منعتهم القوات الأمنية. وبعد ساعات قليلة، أي صباح الاثنين، تفاجأ الموصليون بإزالة التمثال من مكانه، وقيل لهم إن “قوة رسمية تابعة لقوات مكافحة الشغب العراقية رفعته”.
يشغل الساعدي الرأي العام العراقي، بعد موافقة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على قرار نقله من جهاز مكافحة الإرهاب إلى إمرة وزارة الدفاع، ما فهمه الجميع على أنه تحجيم له وإخراج له من المشهد العام.
بروز الساعدي
عبد الوهاب الساعدي هو قائد عسكري عراقي، كان في الجيش العراقي قبل عام 2003. ولكن صيته ذاع في السنوات الأخيرة، أثناء عمليات التحرير التي انتهت باستعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش.
برز اسم الفريق الركن بشكل كبير وتفوق على كل القادة العسكريين، حتى أولئك المنتمين إلى فصائل الحشد الشعبي مثل أبو مهدي المهندس وهادي العامري وغيرهما.
هتف الموصليون باسمه كثيراً، وظهروا في مقاطع فيديو وهم يشيدون به ويقبّلونه. كما ظهر في لقطات أخرى مع أطفال في مناطق الحرب، ومع جنوده على الأرض، مخضّباً بالتراب ويأكل معهم مما يأكلونه. تنامت شعبيته وصار رمزاً من رموز “الدولة”، حتى أن هناك مَن طالب بأن يتولى رئاسة الحكومة.
يقول الساعدي في حديث لقنوات محلية عراقية: “رشحني رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي وزيراً للدفاع، لكنني رفضت. أنا قائد عسكري ميداني، ولدينا معارك مستمرة مع داعش، لذا أجد نفسي في الميدان حتى إنهاء وجود التنظيم”.
تفسيرات مختلفة
يعتقد الخبير الأمني هشام الهاشمي أن قرارات وضع “القادة العسكريين” في إمرة وزارة الدفاع غير مدروسة وليست في وقتها الصحيح، ويحذّر من وجود عناصر داعش في المناطق المحررة، ما يعني برأيه أن هناك حاجة إلى هؤلاء القادة.
ويقول لرصيف22 إن “تجميد رموز النصر فيه خلل كبير، ولا ينفع المؤسسة العسكرية، بل يضرها وينفع العدو، كما يرسم صورة سلبية عن المؤسسة العسكرية في نظر المواطن العراقي، خاصة عبد الوهاب الساعدي الذي يمتلك قاعدة شعبية كبيرة”.
لكن المحلل السياسي العراقي نجم القصاب يذهب إلى أبعد من ذلك، ويتهم إيران والموالين لها في العراق بـ”محاولة نقل تجربة الحرس الثوري الإيراني إلى العراق وإبعاد القادة العسكريين المهنيين عن مواقع القرار العسكري وعن المواجهة”.
ويقول لرصيف22 إن “الساعدي يمتلك شعبية كبيرة، وتفوق على قيادات كبيرة، وكان له دور كبير في عمليات التحرير التي أراد البعض أن يختزلها بنفسه، كما أن لإيران عقدة من القيادات العسكرية المهنية، لذا يقف الموالون لإيران وراء عملية تهميشه وإقصائه”.
يتمتع الساعدي بشعبية كبيرة، وقد يكون هو الشخصية العسكرية الوحيدة التي تجمع عليها فئات كبيرة من الشعب العراقي في مرحلة ما بعد سقوط صدام حسين، إلا أن هذا لم يشفع له أمام القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي الذي وافق على نقله من موقع أساسي في جهاز مكافحة الإرهاب إلى موقع يُعتبر فيه “مهمشاً ومقصياً” في وزارة الدفاع.
“رجل واحد تمكن من توحيد الموقف العراقي من شماله إلى جنوبه. رجل واحد لا حزب ينتمي له، ولا أتباع ينزلون الشارع ليهتفوا له”… ما هي قصة الفريق عبد الوهاب الساعدي الذي تضامن العراقيون معه ضد رئيس الحكومة؟
يتهم عراقيون إيران والموالين لها في العراق بالوقوف خلف قرار تحجيم دور الفريق عبد الوهاب الساعدي في “محاولة لنقل تجربة الحرس الثوري الإيراني إلى العراق وإبعاد القادة العسكريين المهنيين عن مواقع القرار”
عملية نقل الساعدي لم تكن بشكل مباشر من رئيس الحكومة، وإنما من رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن طالب شغاتي، الذي يقال إنه مقرب من الولايات المتحدة الأمريكية. وتقول مصادر لرصيف22 إن “هناك صراعاً كبيراً داخل جهاز مكافحة الإرهاب، طرفاه، شغاتي والساعدي، وعلى هذا الأساس حاول رئيس الجهاز إبعاد الأخير عنه”.
وتضيف المصادر أن “بروز الساعدي وتفوقه على المستوى الشعبي وتلقيبه ببطل الانتصارات وغيرها من الألقاب، كانت سبباً في الصراع بينه وبين رئيس الجهاز”.
تظاهرة منددة
إثر قرار عبد المهدي، انتشرت أخبار عن تنظيم تظاهرات في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل رفضاً للأمر، ودعماً للساعدي الذي أعلن صراحة أنه لن يوافق على قرار نقله ويفضّل عليه إحالته على التقاعد، لكن لم يُعرف مَن يقف وراء التظاهرة المنتظرة.
ومن المقرر حسب الأخبار الشائعة أن يتجمع المتظاهرون في ساحة التحرير، وسط العاصمة العراقية بغداد. وخرجت تسريبات بأن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يقف خلفها، إلا أن الأخير نفى ذلك من خلال صفحة صالح محمد العراقي على فيسبوك، وهي صفحة مقربة منه، ويشاع بأنه يديرها شخصياً.
حكم الدليمي، هو أحد ناشطي المجتمع المدني في الموصل وكان له تواصل مستمر مع الساعدي خلال فترة العمليات العسكرية، لمساعدة النازحين في الهروب من مناطق الصراع. يقول لرصيف22 إن “الساعدي إنسان وطني عظيم”، ويضيف: “أحترمه جداً لأسباب كثيرة منها أنه عندما رفعنا العلم العراقي بعد تحرير الساحل الأيسر في منطقة المنصة كان أول مَن دعمنا ووفّر لنا الحماية”.
ومثل رأي الدليمي بالساعدي، يرى إسماعيل كريم، وهو ناشط عراقي، أن “عبد الوهاب الساعدي شخصية عراقية بارزة، كان لها دور كبير في عمليات التحرير، وعلى القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي إعادته إلى منصبه وألا يترك الفاسدين والسارقين في المؤسسة العسكرية ويظلم الساعدي”.
وكتبت الإعلامية العراقية بتول الحسن على صفحتها على فيسبوك: “ظاهرة الفريق عبد الوهاب الساعدي، غير مسبوقة بالمرة. من الغريب والمفاجئ أن يُجمع العراقيون على حب شخص واحد ويشعلون مواقع التواصل الاجتماعي من أجله. رجل واحد تمكن من توحيد الموقف العراقي من شماله إلى جنوبه. رجل واحد لا حزب ينتمي له، ولا أتباع ينزلون الشارع ليهتفوا له. حبه لم يكن أجندة، ولم يكن مسيساً”.