الخليج الجديد :
لم ينخفض عدد الأسباب التي أدت إلى نشوب الاحتجاجات الجماهيرية في القاهرة والعديد من المدن المصرية عام 2011، على العكس من ذلك، فقد زادت إلى حد لم يسبق له مثيل مقارنة بعهد الرئيس الأسبق “حسني مبارك” قبل الإطاحة به، وبلغت معاناة المصريين اليوم أقصى حدودها.
وفي الأعوام الأخيرة، تآكلت موارد الطبقة الوسطى لدرجة أن الناس بالكاد يستطيعون دعم بعضهم البعض، وفشلت الخطط الكبرى لنظام “السيسي” في إفادة الفقراء، وفي الواقع، لقد غرقوا في فقر أعمق.
ولم يحدث من قبل في تاريخ مصر أن كان هناك مثل هذا العدد الكبير من السجناء السياسيين، ويتصاعد القمع وتتزايد أعداد المعتقلين في البلاد يوما بعد يوم، وأصبحت هناك حاجة لبناء سجون جديدة بشكل مستمر.
صوت الناس
ويُقال إن نحو 60 ألف شخص، وصفهم نظام “السيسي” بأنهم “إرهابيون”، قد تم بالفعل سجنهم لأسباب سياسية.
ومنذ الموجة الجديدة من الاحتجاجات، التي بدأت في 20 سبتمبر/أيلول، زاد هذا العدد بشكل مطرد، حتى إن أفراد الجيش المصري كانوا مستهدفين بالاعتقالات، ومن الواضح أن “السيسي” يريد التخلص من أي منتقدين في الجيش قبل أن يصبحوا خطرين عليه.
وكما هو الحال مع احتجاجات عام 2011، جاء الزخم لجولة المظاهرات الأخيرة من مكان غير متوقع تماما، وبدأ الأمر مع قيام “محمد علي”، وهو مقاول بناء مقيم في المنفى في إسبانيا لم يتقاض أجره من قبل الجيش منذ أعوام، بنشر مقاطع فيديو على “يوتيوب” كل بضعة أيام يروي فيها قصصا عن الفساد اليومي للجيش المصري والرئيس “السيسي” نفسه.
وفي حين يقدم “علي” نبذة حول ما يعرفه عن فساد الجيش في مصر، فإنه يدعو سائر المواطنين ممن يملكون معلومات مماثلة للإفصاح عما لديهم، ومما أثار قلق النظام، فإن الكثير من الناس بدأوا في فعل ذلك بالضبط.
ولم تكن دعوات “علي” للاحتجاجات وإسقاط “السيسي” لتؤتي ثمارها دون الاستياء الاجتماعي الواسع السائد في البلاد بالفعل، ويجد الكثير من المصريين أنه يتمتع بالمصداقية، لأنه ينحدر من خلفية فقيرة، وهو الآن، مثل “روبن هود” الذي يتحدى الفئة الثرية الفاسدة التي اكتسبت ثرواتها عبر امتيازات الجيش.
ويتحدث “محمد علي” في المقاطع عن مشاركته في بناء العديد من المشاريع المدنية للجنرالات، مثل الفنادق والقصور الحديثة، التي لا علاقة لها بالدور العسكري الفعلي للجيش.
شائعات حول خليفة محتمل
ونشأ “علي” على أطراف منطقة العجوزة في القاهرة، وهي واحدة من أكثر المناطق فقرا في المدينة. ولم يتلق تعليما مرموقا، لكنه حقق النجاح كرجل أعمال عصامي.
واليوم، يقول إنه يفعل ما يفعله من أجل الفقراء، ويقول إنه حتى بعد أن أصبح مليونيرا، لم ينس كيف يعيشون.
ويؤكد “علي” أن البلاد في حالة يرثى لها، وينتقد “السيسي” وزوجته بشكل خاص، وهما مثل “علي”، ينحدران من خلفية متواضعة.
وتجعل هذه الحقيقة بالتحديد الكثير من المصريين أكثر استياء من الكيفية التي تتباهى بها زوجة الرئيس على وجه الخصوص بثروتها الجديدة، سواء بالمجوهرات أو الثياب والإكسسوارات الفاخرة ناهيك عن القصور والاستراحات المكلفة التي استعرض “محمد علي” بعض تفاصيلها أمام المصريين.
لكن “السيسي” تعلم شيئا ما من سقوط سلفه، وتُظهر قوات الأمن المصرية استعدادا لاستخدام جميع الإجراءات الوحشية التي يمكنها اتخاذها لمنع الاحتجاجات في الشوارع والساحات من الوصول إلى كتلة حرجة قد تؤدي إلى الإطاحة بالرئيس.
ويتم تبادل اسم الخليفة المحتمل لـ”السيسي” بالفعل، وهو الجنرال السابق “سامي عنان”، وكان “عنان”، رئيس الأركان العامة في الفترة من 2005 إلى 2012، قد تم إلقاء القبض عليه عام 2018، عندما حاول الترشح ضد “السيسي” في الانتخابات الرئاسية، ويمكن لـ”عنان” الاعتماد على دعم العديد من الضباط الذين تم فصلهم في الأشهر الأخيرة.
من الواضح أن الأمور تزداد حرارة في مصر، ليس فقط في ميدان التحرير، ولكن أيضا داخل صفوف الجيش، ويبدو أن الضغط في المرجل المصري يتصاعد مرة أخرى.