"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) وقفة مع إعجازها العلمي

ملتقى أهل التفسير :

(أو كظلمات في بحر لجيّ) وقفة مع إعجازها العلمي

قول الله تعالى:
“أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها”
فيه صورتان:

صورة داخلية وصورة خارجية ودلالة الآية على الصورتين صحيحة وواضحة.

الصورة الأولى :

 

هي الصورة الداخلية ويدل عليها قول الله تعالى: ” أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج” وهذه الجملة وحدها تدل على أن هناك ظلمات في داخل مياه البحر ولا تكون هذه الظلمات إلا في بحر عميق وهو الموصوف باللجي.

الصورة الثانية:

 

الصورة الخارجية وهي صورة الموج الذي فوق الموج الذي فوق الموج الذي يغشى البحر والسحاب الذي فوقه.

وهنا نسأل:
كيف نتصور موجا يغشى البحر وهو جزء منه؟
وكيف نتصور موجا فوقه موج آخر؟
ثم ما علاقة الموج بإحداث الظلمة إذا كان المراد بالموج الذي من فوقه موج هو تتابع الموج السطحي؟

إن الصورة الظاهرية والتي يستطيع أن يدركها العارفون بالبحار من خلال طبيعة عملهم أو من خلال ركوبهم البحر هي بحد ذاتها معجزة حيث إن تصويرها جاء على لسان رجل عربي أمي لم يعرف البحر في حياته .

ولكن الصورة الكاملة التي تدل عليها الآية هي الصورة التي تجيب على الأسئلة أعلاه.
وجواب الأسئلة نجده في الرابط التالي:

http://www.uqu.edu.sa/page/ar/38028

أتمنى على الإخوة أعداء الإعجاز العلمي أن يتحفونا باعتراضتهم على مقال الدكتور : حسام الدسوقي ، ولكن بطريقة علمية لا طريقة خطابية.
مع الدعاء لهم بالتوفيق إلى الصواب في هذه المسألة وغيرها من المسائل.

وأكثرو من الصلاة على الحبيب محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أزواجه وذريته.

ملتقى أهل التفسير

تفسير الآيات من الطبري :

{ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ  أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)-  النور 40 – 42 } 

التفسير :

وهذا مثل آخر ضربه الله لأعمال الكفار، يقول تعالى ذكره: ومثل أعمال هؤلاء الكفار، في أنها عمِلت على خطأ وفساد وضلالة وحيرة من عمالها فيها، وعلى غير هدى، مثَلُ ظلمات في بحر لجِّيّ، ونسب البحر إلى اللجة وصفًا له بأنه عميق كثير الماء، ولجة البحر معظمه ( يَغْشَاهُ مَوْجٌ ) يقول: يغشى البحر موج ( مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ) يقول: من فوق الموج موج آخر يغشاه، ( مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ) يقول: من فوق الموج الثاني الذي يغشى الموج الأوّل سحاب، فجعل الظلمات مثلا لأعمالهم، والبحر اللجيّ مثلا لقلب الكافر، يقول: عمل بنية قلب قد غمره الجهل، وتغشَّته الضلال والحيرة، كما يغشى هذا البحر اللجّي موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فكذلك قلب هذا الكافر الذي مثل عمله مثل هذه الظلمات، يغشاه الجهل بالله، بأن الله ختم عليه، فلا يعقل عن الله، وعلى سمعه، فلا يسمع مواعظ الله، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حجج الله، فتلك ظلمات بعضها فوق بعض (4) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ) … إلى قوله: ( مِنْ نُورٍ ) قال: يعني بالظلمات: الأعمال، وبالبحر اللجّي: قلب الإنسان، قال: يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، قال: ظلمات بعضها فوق بعض، يعني بذلك الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر، وهو كقوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ … الآية، وكقوله: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ … إلى قوله: أَفَلا تَذَكَّرُونَ .
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة في قوله: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ) عميق، وهو مثل ضربه الله للكافر، يعمل في ضلالة وحيرة، قال: ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ).
ورُوي عن أُبيّ بن كعب ما حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب، في قوله: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ) … الآية، قال: ضرب مثلا آخر للكافر، فقال: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ) … الآية، قال: فهو يتقلب في خمس من الظلم: فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن أبي الربيع، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، بنحوه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ) … إلى قوله: ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) قال: شرّ بعضه فوق بعض.
وقوله: ( إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ) يقول: إذا أخرج الناظر يده في هذه الظلمات لم يكد يراها.
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: ( لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ) ، مع شدّة هذه الظلمة التي وصف، وقد علمت أن قول القائل: لم أكد أرى فلانا، إنما هو إثبات منه لنفسه رؤيته بعد جهد وشدّة، ومن دون الظلمات التي وصف في هذه الآية ما لا يرى الناظر يده إذا أخرجها فيه، فكيف فيها؟ قيل في ذلك أقوال نذكرها، ثم نخبر بالصواب من ذلك، أحدها: أن يكون معنى الكلام: إذا أخرج يده رائيا لها لم يكد يراها: أي لم يعرف من أين يراها، فيكون من المقدّم الذي معناه التأخير، ويكون تأويل الكلام على ذلك: إذا أخرج يده لم يقرب أن يراها. والثاني: أن يكون معناه: إذا أخرج يده لم يرها (5) ويكون قوله: ( لَمْ يَكَدْ ) في دخوله في الكلام نظير دخول الظنّ فيما هو يقين من الكلام، كقوله: وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ونحو ذلك. والثالث: أن يكون قد رآها بعد بطء وجهد، كما يقول القائل لآخر: ما كدت أراك من الظلمة، وقد رآه، ولكن بعد إياس وشدة، وهذا القول الثالث أظهر معاني الكلمة من جهة ما تستعمل العرب أكاد في كلامها، والقول الآخر الذي قلنا إنه يتوجه إلى أنه بمعنى لم يرها، قول أوضح من جهة التفسير، وهو أخفى معانيه. وإنما حسُن ذلك في هذا الموضع، أعني أن يقول: لم يكد يراها مع شدة الظلمة التي ذكر; لأن ذلك مثل لا خبر عن كائن كان.( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا ) يقول: من لم يرزقه الله إيمانا وهدى من الضلالة ومعرفة بكتابه، ( فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ): يقول فما له من إيمان وهدى ومعرفة بكتابه.
————————
الهوامش:
(4) قال الشوكاني في فتح القدير ( 4: 38 ) : ومن غرائب التفاسير : أنه سبحانه وتعالى أراد بالظلمات أعمال الكافر ، وبالبحر اللجى قلبه ، وبالموج : ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة . والسحاب : الرين والختم والطبع على قلبه . وهذا تفسير هو عن لغة العرب بمكان بعيد 1 هـ .
(5) في فتح القدير للشوكاني ( طبعة الحلبي 4 : 38 ) قال الزجاج وأبو عبيدة : لم يرها ولم يكد . وقال الفراء : إن كاد زائدة ، وقال المحقق الرضي في شرحه لكافية ابن الحاجب ( 2 : 306 ) : إن نفي القرب من الفعل أبلغ في انتفاء ذلك الفعل ، من نفي الفعل نفسه ؛ فإن ما قربت من الضرب ، آكد في نفي الضرب من ما ضربت . أ هـ .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فتعلم أن الله يصلي له من في السماوات والأرض من ملك وإنس وجنّ( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ) في الهواء أيضا تسبح له ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (6) والتسبيح عندك صلاة، فيقال: قيل: إن الصلاة لبني آدم، والتسبيح لغيرهم من الخلق، ولذلك فصّل فيما بين ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) قال: والصلاة للإنسان، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد قوله: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) قال: صلاته للناس، وتسبيحه عامة لكلّ شيء.
ويتوجه قوله: ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) لوجوه: أحدها أن تكون الهاء التي في قوله: ( صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) من ذكر كلّ، فيكون تأويل الكلام: كل مصلّ ومسبِح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه، ويكون الكلّ حينئذ مرتفعا بالعائد من ذكره في قوله: ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) وهو الهاء التي في الصلاة.
والوجه الآخر: أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح أيضا للكل، ويكون الكل مرتفعا بالعائد من ذكره عليه في ( عَلِمَ ) ويكون ( عَلِمَ ) فعلا للكلّ، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قد علم كلّ مصلّ ومسبح منهم صلاة نفسه وتسبيحه، الذي كُلِّفه وأُلْزمه.
والوجه الآخر: أن تكون الهاء في الصلاة والتسبيح من ذكر الله، والعلم للكل، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قد علم كلّ مسبح ومصلّ صلاة الله التي كلفه إياها، وتسبيحه، وأظهر هذه المعاني الثلاثة على هذا الكلام، المعنى الأوّل، وهو أن يكون المعنى: كلّ مصلّ منهم ومسبح قد علم الله صلاته وتسبيحه.
وقوله: ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بما يفعل كلّ مصلّ ومسبح منهم، لا يخفى عليه شيء من أفعالهم، طاعتها ومعصيتها، محيط بذلك كله، وهو مجازيهم على ذلك كله.
————————
الهوامش:
(6) يظهر أن في الكلام سقطًا . تقديره : فإن قيل : ما فائدة عطف ” وتسبيحه “ على صلاته .. . إلخ . بدليل قوله : قيل .. . إلخ وهو جواب عن سؤال.

وقوله: ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول جلّ ثناؤه: ولله سلطان السماوات والأرض وملكها دون كلّ من هو دونه من سلطان وملك، فإياه فارهبوا أيها الناس، وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإن بيده خزائن السماوات والأرض، لا يخشى بعطاياكم منها فقرا( وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) يقول: وأنتم إليه بعد وفاتكم، مصيركم ومعادكم، فيوفيكم أجور أعمالكم التي عملتموها في الدنيا، فأحسنوا عبادته، واجتهدوا في طاعته، وقدموا لأنفسكم الصالحات من الأعمال.