نشرت صحيفة ” الراي” الكويتية ” مقالا للكاتب ايليا ج. مغناير ناقش فيه العقوبات الامريكية على “حزب الله”، حيث قال “على مرّ العقود ردّد الباحثون تقارير المخابرات الأميركية التي تدّعي أن “حزب الله” يهرّب السجائر ويبيع الأقراص المدبلجة المنسوخة ويبيع المخدرات حول العالم ليؤمّن المبلغ المطلوب لإعالة التنظيم. واتُهم الحزب بإدارة مشاريع تجارية حول العالم وبإمتلاك حسابات مصرفية خارج لبنان. ولهذا السبب فرضتْ واشنطن عقوبات عليه وصادرتْ جميع حساباته الأجنبية التي لم تكن أبداً موجودة. وعندما فشلتْ كل المحاولات لـ “دحْر” حزب الله بقيت خيارات قليلة لتحقيق ذلك، وهي:
1-منْع وصول الحقوق الشرعية (الخُمْس عند الشيعة وهذا يعادل 20 في المئة مما تبقى من الكسب عند نهاية السنة)، وهذه القيمة يدفعها المهاجرون الشيعة من دون أن يكونوا أفراداً من “حزب الله”.
2-فرْض عقوبات شديدة على إيران، الحليف الرئيسي لحزب الله ومموّله الأساسي.
3-فرْض عقوبات على الأفراد الأغنياء والبنوك التي يملك أفراد من “حزب الله” كنواب أو وزراء حسابات فيها.
الهدف الأساسي من هذا المسار دفْعُ المجتمع الشيعي – الذي يمثل نحو ثلث سكان لبنان – للإنتفاضة والإنتقام من حزب الله. وتتمنى أميركا كسْر المعادلة التي وافَق عليها البرلمان ورئاسة مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية المتمثّلة “بالجيش والشعب والمقاومة”. وهذه المعادلة سمحتْ للبنان بأن يتّحد ضدّ إسرائيل وعدوانها على البلاد.
فهل تستطيع أميركا أن تنجح في محاولتها إركاع حزب الله لتجفيف موارده المالية وقلْب الداخل اللبناني ضدّه؟
“حزب الله” تنظيمٌ شبْه دولة يدعمها 73 نائباً في البرلمان و18 وزيراً في مجلس الوزراء ولديه رئيس جمهورية خلْفه. ويستمدّ الحزب شرعيّته من السلطات التشريعية والتنفيذية – بما أنه جزء منها – إلى جانب جزء كبير من القوى الأمنية. وقد عبّر الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري عن حقّ لبنان بالدفاع عن نفسه ضدّ إسرائيل التي أرسلت طائرات مسيّرة ومفخّخة إلى ضاحية بيروت الجنوبية، وبالتالي هما أعطيا الشرعية لحزب الله لضرْب إسرائيل التي خرقت إتفاق وقف الأعمال العدائية المتفَق عليه تحت قرار الأمم المتحدة الرقم 1701 عام 2006 بعد الحرب الإسرائيلية الثالثة على لبنان. وقد لوّح المسؤولون اللبنانيون بورقة حزب الله في وجه كل الممثلين الأجانب الدوليين الذين حاولوا إقتناع لبنان بعدم الردّ على إسرائيل.
ولكن ماذا عن عملية إفقار “حزب الله”؟
وفق سيغال ماندلكر، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لمحاربة الإرهاب والإستخبارات المالية فإن إيران “تقدّم 700 مليون دولار سنوياً إلى حزب الله”، أي نحو 60 مليون دولار شهرياً. وإذا إفترضنا صحّة الرقم فهذا يعني أن حزب الله وعائلاته ينفقون عشرات الملايين من الدولارات شهرياً داخل لبنان وهذا ما يعزّز إقتصاد البلاد. ويدفع الحزب الحقوق (أي الرواتب) لعشرات الآلاف من أفراده الذين يتمتعون بتغطية طبية شاملة مجانية.
ويستثمر حزب الله في مشاريع آبار مياه وكهرباء وبنية تحتية فشلتْ الدولة اللبنانية في توفيرها للسكان منذ عقود. وهذه مسألة في غاية الأهمية لأن عدم إهتمام الحكومة وعدم القيام بواجباتها وفّر أرضاً خصبة لـ “حزب الله” ليحلّ مكان الحكومة في مجالات عدة.
وتقدّم إيران النفط لحزب الله منذ أشهر عدة ليغطي نفقاته لأنها تعتبره جزءاً من الأمن القومي وعضواً لا ينفصل عن جسدها. وتحتاج أميركا لتتواجد أمام كل بئر نفط إيراني لإغلاقه إذا أرادتْ منْع وصول المال إلى
حزب الله” في لبنان.
ورغم الحظر، فإن إيران تنجح في بيع مئات الآلاف من البراميل النفطية يومياً ليأخذ “حزب الله” حصته النفطية ويبيعها بسعر أقلّ من أسعار السوق العالمية. فإذا كان الحزب يحصل على 700 مليون دولار سنوياً فهذا يساوي بين 1.2 و 1.5 مليون برميل نفطي شهرياً. وهذه مهمة سهلة جداً يستطيع “حزب الله” القيام بها بسبب تواجده في سورية والعراق حيث يتمتع بدعم المسؤولين هناك.
وهذا يعني أن هذا الحزب يصرف أقلّ من مليار دولار سنوياً داعِماً للحالة الإقتصادية المتدهْورة في البلاد. وهذه الحالة نشأت بسبب السياسة الإقتصادية المحلية التي لا تحمي الإنتاج المحلي وبالأخص الصناعة والزراعة وتعتمد فقط على السياحة وهو قطاع محدود يتأثّر بأخبار الحرب وتقلّبات المنطقة، بالإضافة إلى الفساد الذي تفشّى منذ عقود.
وتستهدف أميركا النظام المصرفي، أحد الأنظمة النادرة القائمة في لبنان. وقد أغلقت مصرفيْن رئيسييْن حتى اليوم وفرضت تدابير قاسية على تحويل الأموال وأغلقت حسابات كثيرة وهي تدير النظام المصرفي اللبناني من واشنطن.
والنظام المصرفي اللبناني مُطيع لأيّ طلب أميركي خوفاً من إنخفاض قيمة العملة المحلية ومن إنهيار النظام المصرفي، وخصوصاً أن هذا النظام يتعامل بالعملة الأميركية داخلياً.
أما عن وضع “حزب الله” المالي، فمنذ إنشائه العام 1985 وتوحيد صفوفه العام 1992، لم يفوّت الحزب دفعاته المتواصله لحقوق أفراده. وفي بعض الأحيان تأخّر الدفع 6 أشهر وأخرى 4 أشهر، وفي حالاتٍ دُفِعَت الحقوق تقسيطاً. وهذا لا يعني أن “حزب الله” هو مؤسسة مثل أي شركة أخرى، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من هؤلاء قد أغلق أبوابه وشركات كبرى أفلست ولم تدفع الرواتب أبداً. فهذا الحزب جزء من المجتمع يحتاج أفراده إلى البقاء في مجتمعهم لحماية أنفسهم وعائلاتهم من إسرائيل وخطرها الدائم وإثبات وجودهم في البلاد.
وعندما يفاوض المسؤولون اللبنانيون، يستخدمون “حزب الله” للتهديد وإستعادة الأراضي المحتلّة أو الحدود المائية لأن هذا الحزب يضع قدراته العسكرية المتطورة – الممنوعة على الجيش اللبناني من قبل أميركا – في تصرّف الدولة لتُفاوِض وكأنها تملك هي هذه الأسلحة.
ومما لا شك فيه أن إيران و”حزب الله” تأثّرا بالعقوبات الأميركية الصارمة. ويحصل حزب الله على 70 في المئة من إحتياجاته المالية من إيران و30 في المئة من المتبرّعين الذين يدفعون حقوقهم الشرعية.
وقد قطعتْ أميركا هذه الحقوق لأنها تشدّد الخناق على لبنانيي الخارج. وإبتعد حزب الله عن هؤلاء لمنْع أي عمل عدواني ضدّهم لأن أميركا تعتبر كل مَن يدفع الحقوق عضواً في حزب الله، تعاقبه بالسجن. ولا تأخذ أميركا في حساباتها أن كل عائلة لبنانية شيعية لديها أقارب، أخ أو أبن عم أو فرد من العائلة داخل التنظيم. هذا لا يعني أن المهاجرين هم جزء من الحزب. إلا أن أميركا تُعامِلُهم كذلك.
وهذا مردّه إلى أن واشنطن تحاول إحداث إنقسام بين حزب الله والطائفة الشيعية. إلا أن الروابط قوية ولا تتأثّر كثيراً، ولن تستطيع أميركا إبعاد المجتمع اللبناني عن نفسه. بل تريد إعطاء درس لمَن يدعم “حزب الله” من المسؤولين السياسيين الذين يرفضون حلّ النزاع المائي بين لبنان وإسرائيل. وقد قالت أميركا للمفاوضين اللبنانيين إنها مستعدّة لرفع العقوبات كلها عن لبنان إذا جلس إلى طاولة المفاوضات وإتفق مع إسرائيل على النزاع المائي – النفطي.
وحاولت أميركا إلقاء اللوم على سورية في ما خص الأزمة المالية في لبنان وأنها تمتص الدولار من لبنان. وتتجاهل أميركا أن لدى سورية فائضاً في العملة الأجنبية بسبب المليارات من الدولارات التي أُنفِقَتْ في الحرب السورية حيث بدَّل الجميع أموالهم بالعملة السورية، مما زاد من ثروة البنك المركزي. وعلى الرغم من إغلاق المعابر السورية مع العراق والأردن – وبالتالي تأثرت البضائع اللبنانية – إلا أن سورية تدعم حزب الله مالياً عند الحاجة. وهذا ما يضيف إلى الحزب مصادره المالية المتعددة.
إستقبل لبنان مارشال بيلينغسلي مُساعِد وزير الخزانة الأميركية، وديفيد شينكر مُساعِد وزير الخارجية، وديفيد هيل والسفير ديفيد ساترفيلد وحتى وزير الخارجية مارك بومبيو. ونادى الجميع بضرورة محاربة حزب الله علناً. إلا أنهم جميعاً تحدّثوا بإسم إسرائيل ومطالبها المائية، لأن هناك ما بين 500 إلى 600 كيلومتر مربع تدّعي إسرائيل ملكيتها. وأميركا مستعدّة – بحسب أصحاب القرار – لإغلاق الملف المتعلق بحزب الله إذا جرى التوصل إلى إتفاق.
وقال بيلينغسلي ان “حزب الله سرطان يجب تجويعه وأن النظام السياسي يجب أن يتّحد ضد الحزب والتهديد الذي يمثّله للديموقراطية ولسلامة الحكومة اللبنانية”. وقد نسي المسؤول الأميركي أن حزب الله هو جزء من هذه الحكومة.
وتابَعَ المسؤول الأميركي أن بلاده وحلفاءها لا يقع على عاتقهم تَحَمُّل مسؤولية وقْف حزب الله “وأن الأمر متروك للشعب اللبناني لحماية الديموقراطية”، متجاهلاً أن غالبية الشعب يقف مع “حزب الله” بحسب المقاعد البرلمانية، وأن الديموقراطية ليست مطروحة في الشرق الأوسط على أي دولة لأن تتبنّاها وتتبعها.
يفكر “حزب الله” بكيفية الرد على أميركا بسبب عقوباتها على لبنان. ويدرك الحزب أن أميركا تحاول الفوز بالعقوبات حيث خسرت الحرب في لبنان العام 2006 مع حليفتها، وفي العراق حيث لم تقسمه وفي سورية منذ العام 2011. وبالتالي فإن أميركا من الممكن أن تواجه وضعاً جديداً لا تريده ولا تتمناه إذا أكملتْ الضغط على المهاجرين وعلى النظام المصرفي اللبناني.