"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

مصر.. القصة الكاملة لأرض الثروات ولشعب يتجرع الفقر

الشعب المصري يعاني الفقر رغم أن دولته تملك ثالث أكبر اقتصاد في المنطقة

لا يجتمع الفقر والثروة في دولة كما هو الحال في مصر؛ فهي غنية بالثروات والموارد الاقتصادية والطبيعية التي يمكن أن تقودها إلى قائمة الدول الأكثر ثراء في العالم، إلا أن مؤشرات اقتصادها والأوضاع المعيشية لسكانها تنحدر نحو الأسوأ يومياً.

وتعاني الدولة الأولى في إنتاج النفط بأفريقيا من خارج منظمة “أوبك”، وثالث أكبر منتِج للغاز الطبيعي بالقارة السمراء، أزمات اقتصادية ومالية خانقة.

فقر وبطالة

وانعكست تلك الأزمة على الأوضاع المعيشية للمصريين، فقد وصلت نسبة البطالة في البلاد بالربع الأول من العام الجاري، إلى 8.1٪، حيث يبلغ عدد العاطلين عن العمل 2.094 مليون فرد، منهم 962 ألفاً من الذكور و1.132 مليون من الإناث.

وهذه النسبة لا تعني أن من يعمل من المصريين يعيش في حالة جيدة، فنحو 60٪ من الشعب المصري فقراء، بحسب تقرير حديث للبنك الدولي.

كما أنه وفق منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن مصر تعاني مشكلة مزمنة ترتبط بسوء التغذية لدى الأطفال دون عمر خمسة أعوام، وهو ما أصاب ما يزيد على 30% من الأطفال بمرض “التقزم”.

وكشف تقرير حديث لمنظمة “اليونيسف” أن نحو عشرة ملايين طفل بمصر فقراء متعددو الأبعاد، وهو ما يجعلهم محرومين من أبعاد الرفاهية الرئيسة التي لها تأثير مباشر على قدرتهم على البقاء والنمو.

وتشمل أبعاد الرفاهية، وفق المنظمة الأممية، التسرب من المدرسة، وعدم وجود مياه شرب نظيفة، وعدم الحصول على الرعاية الصحية، أو تعرُّضهم للعنف الجسدي الشديد.

وطبقاً لبيانات رسمية مصرية، فإن متوسط دخل الفرد السنوي في البلاد يصل إلى 58.9 ألف جنيه (نحو 3600 دولار)، وهذا الرقم يضع القاهرة في ذيل ترتيب البنك الدولي للبلدان حسب متوسط دخل الفرد السنوي فيها.

وأعلن البنك الدولي، مؤخراً، عن تصنيفه الجديد لدول العالم في السنة المالية 2019، بحسب نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي سنوياً بالدولار.

وقسَّم البنك دول العالم إلى 4 شرائح، تتضمن بلداناً مرتفعة الدخل، وأخرى متوسطة الدخل، وثالثة متوسطة أدنى، بالإضافة إلى بلدان منخفضة الدخل.

وجاءت مصر ضمن الشريحة الثالثة للدول متوسطة الدخل، مع السودان وتونس والمغرب والهند ضمن فئة الدول التي يتراوح متوسط دخل مواطنيها بين 996 و3895 دولاراً سنوياً، متفوقة على اليمن وسوريا، وأقل من لبنان وليبيا والأردن وجنوب أفريقيا.

ارتفاع الأسعار

إضافة إلى مستويات الفقر والبطالة المرتفعة، فإن الأسعار ارتفعت في مصر إلى أرقام قياسية خلال السنوات الماضية، فمنذ تحرير سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر 2016، بدأت أسعار السلع والخدمات بالسوق المصرية ترتفع تدريجياً، ووصل التضخم إلى أعلى مستوياته في تاريخ البلاد.

وخفضت الحكومة المصرية دعمها لكثير من الخدمات والسلع مثل المواد البترولية والكهرباء والمياه ووسائل النقل.

وضمن المؤشرات المتهاوية للاقتصاد في أرض الكنانة، انهارت البورصة المصرية، الاثنين (23 سبتمبر الجاري)، وسجلت أسوأ جلساتها منذ يونيو 2016، وذلك بعد أن تعرَّض مؤشرها الرئيس لهبوط حاد بلغ 5.32%، ليغلق عند 13958 نقطة.

وأوقفت إدارة البورصة في الجلسة ذاتها، التداولات للمرة السادسة منذ العام 2011، بسبب تجاوز الانخفاض نسبة الـ5%، وخسر رأس المال السوقي للبورصة نحو 36 مليار جنيه (2.21 مليار دولار) من قيمته.

وأوقفت البورصة المصرية التداول على 132 شركة تمثل 74% من الأسهم المتداولة خلال الجلسة نفسها بعد تجاوز انخفاضها 5%، في حين لامس 60 سهماً متداولاً، الحد الأدنى المسموح خلال الجلسة، واختفت الطلبات على نصف الأسهم تقريباً.

ديون وعجز بالموازنة

وكانت الحكومة المصرية قد خفضت توقعاتها لمعدلات النمو خلال العام الحالي، بسبب استمرار ارتفاع عجز الموازنة.

وأوضحت بيانات رسمية حول المؤشرات المبدئية للاقتصاد أن وزارة المالية خفضت توقعاتها للنمو خلال العام المالي الحالي إلى 5.6%، مقارنة بتوقعات سابقةٍ قدرها 5.8%.

وبلغ العجز في الموازنة العامة المصرية للعام المالي الحالي 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل 327 مليار جنيه (20.05 مليار دولار).

وعلى صعيد الديون، أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، في مايو الماضي، ارتفاع إجمالي الدين العام المحلي للبلاد بنسبة 20.25% على أساس سنوي إلى 4.108 تريليونات جنيه (241.9 مليار دولار).

ثروات نفطية ومعدنية وحجرية

كل تلك المؤشرات الاقتصادية السلبية كان يمكن أن تقفز إلى المنطقة الخضراء لو استُغلت الموارد الطبيعية للدولة مبكراً، فمصر الغنية بالنفط والغاز تملك ثروات من الحديد والذهب والزنك والفحم والفوسفات والآثار، إضافة إلى ثروتها الحيوانية وامتلاكها ملايين الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة.

وفي بيانات أكثر دقة حول ثروات مصر، فإنه في تقرير الثروة الأفريقية لعام 2018 الصادر عن مؤسسة “نيو وارلد ويلث” الجنوب أفريقية المتخصصة في أبحاث السوق، تم قياس مصر على أنها صاحبة ثاني أعلى ثروة إجمالية في القارة.

وتعد مصر أكبر منتج للنفط في أفريقيا من خارج منظمة أوبك، إضافة إلى أنها ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي بالقارة السمراء.

وفي عام 2017، بلغ متوسط إنتاج مصر من النفط ومشتقاته نحو 666 ألف برميل يومياً، في حين تبلغ الاحتياطات المؤكدة في مصر نحو 4.4 مليارات برميل.

وتمتلك مصر أكبر قطاع تكرير في أفريقيا، حيث تصل سعة تكرير المصافي المصرية إلى نحو 810 آلاف برميل يومياً، وفق شركة “بريتش بتروليوم” العالمية.

أما على صعيد الغاز الطبيعي، فتقول شركة “بريتش بتروليوم” إن مصر تملك نحو 65.2 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة، وهي بذلك تملك رابع أكبر احتياطي في أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر وموزمبيق.

ومن المتوقع أن يزداد إجمالي احتياطي الغاز الطبيعي بشكل كبير خلال السنوات القليلة المقبلة، بسبب اكتشافات الغاز الطبيعي الأخيرة.

وإضافة إلى النفط والغاز، فإن مصر تملك ثروة هائلة من المناجم المعدنية والحجرية؛ حيث تحتل المركز الثالث عالمياً في الثروة المحجرية والمعدنية.

ويوجد في مصر ما يقرب من 39 مادة خاماً من المعادن، تدخل في جميع الصناعات؛ حيث وصل عدد المناجم في الدولة العربية الأفريقية إلى 4500 منجم لمختلف الأنواع، ما بين فوسفات وذهب وفلسبار ورمال بيضاء.

وتقول هيئة الثروة المعدنية المصرية في تقرير نشرته العام الماضي، إن هناك 220 موقعاً للذهب بمصر، منها 120 موقعاً تم الاستخراج منها بالفعل خلال الأعوام الماضية.

ويعد “منجم السكري”، الذي اكتُشف عام 1995 في منطقة جبل السكري بالصحراء الشرقية المصرية، واحداً من أكبر 10 مناجم للذهب في العالم، حيث بلغ إنتاجه نحو 600 ألف أوقية بالعام 2016.

وذكرت هيئة الثروة المعدنية في التقرير نفسه، أن مصر تمتلك ثروة هائلة من الحديد الخام تقدَّر بنحو 780 مليون طن موزعة على الصحراء الشرقية وجنوبي الصحراء الغربية والواحات البحرية، إضافة إلى منطقة شرقي أسوان.

أما بخصوص خامات الرصاص والزنك، فيبلغ الاحتياطي لكل منها 1.5 مليون طن. أما احتياطات الفوسفات فتقدَّر بنحو 3 مليارات طن، وهو ما تبلغ قيمته تريليون دولار.

كما أنه يوجد في الأراضي المصرية 50 مليون طن احتياطي خام من الكوارتز، ومليار طن من خامات الفلسبار، وفق تقرير هيئة الثروة المعدنية.

أما عن المحاجر، فتشير الأرقام الرسمية إلى تجاوز عدد المحاجر في مصر 1727 محجراً، بها خامات أحجار الجير والبازلت والرمل والزلط والغرانيت والرخام الأبيض والجص، إضافة إلى أحجار طَفلة.

وتزيد قيمة إجمالي احتياطي مصر من الرمال البيضاء المصرية، التي تصنف الأولى عالمياً من حيث الجودة، على 16 تريليون دولار.

وتمتلك مصر ثروة كبيرة من الطاقة الشمسية، ووفقاً لشركة “آي إتش إس ماركت”، فإن مصر تولد كهرباء حالياً (30 ميغاواط) فقط من الطاقة الشمسية، في حين تستطيع أن ترفع هذه القدرة إلى 1.8 غيغاواط.

وبالنسبة للثروة الزراعية، فإن مصر تملك 283 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، منها 10 ملايين فدان فقط تم استصلاحها وزراعتها.

وعلى صعيد الثروة السمكية، فإن إنتاج مصر من الأسماك يبلغ مليوناً و650 طناً سنوياً، تبلغ قيمة إيراداتها 25 مليار جنيه (1.5 مليار دولار)، بحسب أرقام رسمية.

وعلاوة على كل ذلك، فإن مصر تمتلك ثلث آثار العالم، إلا أن حجم الآثار التي تم اكتشافها حتى نهاية العام الماضي، لا يمثل إلا 30٪ فقط من الآثار المدفونة في مصر، وفق تصريحات سابقة لوزير الآثار المصري الأسبق، زاهي حواس.

مصر دولة غنية ولكن..

ومعلقاً على هذه البيانات، يقول الكاتب الاقتصادي مصطفى عبد السلام، في تصريحات لـ”الخليج أونلاين”: إن “مصر بحاجة إلى إدارة محترفة تفهم مقومات الحاضر وفرص المستقبل، وتدرك عناصر قوة الدولة التي تقودها”.

ويضيف عبد السلام: “مصر دولة غنية جداً ولا تقل في مواردها الطبيعية عن أغنى بلدان العالم، لكن ينقصها إدارة حكيمة”.

ويوضح أن “مصر صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في المنطقة ودولة ذات اقتصاد متنوع لا تعتمد على مصدر واحد في مواردها المالية والاقتصادية، فلديها قطاعات وأنشطة عدة ومتنوعة، منها الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات والتجارة والبترول والغاز والذهب والمعادن والسواحل والمناخ والموقع الجغرافي المتميز”.

ويتابع: “ما كشفه الفنان والمقاول محمد علي، مؤخراً، يردُّ على الزاعمين أن مصر فقيرة، ويؤكد أن مصر تعد من أغنى دول المنطقة، لكن هذا الثراء يأكله الفساد وسوء الإدارة واستمرار الانقسام المجتمعي، وأحادية القرار، وعدم الإيمان بدراسات الجدوى الاقتصادية، والتعامل بفهلوة مع قضايا الاقتصاد بالغة التعقيد، واحتكار مؤسسات سيادية معينة للمشروعات الكبرى، وإزاحة القطاع الخاص”.

ويكمل المختص الاقتصادي: “رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد أكد خلال زيارة سابقة للقاهرة، أن مصر لديها ثروات ضخمة غير مستغلة كافية لمساعدة نحو 50 دولة على مستوى العالم”.

وأفاد بأن دراسة أجراها معهد الحرية والديمقراطية في مصر أظهرت أن هناك ثروات غير مستغلة في مصر تبلغ قيمتها 200 مليار دولار.

ويقول عبد السلام: “المشكلة الحقيقية التي تعيشها مصر حالياً هي أن قادتها لا يعرفون إمكاناتها وثرواتها الحقيقية، خاصةً الممثلة في شبابها”