ازمة سد النهضة الاثيوبي تتفاقم ومصر امام خيارين : التدويل او الخيار العسكري للحفاظ على امنها المائي والقومي ولقمة خبز الملايين من أبنائها.. لماذا نؤيد الموقف المصري دون تحفظ ونعيب على بعض العرب مواقفهم المضادة في هذا المضمار؟ وهل كانت إسرائيل وراء تراجع رئيس وزراء اثيوبيا عن تعهداته للحكومة المصرية؟

 راي اليوم :

عبد الباري عطوان

عادت ازمة “سد النهضة” تفرض نفسها بقوة في ظل التراجع الاثيوبي عن الاتفاقات التي جرى التوصل اليها اثناء زيارة السيد ابي احمد، رئيس وزراء اثيوبيا، للقاهرة منتصف العام الماضي، وتضمنت تعهدا اثيوبيا بعدم المساس بحصة مصر من المياه، ولكن الجانب الاثيوبي تراجع عن هذه التعهدات، ورفض مقترحات مصرية تدعو الى ملء بحيرة سد النهضة في غضون سبع سنوات وليس ثلاث، مثلما يطالب الجانب الاثيوبي، باعتبار ان هذا القرار سيادي ومن اختصاص الدولة الاثيوبية وحدها.

وزراء الري في السودان ومصر واثيوبيا عكفوا في اجتماعهم الذي انعقد اليوم الجمعة في الخرطوم على بحث كيفية التوصل الى حل مرض لجميع الأطراف، ولكن يبدو ان إصرار الجانب الاثيوبي على موقفه سيؤدي الى احد احتمالين، اما لجوء مصر الى التحكيم الدولي، او اللجوء الى الخيار العسكري اذا تعذر الأول.

وكان الموقف السوداني الذي قيل انه اكثر ميلا للموقف الاثيوبي صادما، ونأمل ان تكون الانباء المتواردة في هذا الصدد غير صحيحة.

***

الولايات المتحدة حليفة الطرفين، استشعرت احتمالات تفاقم هذه الازمة، وزيادة حدة التوتر بين أطرافها، وأصدرت بيانا أعلنت فيه دعمها للمفاوضات الثلاثية الجارية حاليا للتوصل الى اتفاق “يحفظ حقوق الجميع لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية المستدامة، بالإضافة الى احترام دول وادي النيل لبعضهم البعض فيما يخص حقهم في المياه”.

البيان الأمريكي يتسم بـ”الغموض” وجرى انتقاء كلماته بعناية فائقة بحيث يرضي جميع الأطراف، فلم ينص مطلقا على احترام اتفاقيات توزيع المياه الدولية التي تحصل مصر بمقتضاها على النصيب الاكبر، وانما على “الاحترام المتبادل لدول وادي النيل لبعضهم البعض فيما يخص حقهم في المياه”، وهي صيغة فضفاضة حمالة لكل الأوجه.

الحكومة المصرية، وفي ظل وجود تقارب في الموقفين السوداني والاثيوبي، طلبت دخول طرف رابع حيادي لتسهيل عملية التفاوض، ويبدو ان المقصود هو الولايات المتحدة باعتبارها الوسيط المقبول من كل الأطراف، علاوة على ثقلها السياسي والاقتصادي، ونفوذها الكبير على جميع الأطراف، حسب وجهة نظرها.

مصر التي تبلغ حصتها من مياه النيل حوالي 55.5 مليار متر مكعب سنويا، في مقابل 18 مليار متر مكعب للسودان، دولة المصب الاخرى، من مجموع 84 مليار متر مكعب هي مجموع حجم تدفق مياه نهر النيل سنويا (150 مليار متر مكعب أخرى تتبخر بفعل الحرارة سنويا)، تريد ان لا تتأثر حصتها هذه مطلقا من جراء ملء خزان سد النهضة تجنيا لاي اضرار او حتى مجاعات وانخفاض انتاج الكهرباء في السد العالي.

الاقتراح المصري الذي رفضته اثيوبيا يقضي بأن تقدم اثيوبيا 40 مليار متر مكعب سنويا من المياه اليها على مدى سبع سنوات وهي الفترة المقترحة لملء خزان سد النهضة، وبقاء مستوى المياه في سد اسوان عند 165 مترا فوق سطح الأرض.

الرئيس عبد الفتاح السيسي اكد في تصريحات صحافية قبل أسبوع انه “لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض الامر الواقع ولا بد من الحفاظ على حصة مصر المائية كاملة”، واتهم اثيوبيا باستغلال ضعف مصر بسبب احداث عام 2011 للمضي قدما في إقامة سد النهضة الذي سيكون له تأثير كبير على مصر وامنها المائي والقومي.

تهديد الرئيس السيسي واضح ولا يحتاج الى تفسير، فتخفيض حصة مصر من المياه يعني “اعلان حرب” لا يمكن ان يمر دون التصدي له بكل الوسائل”، وبدأت أصوات سياسية وعسكرية داخل مصر تروج لحتمية الحل العسكري وتدمير السد الاثيوبي اذا لم يتم احترام المطالب المصرية، لان مصر التي زاد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة تحتاج الى حصص مياه اكبر، وليس تقليصها، بسبب الزيادة السكانية الهائلة، و95 بالمئة من أراضيها صحراء قاحلة، ومياه النيل بالنسبة اليها، ومواطنيها، مسألة حياة او موت.

لا نعرف ما اذا كانت الإدارة الامريكية ستقوم بالوساطة لنزع فتيل الازمة، ومنع أي انفجار عسكري محتمل، ولكن ما نعرفه ان إسرائيل هي التي حرضت اثيوبيا على بناء هذا السد، وقدمت لها القروض والخبرات الهندسية في هذا الصدد من اجل تهديد امن مصر، وتقليص حصصها المشروعة من المياه، ولا نستبعد ان تستمر الدولة العبرية في دعم الموقف الاثيوبي من خلال حث الطرف الأمريكي على تبني هذا الموقف، خاصة ان اثيوبيا كافأتها، أي إسرائيل، بالاعتراف بها وتوثيق علاقاتها بدول افريقية أخرى، واستضافة بنيامين نتنياهو رئيس وزرائها في اديس ابابا، ومخاطبة اجتماع لمنظمة الوحدة الافريقية.

***

المصيبة ان الخلافات العربية المتفاقمة، وعداء بعض الدول لحكومة مصر الحالية، ودفعها لتبني الموقف الاثيوبي، واستثمار المليارات في بناء سد النهضة، من منطلق النكاية والمناكفة، وهذا موقف معيب بكل المقاييس، يزيد من تعميق الازمة، فسد النهضة مشروع موجه ضد مصر، كل مصر، وستكون آثاره السلبية في حال عدم وقفها، تهديدا لمئة مليون مصري فقط، وانما كل الأجيال المصرية المقبلة، فالنيل حفر مجراه قبل ملايين السنين وقبل البشرية وظهور الانسان، ويجب ان يظل كذلك، مع تسليمنا ان 90 بالمئة من مياهه يأتي من النيل الأزرق ومنابعه الاثيوبية.

الموقف المصري المتعلق بسد النهضة يجب ان يحظى بدعم كل الحكومات العربية دون تردد او استثناء، بغض النظر عن مواقفها تجاه حكم الرئيس السيسي وسياساته، فهو ليس مخلدا مثل ابو الهول والاهرامات، ومصر هي الباقية ابدا.

عن leroydeshotel

شاهد أيضاً

نيوزيلندا تدرج “حزب الله” اللبناني و”أنصار الله” على قائمة الإرهاب

RT : أعلنت نيوزيلندا تصنيفها “حزب الله” اللبناني وحركة “أنصار الله” الحوثية في اليمن “منظمتين …