"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الشهيد مطهري (رحمه الله) : كيف يعرف القرآن نفسه؟

من الأفضل في تحليل القرآن أن نبدأ من ملاحظة رأيه في نفسه، وكيف يعرف نفسه.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ إن أول ما يطالعنا بهذا الشأن هو قوله إن هذه الكلمات والعبارات هي كلام الله.إنه يعلن صراحة إن الرسول ليس هو منشيء القرآن، بل إنه إنما يبين ما ينزل به روح القدس أو جبرائيل باذن الله.

والأمر الآخر الذي يوضحه القرآن هو تعريف رسالته. وهي إنها هداية أبناء البشر وقيادتهم للخروج بهم من الظلمة إلى النور:

﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور﴾ِ .

ولا شك إن من مصاديق هذه الظلمات الجهالة. فالقرآن يقود البشر من ظلمة الجهل الى نور العلم. ولكن لو كانت هذه الظلمات تنحصر بالجهل فحسب، فقد كان بامكان الفلاسفة أن يقوموا بتلك المهمة، غير أن هناك ظلمات أخرى أخطر بكثير من ظلمة الجهل، ولا يستطيع العلم أن يعالجها. فهناك مثلا حب المال، والأنانية، واتباع الشهوات، وغيرها…مما يعتبر من الظلمات الفردية الأخلاقية. وثمة ظلمات اجتماعية كالظلم، والتمييز، وغيرهما…والظلم من مشتقات الظلام، مما يوحي بنوع من الظلام الاجتماعي المعنوي، وإن مكافحة هذه الظلمات من شأن القرآن والكتب السماوية الأخرى.

يخاطب القرآن موسى بن عمران قائلا: ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.

انها ظلمات الظلم، ظلم فرعون والفراعنة، والنور هو نور الحرية والعدالة.

ان مما التفت إليه المفسرون هو إن القرآن لا يورد كلمة”الظلمات” إلا بصيغة الجمع، ومقرونة بالألف واللام، لتدل على الاستغراق، فتشمل كل ضروب الظلمات، ولكنه يورد النور بصيغة المفرد. وهذا يعني إن الطريق الصحيح واحد لا أكثر، بينما سبل الانحراف والضلال عديدة. من ذلك مثلا الآية التالية: ﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾.

وهكذا يعين القرآن هدفه: تحطيم اغلال الجهل والضلال والظلم والتردي الأخلاقي والاجتماعي. وبكلمة واحدة: القضاء على الظلمات، والهداية نحو العدالة والخير والنور .

* العلامة الشهيد مطهري.