أشين (أفغانستان) – (أ ف ب) – واجهت المزارعة الأفغانية جلنار مالك صعابا كثيرة خلال الحرب التي تعصف ببلدها، لكن كل ما خبرته لم يعدها لما شاهدته بعد وصول جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية إلى قريتها.
استولى جهاديو التنظيم على قريتها في ولاية ننغارهار في شرق أفغانستان، المحاذية لباكستان، قبل نحو خمس سنوات، ما اشعل سلسلة مذابح وعمليات قتل في إطار سعيهم لنشر “الخلافة” المعلنة في سوريا والعراق حتى افغانستان.
وقالت مالك (55 عاما) لوكالة فرانس برس إنّ الجهاديين “ارتكبوا الكثير من الفظائع”، وذلك في مقابلة بعد وقت قصير من طرد الجيش الأفغاني للجهاديين من منطقة أشين، بعد أسابيع من قتال شرس من منزل لأخر وضربات للمدفعية وضربات جوية أميركية.
واسترجعت مأساة مرت بها “قتلوا أحد ابنائي بالرصاص وأصابوا آخر. ابني القتيل كان يحاول الهرب حين اطلقوا النار عليه”، وأضافت أن زوجها اعتقل وعُذب لأكثر من ثلاثة أسابيع.
عادت الى منزلها الشهر الفائت بعد ان قضت سنوات في بلدة مجاورة آمنة نسبيا، اثر اعلان مسؤولين عسكريين أفغان أنّ جهاديي الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية والمعروف أيضا باسم “ولاية خرسان” تم دحرهم تماما من ولاية ننغارهار.
وفي حين يشكك بعض المسؤولين المحليين في إلحاق هزيمة شاملة بالتنظيم، فإنّ استعادة ننغارهار، إذا تم الحفاظ عليها، تشكّل انجازا رئيسيا لقوات الأمن الأفغانية.
ولا تزال طبيعة الروابط بين تنظيم الدولة في أفغانستان والشرق الأوسط غير واضحة، لكن “ولاية خرسان” ظهرت للمرة الأولى في العام 2014 عبر استقطاب مقاتلين ساخطين من حركة طالبان وتنظيمات جهادية أخرى في أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى.
واستولى مقاتلو “ولاية خرسان” على منطقة أشين الجبلية في ننغارهار في العام 2015، لتصبح اول منطقة يسيطرون عليها داخل أفغانستان.
وقد خيبوا توقعات أميركية أنه ستتم هزيمتهم سريعا، إذ صمدوا أمام الضربات الجوية بالإضافة لمعارك خاضوها مع حركة طالبان المنافسة.
سافر صحافي في وكالة فرانس برس مع وحدة للجيش الأفغاني حديثا لقرية صغيرة في أشين وشاهد حجم الدمار الذي لحق بالمنطقة.
تحولت الكثير من المباني الحجرية المبنية على تل ركاما، فيما بقت ثقوب الرصاص في جدران منازل أخرى وعلى جانب الطريق تناثرت سيارات مدمرة.
وقال أحد السكان ويدعى همة الله (36 عاما) “تم إجبارنا على مغادرة منازلنا. والآن عدنا لنجد كل منازلنا ومتعلقاتنا دُمرت”.
وروى أنه حين وصل الجهاديون للقرية أجبروا سكانا على الجلوس على قنابل وفجروهم. وفي يوم أخر، قطعوا رأس رجل متهم بالزندقة.
ورغم تحرير القرية الآن من عناصر “ولاية خرسان”، سيستغرق الأمر بعض الوقت ليشعر السكان بالامان فالكثيرون لا يزالون خائفين.
وقال همت الله إنّ الجهاديين “زرعوا ألغاما في كل مكان في المدارس والعيادات والبيوت”.
– انسحاب جماعي –
خلال الاسابيع الاخيرة، اجبرت العمليات العسكرية الأفغانية المدعومة بضربات جوية من التحالف الدوليّ الذي تقوده الولايات المتحدة، أكثر من 1400 مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية وأسرهم على الانسحاب، على ما أفاد مسؤول عسكري أميركي.
وسعت مباحثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان للتوصل لاتفاق تسحب بموجبه واشنطن آلافا من جنودها من أفغانستان في مقابل ضمانات أمنية، مع إبقاء قوات محدودة لمحاربة الإرهاب لملاحقة “ولاية خرسان” وتنظيمات جهادية أخرى. لكنها توقفت.
ومنذ العام 2015، اظهرت “ولاية خرسان” مرونة في تحرك مقاتليها ، إذ استخدموا أنفاقا للاحتماء من ضربات جوية شملت استخدام الولايات المتحدة ما عرف باسم “أم القنابل” في العام 2017.
ولم يعد المسؤولون الأميركيون يقدمون تفاصيل عن عديد عناصر التنظيم، لكن واشنطن قدرت عددهم لسنين بين 400 و 2500 مقاتل.
وقال المسؤول العسكري الأميركي “نقيس تهديد (تنظيم الدولة الإسلامية) بالنوايا والقدرات والمسارات وليس بالأعداد”.
واوضح انه رغم هزيمة التنظيم في ننغارهار، فإن مقاتليه سيختبئون في جيوب يمكنهم منها شنّ هدمات فيما ستحاول عناصر أخرى إعادة تنظيم صفوفها.
وأضاف “بحد أدنى، يبقى تنظيم الدولة الإسلامية تهديدا … لديهم الإرادة والنيّة لتصدير الإرهاب خارج أفغانستان”.
وقال هرات خان القيادي القبلي في أشين إنّ 10 بالمئة من سكان المنطقة ظلوا فيها اثناء احتلال مقاتلي “ولاية خرسان” لها.
وصرّح أنّ الحكومة يجب أن “تساعدنا على إعادة بناء المدارس والبيوت والعيادات والمساجد”، مشيرا إلى أن آلاف المنازل تحولت ركاما.
وأوضح أن جهاديي “ولاية خرسان” لا يزالوا في موقعين في أشين، لكن قائد الجيش نجيب الله قال إنهم دحروا تماما خارج المنطقة.
وقال نجيب الله إنّ “المنطقة بأكملها تم تطهيرها من مقاتليهم”، وتابع “لن يعودوا وسكان المنطقة العائدون يجب أن يواصلوا حياتهم الاعتيادية”.
ولا يزال الجهاديون في ولاية كونار المحاذية لننغارهار بالإضافة للعاصمة كابول.