"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

“نصر من الله” : كيف غيرت مسار الحرب على اليمن؟

العهد :

شارل ابي نادر :

لا شك أن عملية “نصر من الله” التي نفذتها وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية في نجران، ستكون مدار بحث ومتابعة حساسة ودقيقة، خلال المرحلتين الحالية والقادمة من الصراع المتعدد الأطراف والاتجاهات في المنطقة والعالم. وحيث تتعدد الصور والعناوين والتسميات التي يمكن أن تعطى لهذه العملية، بين عملية استدراج ميداني واسع أو فخ تكتيكي منظم أو كمين استراتيجي، والتي يمكن أن تدخل جميعها ضمن التسمية المناسبة، لا بد من الإضاءة على أهمية العملية لناحية ما قدمته، أولًا في إطار منظومة العلوم العسكرية ومدارس العمليات القتالية، وثانيًا لناحية ما قدمته لمعركة الدفاع عن اليمن بمواجهة تحالف العدوان، خلال حرب شعواء قاربت الخمس سنوات.

أولًا: لناحية العلوم العسكرية والعمليات القتالية

ربما لا يتجاوز خلال تاريخ الحروب العسكرية عدد العمليات المماثلة لعملية “نصر من الله” عدد أصابع اليد الواحدة، في دقتها وحساسيتها ونتائجها العملانية بالاضافة الى الجرأة التي ميزت منفذيها. فقد حصلت إحداها في سايغون خلال الحرب الأميركية على فيتنام، والأخرى في معركة ستالينغراد خلال الحرب العالمية الثانية بين الروس كمدافعين والالمان كمهاجمين، إضافة لما قد يشبهها من المعارك الغابرة التي خاضها نبوخذ نصَّر أو نابليون. ولكن تبقى عملية “نصر من الله” مميزة بين جميع تلك العمليات، لما تحضنه من كسر للمعادلات القتالية المعروفة: في تفوق أصحاب القدرات والأسلحة المتطورة، وفي إلزامية انتصار الجيوش المتحالفة مع بعضها بعضًا، لما يؤمنه أي تحالف عسكري لأعضائه من مميزات عسكرية في الامكانيات والخبرات ووسائل الدعم والمساندة، أو مميزات اعلامية واستراتيجية اقليمية ودولية.

هذه المعادلات كسرتها وحدات الجيش واللجان الشعبية في عملية “نصر من الله”، حيث استطاعت استدراج فرقة عسكرية من ثلاثة ألوية قتال مجهزة بأحدث الاسلحة والعتاد العسكري، إلى بقعة ميدانية واسعة ومترامية الأطراف، بعد أن جعلت هذه البقعة منطقة قتل، من خلال تقنيَتِها وحصرِها ضمن معابر ومحاور إلزامية، مُسيطَر عليها بالنار من نقاط حاكمة، ومن خلال إمساك وإقفال جهاتها الأربع، بعد فصل خلفيتها عن قواعد التجمع والانطلاق الرئيسية داخل العمق السعودي في نجران.

الميزة الأخرى التي حققتها مناورة الاستدراج الاستراتيجي، والتي لا تظهر بطريقة واضحة، تكمن في نجاح وحدات الجيش واللجان الشعبية عند تنفيذ الاطباق على الفرقة الهدف، بعزل الوحدات المعادية المحاصرة عن قوى المساندة والدعم الرئيسية، وهي القاذفات وطوافات القتال والصواريخ والمدفعية البعيدة المدى، والتي من المفترض ان تواكب انتقال وتقدم الوحدات المهاجمة التي وقعت في الكمين، فبدت الاخيرة وكانها تقاتل وحدها وغير قادرة على الاستفادة من أي دعم جوي أو مدفعي أو صاروخي.

الميزة الأخرى والتي كانت صادمة للوحدات المُحاصَرة، أن جميع هذه الوحدات أُجبِرَت على الاستسلام بعد أن فقدت قرار القتال والمواجهة، بالرغم من أن عديدها الضخم يتجاوز عدد الوحدات اليمنية التي نفذت عملية المحاصرة والإطباق، وهذا الأمر تحقق بفضل الدراسة الناجحة والدقيقة للجغرافيا ولحركة الارض التي امتدت عليها بقعة الكمين، وبفضل توزيع الوحدات المهاجمة بطريقة مناسبة وفعالة.

ثانيًا: لناحية ما قدمته لمعركة المواجهة الكبرى

تكمن حساسية وأهمية عملية “نصر من الله”، في أن الأبعاد المهمة التي حققتها لمصلحة معركة الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله، بمعزل عن الخسائر الضخمة التي سقطت للعدوان، سوف تظهر لاحقًا وتباعًا وهي :

في البعدين العسكري والميداني

– خسارة فرقة مؤلفة من ٣ ألوية قتال مؤلل، بما تحضنه من عديد يتجاوز الأربعة آلاف مقاتل مع كامل عتادها المتطور، وخروجها من المعركة بشكل كامل، يشكل ضربة قوية للوحدات المعتدية على اليمن، حيث صعوبة إعادة تعويض هذا العدد من المقاتلين مع عتادهم المدمر أو الذي حصلت عليه وحدات الجيش واللجان الشعبية، وذلك في المدى المنظور.

– لا شك أنه بعد عملية “نصر من الله” لن يكون بوسع الوحدات السعودية المعادية ومرتزقتها، تنفيذ أي عمل هجومي بعد الآن على جبهة نجران – الجوف- صعدة، والتي طالما كانت الجبهة الأعنف لناحية الحراك الأوسع والأكثر قساوة ونشاطًا في المواجهة الحدودية، والسبب يتعلق بصعوبة إعادة الحشد أولًا، ويتعلق ثانيًا بالمانع المعنوي الذي يدفع بعد الآن أي وحدات مُهاجمة للابتعاد عن محاور نجران ومديرية كتاف بالتحديد، والتي تبين أن اليمنيين بارعون في حفظ جغرافيتها والقتال والتأقلم مع حركة الأرض والميدان فيها.

في البعد الاستراتيجي

لم يمض أكثر من أربع وعشرين ساعة من الاعلان عن العملية ونشر تفاصيل التنفيذ وأسر العناصر السعودية مع مرتزقتها والمخدوعين من اليمنيين، والاستيلاء على العتاد، حتى بدأ يظهر التغيير في مواقف القادة السعوديين وخاصة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي اعترف بأن الحل الأنسب والأفضل في اليمن هو سياسي وليس عسكريًا، الأمر الذي لم يكن يأتي بتاتًا على ذكره سابقًا، وهذا الأمر طبعًا، حصل وسوف يتطور بالتأكيد، رغمًا عنه، بسبب مسار متكامل من العمليات الميدانية والاستراتيجية، ظهر فيها التماسك الواضح والثابت لوحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، حيث بدت عصية على أية هزيمة عسكرية، لا بل بالعكس من ذلك، جاءت عملية “نصر من الله”، بعد عملية أرامكو (في الاعلان عنها) وقبلها (في التنفيذ)، لتفتح الباب واسعًا أمام الامكانية الكبيرة لقيام الوحدات اليمنية بعملية هجومية أو أكثر داخل العمق السعودي، مع نسبة نجاح كبيرة ومضمونة كما يبدو.

من هنا يمكن القول إن عملية “نصر من الله” ستكون نقطة مفصلية في الحرب على اليمن، بما حققته عبرها وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية وأنصار الله من أهداف ونتائج عسكرية – ميدانية أو استراتيجية، وبما حققته من تغيير كامل في المعادلات المعروفة تاريخيًا في المعارك والحروب.