفظ أمن البلاد وسيادتها.

ونقل عن عبد المهدي قوله: “سبق أن أكدنا رفضنا أي عمل منفرد تقوم به قوات التحالف أو أية قوة أخرى داخل العراق”، مبيناً أن ذلك يُعد انتهاكاً للسيادة العراقية، وتصعيداً خطيراً يهدد أمن العراق والمنطقة.

في الأثناء، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي، بدر الزيادي، إجراء اتصال هاتفي بين عبد المهدي ورئيس لجنة الأمن بالبرلمان محمد رضا، موضحاً في تصريح صحفي، أن الاتصال ناقش القصف الأمريكي.

وأشار إلى الاتفاق على انتظار التقرير الذي سيصدر من قيادة الدفاع الجوي؛ لمعرفة النقطة التي انطلقت منها الطائرات المسيَّرة المنفِّذة للهجوم، مشيراً إلى أن سلسلة اتصالات تجرى بهذا الشأن.

الحرس الثوري الإيراني يهدد

من جهته أدان الحرس الثوري الإيراني، في بيان، بشدة، القصف الأمريكي، واصفاً إياه بـ”العدوان الإرهابي”، مشدداً على أن الرد عليه والانتقام منه حق طبيعي للقوات العراقية.

وأضاف: “عُدوان الإرهابيين الأمريكيين المعتدين انتهاك للسيادة الوطنية للعراق، ودليل على أن أمريكا هي العامل الأساسي لزعزعة الأمن ونشر الفوضى وتعزيز التوتر في المنطقة”.

واعتبر أن “إخراج القوات الأمريكية الإرهابية المحتلة من العراق هو الضامن لتعزيز أمنه واستقراره”، مؤكداً: “الشعب العراقي الحكيم والحشد الشعبي البطل، وبناء على القوانين والأعراف الدولية، يحتفظان بحقهما في الانتقام والرد على الهجمات الأمريكية”.

رد فعل

ما الذي ستشهده الفترة القادمة؟ وهل تردُّ “كتائب حزب الله”، أو غيرها من المليشيات الموالية لإيران، على هذا الهجوم؟

المختص بالشأن العراقي، عمر الجنابي، يقول إن فصائل تابعة لـ”الحشد الشعبي” تحاول منذ عدة شهور، جر القوات الأمريكية إلى حرب، مستدلاً بهجمات شنتها هذه الفصائل على قواعد توجد فيها القوات الأمريكية، في فترات سابقة مؤخراً.

وأشار الجنابي إلى أن الهجوم الأمريكي الأخير على مواقع لـ”كتائب حزب الله”، كان رداً على هذه الهجمات، مبيناً أن القوات الأمريكية أكدت أنها ستردُّ على أي هجمات على قواتها من قِبل المليشيات في العراق.

وأوضح في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن ما يشرّع لأمريكا هجماتها داخل العراق، الاتفاقية الأمنية التي وقَّعتها مع بغداد في زمن حكومة نوري المالكي (2008-2014)، فضلاً عن وجود اتفاق بين الحكومة العراقية والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة بالعراق، مشيراً إلى أن “القوات الأمريكية رأس الحربة في هذا التحالف”.

وتعطي الاتفاقية الموقعة بين واشنطن وبغداد، القوات الأمريكية الحق في التدخل عسكرياً بالعراق، في حال استشعرت وجود ضرورة لهذا التدخل.

وأضاف الجنابي: “بعد الهجمات الأخيرة التي شهدتها محافظة كركوك (شمال)، لا سيما على قاعدة كي 1، أصبحت القوات الأمريكية ملزمة بالرد، وهذا ما حصل في منطقة القائم غربي العراق؛ وما حصل، ردُّ فعل لما حدث”.

وقُتل متعاقد مدني أمريكي وأصيب عديد من العسكريين الأمريكيين وأفراد الخدمة العراقيين، في هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية عراقية بقاعدة “كي 1” في كركوك تضم قوات للتحالف، بحسب بيان أمريكي.

وأكد المحلل السياسي العراقي أنَّ “ضرب القوات الأمريكية خمسة أهداف لحزب الله (3 بالعراق و2 في سوريا)، بحسب البيان الرسمي، يعني أن القوات الأمريكية أرادت ضرب حزب الله تحديداً، وأرادت أيضاً الرد على الهجوم الذي تعرضت له”.

وتابع حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “لو أنها (القوات الأمريكية) أرادت الرد على فصائل الحشد لكانت ردَّت على الهجوم في كركوك، سواء في عملية استباقية أو الرد على مصدر الهجمات، وهذا بالتأكيد تستطيع القوات الأمريكية الحصول عليه بالأقمار الصناعية أو الجهات الاستخباراتية التابعة لها”.

حملات اعتقال قيادات في “الحشد”

وبحسب الجنابي، فإنه “من غير المستبعد أن تشن القوات الأمريكية حملات مداهمات واعتقالات وإنزال كما حصل مع أحد القيادات في الرمادي مؤخراً، وهذه الحملات شهدناها سابقاً مع داعش وتنظيم القاعدة، فالقوات الأمريكية لديها قاعدة بيانات بقيادات الحشد والفصائل المسلحة”.

ويرى أن القوى السياسية العراقية غير قادرة على المواجهة الأمريكية، وأن إيران لا تملك القوة للمواجهة في الوقت الراهن، خاصة بعد العقوبات الأخيرة، مستبعداً إمكانية الرد من قِبل “لوبي إيران”، في إشارة إلى المليشيات التي تدعمها طهران.

وأضاف: “ممكن جداً أن تدخل إيران في عملية استنزاف، من خلال هجمات صاروخية أو هجمات تتعرض للقوات الأمريكية، لكن حتى هذا سيُدخل إيران أو فصائل الحشد الشعبي أو فصائل محور المقاومة في دوامة أخرى”.

ولفت النظر إلى أن هذه الدوامة تتعلق بـ”إمكانية دخول حلف الناتو على خط المواجهة، لا سيما أن سفراء فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا استدعتهم حكومة بغداد؛ على أثر مواقفهم من قمع المتظاهرين، وهذا يؤكد إمكانية تدخُّل حلف الناتو، وهذا ما لا تريده إيران ولا قيادات الحشد الولائية”.

استهداف المصالح الأمريكية

استهداف مصالح أمريكية في المنطقة أو استهداف اقتصاديات وأمن دول حليفة لواشنطن، يستبعدهما الجنابي، مشيراً إلى أن سيناريو قصف “أرامكو” لا يمكن تكراره.

وفي مثال على المصالح الأمريكية في الكويت، بحسب رأيه، فإن “الكويت على علاقة طيبة مع الحكومة العراقية، خاصة بعد صفقة خط الحرير، وكذلك في ظل وجود التركيز الأمريكي، يستحيل وجود هذا النوع من الهجمات”.

وتابع حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “ربما تشن الفصائل المسلحة وحتى القوات الإيرانية هجمات صاروخية نوعية؛ محاوِلةً جذب الأوساط السياسية إلى التصويت على قانون ما، لكن حتى هذا الجانب لا يمكن أن تستنزف فيه قوات الحشد القوات الأمريكية؛ أولاً قوات الحشد لا تريد أن تنتهي بسرعة، وإيران لا تريد ذلك، خاصة أنها تمر حالياً بفترة اختبار وضياع بعد المظاهرات الأخيرة”.

الأمر الثاني، بحسب الجنابي، أن “الحشد لا يمكنه مواجهة القوات الأمريكية بصورة مباشرة؛ باعتباره يمثل الحكومة العراقية فهو جزء من القوات الرسمية، وهذا أيضاً يصعّب عليه المواجهة المسلحة”.

وأما الأمر الثالث فإن “الوساطات السياسية التي تتدخل منذ يوم أمس وحتى اليوم، أعتقد أنها تذهب باتجاه التهدئة وباتجاه أن لكل الفعل رد فعل”.

وأعرب عن اعتقاده أن “فصائل الحشد ستذهب باتجاه التهدئة، وأيضاً هذا ما تريده الولايات المتحدة، التي حاولت ردعهم. أعتقد أن الأمور تذهب باتجاه دعم أمريكي قوي نحو تغيير سياسي، وأيضاً محاولة إيرانية لصد هذا الدعم؛ للمحافظة على مكتسبات طهران وكسب الوقت قدر المستطاع، لتأجيل الانتخابات المبكرة في العراق والإتيان بحكومة مستقلة”.