موقع السيد موسى الصدر : | ||
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى الأنبياء المرسلين، وسلام الله على أوليائهم وأصحابهم الطيبين. سيدي أبا الحسن، عذرًا ولا غرو إني جئت أعتذرُ وفيك تضطرب الآراء والفِكرُ ماذا أقول في ذكرى عليّ؟ يقول في حقه زميله وصديقه، الخليفة عمر بن الخطاب: لو أن البحر مداد، والرياض أقلام، والإنس كتّاب، والجن حسّاب، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن. وكان الخليفة أبو بكر ينظر كثيرًا في وجه عليّ، وحينما سُئل عن ذلك قال: سمعت رسول الله يقول: النظر إلى وجه عليّ عبادة. هذا الرجل، إذا أردنا أن نتكلم عنه، فسوف لا نتمكن إلا أن نغترف غرفة من بحار فضله. ولكن المناسبة، مناسبة ليلة الغدير، تخصص لنا حقلًا أحاول أن أوضحه، وأن أذكر إسناده وأن أفسّر معانيه بصورة موجزة. أما واقعة الغدير، فكانت حين رجوع النبي (صلوات الله وسلامه عليه) من حجة الوداع في أواسط السنة العاشرة من الهجرة، حينما وصل إلى غدير خمّ من الجحفة. والجحفة مكان يتشعب منه طرق الحجاج إلى مختلف الأقطار. في الجحفة كان الحجاج مجتمعين، وكان يوم الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجة، وكان مع النبي جموع من المسلمين حددها بعض أكابر المؤرخين بما يزيد على مئة ألف شخص، قام فيهم خطيبًا، وقال: الحمد لله نستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أيها الناس، إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت، ونصحت، وجاهدت، فجزاك الله خيرًا. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؛ وأن جنته حقّ وأن ناره حقّ، وأن الموت حقّ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: اللهم أشهد. ثم قال: فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر، كتاب الله، له طرف متصل إلى الله، وطرف بأيديكم فتمسكوا به، لا تضلون! والآخر الأصغر: عترتي. وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. فسألت ذلك لهما ربي. فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا. ثم أخذ بيد عليّ فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعين فقال: أيها الناس، من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم. فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ الإمام أحمد بن حنبل في “المسند” أربع مرات. ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وابغض من أبغضه وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيثما دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب. فنزلت قبل تفرقهم الآية الكريمة: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ [المائدة، 3]، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب. هذا هو نص الواقعة نقلتُها عن بعض الكتب المعتبرة ومنها كتاب “المسند” للإمام أحمد بن حنبل؛ أما سند الحديث فأستعرضه بصورة موجزة: ذكر واقعة الغدير من المؤرخين أربعة وعشرون شخصًا من كبار المؤرخين منهم: ابن قتيبة، والطبري، والبلاذري، وابن عساكر، وابن الأثير، وابن خلدون، وابن خلكَّان، والعسقلاني والسيوطي. ومن المحدثين ذكر الواقعة سبعة وعشرون شخصًا منهم: الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي، والحاكم، والعسقلاني، وصاحب كنز العمال. ومن أئمة المفسرين، ذكر الواقعة أحد عشر شخصًا منهم: الطبري، والثعلبي، والقرطبي، والفخر الرازي، والنيسابوري، والآلوسي والسيوطي. ومن أئمة المتكلمين، ذكر الواقعة أحد عشر شخصًا منهم: الباقلاني، والجرجاني، والبيضاوي، والتفتزاني والكوشي. ومن أئمة اللغة ذكر الواقعة: ابن دريد في الجمهرة، وابن الأثير في النهاية، والحموي في معجم البلدان وغيرهم. أما رواة الحديث من الأصحاب، كانوا 106 صحابيًا منهم: الخليفتان أبو بكر وعمر، ومنهم السيدتان عائشة وفاطمة، ومنهم الصحابي أبو هريرة. ومن التابعين نقل الواقعة 84 رجلًا، ومن علماء القرن الثاني 56، ومن علماء القرن الثالث 92، ومن علماء القرن الرابع 43، ومن علماء القرن الخامس 23، ومن علماء القرن السادس 20، ومن علماء القرن السابع 20، ومن علماء القرن الثامن 18، ومن علماء القرن التاسع 15، ومن علماء القرن العاشر 14، ومن علماء القرن الحادي عشر 11، ومن علماء القرن الثاني عشر 12، ومن علماء القرن الثالث عشر 11، ومن علماء القرن الرابع عشر ثمانية. منهم نقلوا الحديث بتفاصيله فلا مجال هناك للتشكيك في صحة السند. أما المؤلفون في هذا الحقل، فهناك 28 كاتبًا في هذا الحديث منهم: الطبري، والأنباري، والشيباني، والدارقطني، والكراجكي، والسيد حامد حسين الهندي، والسيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ الأميني المعاصر. أما المدّعون لتواتر الحديث فهم جماعة منهم الفخر الرازي. هذه خلاصة للأسناد التي تروي حديث الغدير، ذكرتها للإخوان وللتذكير. أما تفسير الغدير ومعنى الولاية التي أكد عليها رسول الله في هذا اليوم، فيتلخصان في بيان المقدمة. الدين، أيها الإخوان، يختلف عن التعليم. الدين ليس كالتعليم يعلمه النبي للشعب ولقومه. بل الدين عبارة عن تربية الناس، تغيير مفاهيمهم، تغيير إيمانهم، تغيير عقلياتهم، تغيير عاداتهم وتغيير أعمالهم. بعبارة مختصرة، الدين محاولة لصنع الإنسان من جديد، (فبركة) الإنسان. الإنسان الجاهلي كان يختلف، عن الإنسان الذي يريد النبي محمد أن يصنعه، في الأفكار، في العقائد، في الإيمان، في العادات وفي الأعمال. فلكي يتمكن من تغيير هذا الإنسان وصنعه من جديد، حاول أن يربيه. ولهذا نجد في حياة النبي وفي حياة كلّ نبيّ، أنه لا يحاول أن يحضر يومًا إلى المسجد، فيأخذ الكتاب ويقرأ للناس فيقول: هذا واجب، وهذا حرام، وهذا مستحب، وهذا يجوز وهذا لا يجوز. أبدًا! بالعكس هناك محاولة لتربية الناس. أذكر مثلًا، مسألة الخمر في الإسلام. الإسلام حرّم الخمر، ولكن لم يحرّمه دفعة واحدة وفي ساعة واحدة. وكان هذا ممكنًا -أن يعلن عن تحريمه ساعة واحدة-. ولكن الخمر كان عادةً في نفوس الناس؛ منعه يجعل خللًا في نفوس المعتادين. فلكي يتمكن الناس من تركه، هم بحاجة إلى توجيه وتربية. ولهذا، نجد أن الإسلام ما حرّم الخمر في أيام مكة، حتى هاجر النبي، وما حرّم الخمر في السنة الأولى والثانية. ما أباحه ولكن ما حرّمه حتى حدث حادث. خلاصة الحادث أن بعض كبار الصحابة كانوا مجتمعين في بيت عتبان بن مالك، هناك شربوا الخمر وسكروا وحصل بينهم نزاع واشتد النزاع. هذا النزاع الذي حصل كان بين كبار رؤساء القبائل، سرعان ما احتشد أنصار كل رئيس إلى شيخه، فحصل ما لا يبشر بالخير، وخافوا من وقوع الفتنة. وكيان الأمة في الإسلام لا يزال ضعيفًا، فحصل استياء شديد في نفوس الناس بالنسبة إلى هذه الواقعة، التي كادت تهدد بإعادة “الأوسية” و”الخزرجية” والمنازعات القبلية؛ كادت تهدد كيان الإسلام. ولهذا، حصل استياء شديد، والكلّ يعلم أن منشأ هذا النزاع السُّكر والخمر. استعدت النفوس لقبول حكم في هذا الحقل، فنزلت المرحلة الأولى من تحريم الخمر: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر﴾ [المائدة، 91]، ﴿فهل أنتم منتهون﴾ [المائدة، 91]. ورد عتاب من الله، ليس إلّا. فبدأ الناس يتساءلون عن الحكم. شهر وشهران وأكثر من ذلك، نزلت المرحلة الثانية: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾ [البقرة، 219]. بعد ذلك وقعت واقعة أخرى: أحد الصحابة كان سكران، فصلى بالناس جماعة -أَمَّهم- وكان يقرأ آية: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ [الكافرون، 1] السورة تقول: ﴿لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين﴾ [الكافرون، 2-6] فقرأ الإمام السكران: قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، إلى آخر السورة. أي بحذف كلمة (لا) في جميع الآيات. فحصل من جراء هذه الواقعة استياء شديد، فنزلت الآية الثالثة: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون﴾ [النساء، 43]، منعهم من شرب الخمر قبل أوقات الصلاة، خمس مرات في النهار، حتى صارت السنة السادسة فنزلت آية التحريم: ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾ [المائدة، 90]. وهكذا تجدون أن كلّ حكم في الإسلام، يبدأ بالتدريج، لأجل إقناع الناس وتربية النفس، وهذا الأسلوب ظاهر في دعوة النبي تمامًا. ولهذا، نزلت الآيات القرآنية خلال ثلاث وعشرين سنة بالتدريج. هذه المقدمة تثبت لنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، كان يحاول بأمر من الله أن يربي الناس (ويفبركهم)؛ أن يصلح معتقداتهم، وثقافتهم، وأخلاقهم وأعمالهم؛ لأجل ذلك يجب خلق مجتمع صالح، لأن الإنسان متأثر بمجتمعه. فلو كان المجتمع القبلي الجاهلي لا يتمكن من صنع الناس، فإن النبي حاول أن يخلق مجتمعًا صالحًا؛ ولأجل خلق مجتمع صالح حاول النبي أن يستلم الحكم، فأصبح حاكمًا في المدينة. والقرآن الكريم يعطي هذه السلطة للنبي الكريم بقوله: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ [الأحزاب، 6]. هذه السلطة هي غير سلطة الرسالة، سلطة الرسالة، سلطة تبليغ الأحكام. السلطة الثانية هي سلطة الولاية. يعني سلطة تربية الناس، وتنظيم الناس، وخلق مجتمع للناس وتأديب الناس حتى تكون إرادة الحاكم هي المسيطرة على إرادة الناس لا إرادة أنفسهم. الولاية بهذا المعنى فوضت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأجل تأديب الناس وصنع الناس من جديد. هذه السلطة مدتها تسع سنوات ونصف، ولا شك أن هذه المدة لا تكفي لتربية الناس تربية كاملة. لأن الإنسان -كما تعلمون- موجود معقد له مفاهيم، وعقائد، وزوايا في القلب، وعادات، وأفعال، وأخلاق وأعمال بحاجة إلى فترة واسعة لكي يتمكن من إصلاح شأنه. هنا يأتي معنى الولاية التي انتقلت من النبي إلى عليّ (عليه السلام): ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. يعني هو المرشد، وهو الذي يجب إطاعته، وهو الذي يأخذ مبادرة صنع المجتمع، وصنع الأفراد وإتمام بناء الأمة؛ هذا الدور الأساسي الذي فُوِّض الإمام به في يوم الغدير. هنا سؤال: لماذا سُلّمت سلطة الولاية إلى عليّ دون سواه؟ يجب أن نرجع إلى شخصية الإمام. أما حينما نريد أن نبحث في شخصية الإمام -هذا البحث الذي أريد وأحاول أن أختصره- نجد أن عليًّا هو الشخصية الإسلامية [الوحيدة] التي كانت تربية محمد وتلميذه. تعلمون أن في سنة من السنين حصل في مكة قحط وغلاء معيشة، وأبو طالب كان شيخًا جليلًا كريمًا، وكان ضعيف المادة والمال… جاءه أرحامه وإخوته، جاؤوا إليه، وأخذ كلّ واحد منهم ابنًا من أبنائه لكي يساعده على إدارة شؤون حياته. فالعباس مثلًا، أخذ طالب ابنه الكبير، والنبي محمد، قبل الإسلام، أخذ من أبي طالب ابنه الصغير، وهو عليّ، حينذاك كان عمر عليّ ست سنوات. دخل عليّ إلى بيت محمد وكان عمره ست سنوات، هذا قبل بعثة الرسول بسنتين. ست سنوات، كما تعلمون، إنه مبدأ التربية الأساسية للطفل. قبل ذلك، وضع النواة للتربية؛ دخل عليّ في هذا العمر، أول عمر التقاط التربية الصحيحة في بيت النبي. لا شك أن النبي محمدًا، قبل البعثة أيضًا، ما كان رجلًا عاديًا، ما كان رجلًا كسائر الرجال إلى ليلة البعثة، ودفعة واحدة أصبح نبيًا. حتمًا، قبل مرحلة النبوة، كانت تمر على النبي أيام وأوقات، وتفكير وعبادة ورياضة، كيف لا، وهو بعد لم يكن عمره خمسًا وعشرين سنة؛ كان يدخل غار حراء، ويعبد الله، ويفكر في وضع أمته، ويحاول تصفية نفسه، حتى بلغ صفاء نفسه القمة، فحينئذ نزل الوحي. فإذًا، قبل نزول الوحي أيضًا، كان بيت النبي بيت العبادة، بيت التفكير، بيت الرياضة الروحية. ولا شك أن هذه الألوان من العبادة تنعكس على البيت، وعليّ كان يعيش في هذا البيت. بُعث محمد نبيًا، وأسلم عليّ، وكان مع النبي ليلًا ونهارًا، في الحرب وفي السلم، في البيت وفي السفر، في السراء وفي الضراء. ولهذا، عاش مع النبي وكسب من النبي الكثير الكثير من التعاليم والعلوم، حتى بلغ مقامه درجة يقول فيه النبي: أنا مدينة العلم وعليّ بابها. هذا مقام عظيم، يُثبت تأثر الإمام بالنبي وأخذه بتعاليمه؛ شخصيته شخصية مشابهة لشخصية النبي. لا شك أن التلميذ الأمين الذي يحاول أن يُلزم نفسه -على حَدّ توصيفه- يقول: كنت من رسول الله كالفصيل من أمه، يحذو حذوه؛ كان يحاول أن يعيش مثل النبي، ويكون تلميـذًا صادقًا، أمينًا، بكل معنى الكلمة. وإذا لاحظنا حياة عليّ نجد فيها متشابهات كثيرة [من حياة الرسول]، -من باب المثل- حينما آخى النبي بين المهاجرين والأنصار، آخى بينه وبين عليّ -عمر الرسول 63 سنة-، في الحديث يقول الرسول: عليّ مني وأنا منه، وفي حديث آخر: أنا وعليّ من شجرة واحدة. في أفعالهما وأخلاقهما، تجد هذا التشابه بصورة واضحة، مثلًا: في حقل العدالة: تجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر يوم من حياته يأتي إلى المسجد، ويصعد المنبر ويقول: أيها الناس، من جلدتُ له ظهرًا فهذا ظهري، ومن أخذتُ منه مالًا فهذا مال، ولا يخافنّ أحدكم الشحناء فإنها ليست من شأني. قام رجل وقال: يا رسول الله، لي عليك حق. يوم أُحد كُنْتَ ماسكًا بخشبة وتصفّ الناس للحرب، فضربتني على بطني وأريد أن أنتقم منك. فقال: أدنُ يا رجل. فلما دنا منه قال له: يا رسول الله حينما ضربتني على بطني لم أكن ألبس قميصًا، بل كانت بطني عارية، فاكشف عن بطنك حتى أقتص منك، كما ضربتني على بطني. فكشف عن بطنه الرسول، ثم ألقى الرجل بنفسه على رجلَيْ الرسول يقبلهما ويعتذر، ويقول: يا رسول الله، كنت أحب أن أؤكد لمن يستمع ومن يشاهد أنك تقول وتعيش ما تقول. ليس هذا شكلًا ولا رياءً ولا تظاهرًا لأخذ الحقّ والمطالبة بالحقّ. هذه العدالة العجيبة التي نجدها في حياة الرسول، نسمع في كلمات عليّ مثلها. يقول عليّ: والله، لئن أبيت على حسك السعدان مسهدًا، وأُجرَّ في الأغلال مصفدًا، أحب إليّ من أن ألقى الله يوم القيامة ظالمًا لبعض حقوق العباد أو غاصبًا لشيء من الحطام. في الشجاعة: نجد الشبه الكبير بينه وبين رسول الله. هناك من يعرف أشياء كثيرة عن شجاعة عليّ، وإنه كان يقول: لا أبالي إن وقعت على الموت أم وقع الموت عليّ. ولكنهم يجب أن يسمعوا كلام الإمام حينما يقول: كنا إذا اشتد البأس وحميَ الوطيس نلوذ برسول الله. في الخُلُق والسخاء: نجد مقامه مقام النبي، والشبه الكافي بين حياتيهما واضح. في باب الشجاعة: سنقول قصة طريفة أذكرها لكم: حينما كان الإمام في واقعة صفين (طبعًا الحرب كانت بينه وبين معاوية) عليّ دعا معاوية للمبارزة قائلًا: اذهب للمبارزة حتى يستريح الناس، لماذا يقتل الناس بعضهم بعضًا، نحن نحارب ونتخاصم ونترك الناس، نبارز بعضنا البعض، ونترك الناس يرتاحون. حينما دعا عليّ معاوية للمبارزة، كان عمرو بن العاص موجودًا، فقال لمعاوية: يا معاوية، لقد أنصفك عليّ. فقال له معاوية: يا عمرو ما غششتني منذ نصحتني إلا هذا اليوم، أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق؟ أراك طمعت بإمارة الشام من بعدي. وحينما قَتَلَ عليّ عمرو بن عبد ودّ، جاءت أخته، فحينما عرفت بأن عليًّا هو قاتل عمرو ما بكت، وما أظهرت العجز والأسى، على أساس أن قاتل عمرو هو عليّ، وهذا لا عيب في أن يكون الشخص مقتولًا بيده من قبائل العرب. يومًا ما، كان معاوية يداعب عبد الله بن الزُبير، وهو من أشجع شجعان العرب، قال عبد الله بن الزبير لمعاوية: يا معاوية، ما الذي تنكره من شجاعتي؟ فقد وقفت في الصف إزاء عليّ. وهذا كان يعتبر أكبر مقام له. قال معاوية: يا عبد الله، لو وقفت لا جرم أنه قتلك وأباك بيسرى يديه، وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها. شجاعة عليّ لا تحتاج إلى البحث في هذا، كانت نسخة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم). أما السخاء، فنجد في حياته قصصًا كثيرة أذكر منها ما ورد في سورة هل أتى: ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا﴾ [الإنسان، 8]. يقول محقن بن أبي محقن الضبي، حينما جاء عند معاوية: جئتك من عند أبخل الناس. قال معاوية: ويحك! أتقول عن أبي الحسن إنه أبخل الناس؟ والله لو ملك بيتين، بيتًا من التبر وبيتًا من التبن لأنفـد تبره قبل تبنه. وهكذا نجد في أخلاق علّي شبهًا كبيرًا بأخلاق رسول الله؛ كان يعيش معه، ويأخذ تربيته، فأصبح تلميذًا طبق الأصل، ممثلًّا للدين الكامل إلى درجة عبَّر عنه القرآن الكريم بنفس النبي: ﴿وأنفسنا وأنفسكم﴾ [آل عمران، 61]، مفسرة باتفاق المفسرين في حقّ عليّ (عليه السلام). ولهذا، كلّف الإمام عليًّا على أن يكون وليًا ويربي ويحكم في الناس. وها أنا أذكر بعض كلماته الموجزة تثبت طريقته في الحكم وأسلوبه في تدريب الناس وتربيتهم. كان حاكمًا مؤمنًا بما يأمر، يقول المؤرخون في حقّه: أنه ما نهى الناس عن أمر إلا وقد انتهى قبله، وما طلب إليهم القيام بأمر إلا وسبقهم إليه. كان أول من يطبق القانون، كان يقول -ننتبه إلى الشعور بالمسؤولية، فمجرد أن يكون الشخص حاكمًا لا يكفي، الحاكم هو من يتحمل مسؤولية إدارة شعبه- فكان يقول: أأقنع من نفسي أن يقال أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر؟ أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش؟ فوالله ما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة همّها علفها أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها، وتلهو عما يراد بها. ويقول في كلام آخر: ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز. ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع. هذا النوع من المسؤوليات، التي يجدها الإنسان في حياة الإمام، ما يجعل الدهشة في النفوس والاطمئنان لسيرة الحكام. فالحاكم السخي هو الذي يكون أسوة لشعبه. الشخص الذي لا يأكل، لماذا لا يأكل؟ أليس الله خلق الطيبات للإنسان؟ نعم، خلق الطيبات للإنسان، لكن للإنسان العادي. الإنسان الحاكم هو الذي يعيش كأضعف محكوميه، كأضعف شعبه، ولهذا حينما كان حاكمًا، ما كان يقبل أن يشبع، ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع؛ هو يتحمل مسؤوليات شعبه، ولا يفرق بين شعبه، فيفلسف في المساواة بين أبناء شعبه، في رسالته المعروفة إلى واليه، يقول في وجوب رعاية الخلق، يقول: إن الخلق إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق. مهما كان الشعب، ومن أيّ فرقة، أو مذهب أو دين: نظير لك في الخلق… إنسان. والإنسان هو مقياس تكوين المجتمعات، ومبدأ خلق المجتمعات. القيمة في الشعب وفي المواطن بأن يكون إنسانًا، فإذا عقائده تخرجه عن الإنسانية، فليس له حقّ المواطنية. أما إذا كانت عقائد الإنسان لا تُخرِج الإنسان عن الإنسانية، فله حقّ المواطنية، لأنه نظير لك في الخلق. يقول في بعض كلماته: لا يقوم سلطان بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله. لا تتصوروا أن شخصًا يتمكن من أن ينتصر بسفك الدم ويتغلب على الناس. انتهى! سفك الدماء يومًا ما، في أول يوم، ثاني يوم، في مدة من الزمن يجعل القوة والهيبة في نفوس الناس، ولكن سفك الدم بالعكس يؤدي إلى زوال الحكم. أحد الباحثين ينظر إلى كلمة الإمام، يوم انتخابه خليفة للمسلمين، ثم ينظر إلى وصيته يوم وفاته وهو على فراش الموت، فيكتشف شيئًا عجيبًا. يجد أن فقرات وصية الإمام يوم وفاته، تنطبق تمامًا على خطبته أول يوم سلطانه وخلافته، نستفيد من هذا الكلام أن هذا الرجل يجد الكرسي سبيلًا للخدمة، وسيلة لأداء الواجب، ولهذا يوم خلافته ويوم وفاته سواء. يوم وفاته، يحمد الله على أدائه للرسالة، ويوم صعوده على الكرسي، يطلب من الله أن يساعده على أداء المهمة، وهو يقول بكلماته: أنه لو لم يكن في هذا إقامة حقّ أو إبطال باطل، لألقيت حبلها على غاربها. في تعليماته للحكم، ينهي وُلاتَه عن الاحتجاب عن الخلق، ويقول في كلمةٍ لهم: الاحتجاب عن الشعب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه. فَيصْغُر عندهم الكبير، وَيعظُم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحقّ في الباطل. وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس في أيّ من الأمور. وهكذا، يذكر أخطار التحجب، هذا المرض الفاشي في الحكام، والمرض الخطير عند الحكام وعند الناس العاديين، الحاكم يحتجب عن الخلق، فيجد أن الاحتجاب أسهل له في حكمه، ولكن ما هي نتائج احتجاب الحاكم عن الخلق؟ يشرحها الإمام بصورة واضح،. فحينما يحتجب عن الخلق تتوارى عن عينيه حقائق الأمور؛ يشعر الشعب بأن الرجل المحتجب عنهم يختلف عنهم، لأن التحجب يخلق جوًا من الهيبة والرهبة؛ وحينما لا يطلع على الأمور يتردد عليه المتملقون، فهناك من يمدحه ويقول: أنت حكمك صالح، والشعب في راحة، وليس في الشعب أي مشكلة. أما الناصح فيحاول أن يذكر للحاكم، المعايب الموجودة بين أبناء الشعب والمشاكل التي يعانيها أبناء الشعب. وجود المتملق، وتطمين المتملق للحاكم، وابتعاد الحاكم عن الناس يجعله يستصعب كلام الناصحين الناطقين ويرغب إلى كلام المتملقين الكاذبين، فيبعد عنه الناصحين المشفقين الذين ينتقدونه لأنه لا يتحمل النقد، ويقرب إلى نفسه المتملقين. كثرة الملق تُخيل إلى الحاكم أنه بالفعل رسول من الله، صاحب رسالة، عنصر خاص بين العناصر يمتاز عن جميع العناصر كُلّف لإنقاذ هذا الشعب. يحصل عنده هذا الغرور، فلا يتحمل النقد أبدًا. فيفوض الأمور إلى أصدقائه لأن ميزان الحقّ والباطل عنده هو مقياس حب الناس له، لا مقياس الأمور عنده ميزان كفاءاتهم في الأمور. فالذي يحبه هو يستلم الأمور، والذي لا يحبه هو يبتعد عن الأمور. وهكذا تنتقل المراكز من أيادي أصحاب الكفاءات إلى أيادي أصحاب الكلام المعسول والمتملقين للحكام، فينهار المجتمع. ومن ناحية ثانية، ابتعاد الناس عن الحاكم يخيل إليهم الصغير كبيرًا، والكبير صغيرًا، فيصبح الشعب في حيرة من الأمر. فإما يصبح يؤله الحاكم، فتضعف نفوس الشعب، ويبتعد عن النقد ويحاول إخفاء الحقيقة، وفي مثل هذه الحالة لا يتمكن الحاكم أن يحكم؛ أو يصبح يحقد على الحاكم، وحقد الشعب من أخطر الأشياء. نجده في حقل العدالة يقول: والله، لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، وأقودنّ الظالم بخزامته. ويقول: الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحقّ له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحقّ منه. هناك مبدأ، هو في الحقيقة مبدأ أساسي في قانون الجزاء، لا يزال إلى اليوم، نجده لأول مرة في كتابه وفي كلماته، يقول: لا آخذ على التهمة، ولا أعاقب على الظنّ. في كلام آخر يقول: أجْوَرُ الناس (بمعنى أكثر الناس جورًا) من عَدَّ جَوْرَه عدلًا. في كلام آخر يقول: شرُّ الناس من يُعين على المظلوم. حينما يريد أن يثير الناس حتى يساعدوا الحقّ، ولا يقفوا متفرجين أمام الظلم والظالم، يقول: الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، ويقول: الساكت عن الحقّ شيطان أخرس. في حقل العلم: يقول كلمة قيمة -أنا أستعرض هذه الألفاظ لأننا إذا أردنا أن نبحث في كلّ كلمة نأخذ وقتًا كبيرًا- هذه الكلمة، كلمة أساسية، يقول: العقل حفظ التجارب. الإخوان يعلمون أن اليوم مبدأ جميع العلوم التجربة، وتكرار التجربة، واتخاذ القانون من التجارب. القانون إدراك الكليات، باصطلاح المنطقيين، نسميه العقل، القوة العاقلة. هذا المبدأ اليوم مبدأ أساسي في تنمية العلوم. بالنسبة للحرية وحرية الشعوب له كلمة معروفة، يقول: لا تكن عبد غيرك، وقد جعلك الله حرًّا. ثم يفسر مفهوم الحرية -أحب أن أوضح هذه الجملة حتى تجدوا مدى سمو هذه الكلمات إذا تعمقنا فيها هناك كلمة معروفة، يقولون أن الحرية تنتهي عند حرية الآخرين. الإنسان حرّ، يتصرف كما يشاء، ولكن حريته محدودة بحرية الآخرين. حينما حريته بدأت تتعدى على حقوق الآخرين، فلا حرية هناك. هذا تفسير شايع متبع إلى يومنا هذا، مبدأ لجميع القوانين المدنية القائمة في العالم. لكن انظر إلى ذوق الإمام في تفسير الحريات، يقول: من ترك الشهوات كان حرًّا. يقصد أن الحرية لا حدّ لها أبدًا، في جملة من الكلمات: إن الحرية لا حدّ لها أبدًا. ولكن ما هي الحرية؟ الحرية ليست فقط التحرر من الآخرين، الحرية أيضًا تحرر من النفس الأمارة بالسوء. كما أني حرّ إذا تحررت من المستعمر، أو إذا تحررت من المستثمر الاقتصادي، أو إذا تحررت من سلطة غاصب أو ظالم، أيضًا أنا متحرر إذا تحررت من أهوائي وشهواتي. إذا لاحظت هذا المفهوم، تجد أنك تتمكن أن تقول إن الحرية لا حدّ لها. لكن، الحرية من جميع الأشياء، ليس فقط الحرية من الآخرين، لماذا؟ لأن الحرية التي تتجاوز حرية الآخرين، ليست حرية، إنها نوع من التعدي، والتعدي هو عبادة للنفس وللأنانية. فإذا تحررنا من الآخرين ومن النفس فقط، لا تتعارض حريتنا مع حرية الآخرين بحال من الأحوال. أما بالنسبة إلى العامل والعمل، فيكفينا أن ننتبه إلى هذه الجملة التي يقول: العبادة سبعون جزءًا، أفضلها العمل. يعطي للعمل لون العبادة، ولون القداسة، وقد ذكرت في بعض الليالي الماضية، تفاصيل عن هذه الفكرة. ومن أجمل ما ورد في كلام الإمام بالنسبة إلى الحكام وبالنسبة إلى غيرهم، احترام الرأي العام، إن الرأي العام له حرمة، فكرة حديثة من مبتكرات الحياة الديمقراطية الحديثة. ولكن، نجد في كلام الإمام اعترافًا بهذه الحقيقة، يقول في كلام له: إنما يعرف الصالحون بما يجري الله على ألسن عباده. في كلام ثانٍ يقول: قلوب الرعية خزائن راعيها، فما أودع من عدل أو جـور وجده فيها. في كلام ثالث يقول: اتقوا ظنون المؤمنين، فإن الله سبحانه أجرى الحقّ على ألسنتهم. والحقيقة، إذا أردنا أن نبحث في كيفية حكم الإمام وصلاحيته للولاية، يجب أن نراجع هذا العهد؛ له رسالة لمالك الأشتر حينما كان حاكمًا على مصر، رسالة مفصلة، يذكر الإمام في هذه الرسالة شؤون الحكم، وكيفية الحكم، وشرائط الحاكم، وكيفية عشرته مع الخواص، ومع العوام، ومع الجيش، ومع الوزراء، ومع الوزراء السابقين ومع الأغنياء. وفي هذه الرسالة كنوز من المعرفة، أتمنى على الإخوان أن يطلعوا عليها. طبعًا موجودة هذه الرسالة في نهج البلاغة، ومطبوعة طبعات خاصة أيضًا. خلاصة، أو غرفة من بحر فضائل عليّ (عليه السلام)، ذكرتها في هذه الليلة المباركة، أسأل الله أن يجعل هذا العيد مباركًا على الجميع. وأحبّ أن أذكر في ختام حديثي أن الولاية، أيها الإخوان والحب لعليّ، ليس معناهما أن يحب الإنسان فقط. يسأل أحدهم الإمام الصادق فيقول: سيدي، نحن نسمي بأسمائكم فهل ينفعنا ذلك؟. يقول الإمام له: نعم، وهل الدين إلا الحب! ثم يضيف هذه الآية الكريمة: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ [آل عمران، 31]. الحب المجرد وعدم المتابعة لا معنى له، عاطفة عابرة، موجودة بالنسبة إلى كل شيء وكل أمر. أما الحب الصحيح، أما الولاية، أما الاعتراف بالولاية يعني الاعتراف بأولويته على أنفسنا. هكذا… اتفقنا؟ النبي يقول: ألست أولى بكم من أنفسكم. قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. فإذًا، الموالي لعليّ هو الذي يفضل إرادة عليّ على إرادته فإذا أراد شيئًا، وأراد عليّ شيئًا ثانيًا، يفضل إرادة عليّ على إرادته. وبهذا المعنى، نحن يجب أن نشعر حينما نقف أمام حلال أو حرام، صحيح أو باطل، حقّ أو ظلم يجب أن نشعر بولايتنا، وإلّا عليّ الذي يقول والذي سمعناه يقول: أنه لو أعطي الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن يظلم نملة يسلبها جلب شعيرة، لما فعل. كيف يمكن أن يقول الإنسان إني موالٍ للإمام -هذا الإمام- وهو لا يحترم حقوق الناس؟ كيف لإنسان أن يدعي أنه موالٍ للإمام، ويرى الإمام راجعًا من واقعة صفين وهو يمشي في السوق، فيجد امرأة تحمل قربة، وتقول: الله بيني وبين أبي الحسن، وهو خليفة المسلمين، فيقف عندها قائـلًا لها: يا أمة الله، ما لك وأبي الحسن؟ فتقول: إن زوجي كان في الحرب، وقد قُتِل وترك لي أولادًا صغارًا، لا عائل لهم. فيحمل الإمام القربة على كتفه، ويمشي معها، وحينما يجد في الطريق بعض أصحابه يحاول أخذ القربة منه يمتنع، ويقول الإمام مشيرًا إليهم اتركوني معها. ثم يذهب مع المرأة إلى البيت فيجد أيتامًا، فيترك القربة، ويذهب يشتري طعامًا وأدامًا، ويرجع إلى البيت. فتكلفه المرأة بأن يلاعب الأولاد، وأن يضرم النار لخبز الخبز بينما المرأة تعجن. وحينما يضرم النار، يأخذ وجهه أمام النار ويقول: ذق يا أبا الحسن، ذق يا أبا الحسن، هذا جزاء من ضيع الأيتام. هذا النوع من الفكرة، هذا النوع من الشعور بالمسؤولية، لا شك أن الإنسان إذا كان حاكمًا على أمة، مسؤوليته تدور حول هذه الدائرة الواسعة ولهذا يقول: ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص. لكن إذا كان الإنسان مسؤولًا عن دائرة صغيرة، وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، لا يحقّ له أن يتجاهل هذه المسؤولية… ما آمن بالله وباليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع. انتبهوا إلى الارتباط: ما آمن بالله واليوم الآخر، يعني ينكر الإيمان للشخص الذي لا يشعر بألم جاره، بجوع جاره. من بات شبعان وجاره جائع؛ الشخص الذي لا يشعر بهذا الشعور ينكر إيمانه لأنه غير مؤمن، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر. المسؤولية يجب أداؤها. إخواني، كيف يمكن للإنسان الذي يجد عليًّا يقول: الساكت عن الحقّ شيطان أخرس، ويسكت عن الحقّ ولا ينصر الحقّ حتى بلسانه أو بقلبه وهذا أضعف الإيمان كما ورد في الأحاديث. فالولاية يعني الاعتراف بأولوية إرادته عن إرادتنا يعني السلوك معه والانسجام معه. تأييدًا لرسالته، لدينه. فنرجو من الله أن يبارك لنا هذه الأيام، وأن يجعلنا ممن ينصر عليًّا في رسالته، في دينه، لا أن نحبه ونجعل من حبه سببًا للتفرقة والابتعاد، فهذا ليس حبًا لأنه إيذاء للمحبوب. وفقكم الله جميعًا. والسلام عليكم. |
||
|