عربي بوست :
ولكن تزايُد الاستبداد الرقمي العربي لم يتحقق دون مساعدة خارجية، حسبما خلص تقرير كتبه صامويل وودهامز، الكاتب والباحث في مجموعة الخصوصية الرقمية Top10VPN، ونشره في موقع Lobe Log الأمريكي.
درك جديد للإدارة الأمريكية.. خاشقجي نموذجاً
يقول الكاتب: زعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ أشهر، أنَّ «أحداً لم يوجِّه إصبع الاتهام مباشرة» إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بشأن اغتيال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي، رغم الأدلة الواضحة التي تُثبت العكس.
وحين سأله الصحفيون عن النتائج التي قدَّمتها وكالة المخابرات المركزية والأمم المتحدة، بأن محمد بن سلمان هو، على أغلب الظن، من أعطى الإذن المباشر بالقتل خارج نطاق القضاء، تهرَّب ترامب من السؤال وأعاد التأكيد على قوة علاقته بولي العهد قائلاً: «إنني متفاهم مع محمد» .
التجاهل الصارخ للانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان من جانب رئيس أمريكي ليس جديداً بأي حال، خاصة عندما يرتكبها أحد حلفائه. ولكن يبدو أن هذه السياسة تهبط إلى دركات جديدة في عهد ترامب، الذي ساند الأنظمة غير الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عبر دعمه القادة الاستبداديين علناً، والاستمرار في تزويدهم بالموارد العسكرية الحيوية.
وفي سياق الحديث عن الفترة الحالية التي تنتكس فيها الديمقراطية على مستوى العالم، قال لاري دياموند، وهو باحث في جامعة ستانفورد، إن «تراجع الديمقراطية لن يتوقَّف إلا إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاضطلاع بدور الترويج للديمقراطية» .
كيف ساعدت التكنولوجيا على توحُّش الاستبداد الرقمي العربي؟
أحد الجوانب المهمة لهذه العملية، وإن أُغفل في كثير من الأحيان، هو كيف ساعد انتشار تكنولوجيا المراقبة والرقابة في دعم الأنظمة الاستبدادية، وتزويدها بالقدرة على تضييق الخناق على المعارضة، من خلال مراقبة مواطنيها على الإنترنت، والتحكم في المعلومات التي تتوفر لهم، وتتبُّع المعارضين في مختلف أنحاء العالم.
في التقرير المكون من 100 صفحة حول مقتل خاشقجي، الذي نشرته الأمم المتحدة، على سبيل المثال، زُعم أنَّ «السلطات السعودية تمكَّنت من المرور إلى اتصالات خاشقجي مع رفيقه السعودي المعارض عبدالعزيز، عن طريق إرسال برنامج التجسس بيغاسوس إلى هاتف عبدالعزيز»، ولكن السعودية تنفي هذه المزاعم.
إنهم يلجأون لمثل هذه الشركات الإسرائيلية سيئة السمعة
يُعتقد أن شركة NSO الإسرائيلية سيئة السمعة هي مَن صنعت هذا البرنامج، وهي شركة تقنية اكتُشف أنها تبيع تكنولوجيا المراقبة التي تنتهك الخصوصية لمجموعة من الجهات الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وكانت هذه الشركة، حتى وقت سابق من هذا العام، مملوكةً لشركة الأسهم الخاصة الأمريكية Francisco Partners.
لحماية الديمقراطية العالمية وتعزيزها وحماية الحريات الفردية في المنطقة، من الأهمية بمكان أن تدين الحكومة الأمريكية بأشد العبارات الممكنة انتهاكات حقوق الإنسان الرقمية هذه.
واستخدام تكنولوجيا المراقبة، الإسرائيلية الصنع، ليس سوى بند واحد في قائمة طويلة من انتهاكات الحقوق الرقمية التي وقعت في السعودية خلال السنوات الأخيرة.
ففي أحدث تقرير لمنظمة Freedom House، الذي يحمل عنوان Freedom on the Net، أشاروا إلى أن: «حرية الإنترنت في المملكة العربية السعودية تراجعت عام 2018، وسط تصاعُد عدم التسامح مع جميع أشكال المعارضة السياسية والاجتماعية والدينية» .
والمفاجأة في حجم المستخدمين السعوديين الذي يُخفون هوياتهم
وكان ردّ الفعل بديهياً، حسب كاتب التقرير.
إذ يستخدم 54% من الأشخاص الآن برامج VPN، أو خدمات مشابهة في السعودية، في محاولة لإخفاء استخدامهم للإنترنت، والالتفاف على الحظر الهائل للمحتوى، وفقاً لتقرير صادر عن جامعة نورثويسترن في قطر.
وبالمثل، في مصر -حيث لا تزال المساعدات الأمنية الأمريكية تبلغ 1.3 مليار دولار في السنة- شُنت حملة قمعية على جميع الساحات المحتملة التي تلجأ إليها المعارضة، بما فيها الإنترنت.
وتجدر الإشارة إلى أن دونالد ترامب، وصف الرئيس المصري المستبد عبدالفتاح السيسي بـ «الرجل العظيم»، رغم أنه مسؤول عن حبس حوالي 60 ألف سجين سياسي، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
ووقعت أيضاً مجموعة من الاعتقالات بسبب ما نشره بعض المواطنين على الإنترنت، وفقاً لعادل إسكندر، وهناك حالات لأفراد اعتُقلوا لمشاركتهم صورة للرئيس وهو يحمل أذني ميكي ماوس.
وفي الوقت الذي يزداد فيه تطلُّع الحكومات في المنطقة إلى فرض سيطرتها من خلال قمع حرية التعبير على الإنترنت، تتراجع الحريات الديمقراطية الأساسية. ومع ذلك، لم يكن قمع المعارضة الداخلية مستلهماً من قمع المعارضة الداخلية فحسب، وإنما أصبحت الصراعات الإقليمية تؤثر أيضاً على التحكم في المحتوى بصورة متزايدة.
كيف يؤدي الاستبداد الرقمي العربي لتأجيج الصراعات؟
ومثلما توصَّل حلمي نورمان من مركز بيركمان كلاين للأبحاث: «يمنع مراقبو الدولة الوصول إلى وجهات النظر والتقارير حول النزاعات الثنائية والإقليمية، التي تتعارض أو تتناقض مع خطاباتهم، مما يوضح محدودية تسامحهم مع النقاش، أو الأخبار التي لا تتماشى مع وجهة نظر الدولة» .
وقد يؤدي منع انتشار الآراء البديلة إلى إطالة أمد الصراعات في المنطقة وزيادة حِدتها، إذ إن المواطنين لا يستطيعون الاطِّلاع على مجموعة متنوعة من وجهات النظر.
والشركات الأمريكية تساعد الأنظمة العربية في مراقبة مواطنيها
ولم يقتصر الأمر على صمت ترامب عن هذه المشكلة، بل هناك أيضاً أدلة متزايدة على أن الشركات الأمريكية عملت مباشرة مع منتجي التكنولوجيا الاستبدادية.
فوفقاً لتقرير استقصائي أجراه موقع The Intercept مؤخراً، عملت شركة IBM، والشركة المصنّعة للشرائح الإلكترونية الدقيقة Xilinx مع شركة Semptian، وهي شركة صينية معروفة بإنتاج تكنولوجيا مراقبة تُستخدم في جميع أنحاء المنطقة.
مع تزايُد التوترات بسبب الغموض المحيط ببيع تكنولوجيا المراقبة، قدَّم ديفيد كاي، المقرِّر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحرية التعبير، توصيات إلى الأمم المتحدة بشأن منع مؤقت لبيع برامج التجسس على مستوى العالم.
وكتب في بيانه: «مراقبة أفراد بعينهم -غالباً الصحفيين والنشطاء وشخصيات المعارضة والنقاد وغيرهم ممن يمارسون حقهم في حرية التعبير- ثبت أنها تؤدي إلى الاحتجاز التعسُّفي، وأحياناً إلى التعذيب، وربما إلى عمليات القتل خارج نطاق القضاء» .
وإلى جانب المنع المؤقت، يتعيَّن على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تشرع أيضاً في إدانة استخدام هذه التكنولوجيا القمعية علناً.
ومثلما قالت هيلاري ماتفيس وجيفري سميث: «القادة الذين لا يبالون كثيراً بمحاسبة مواطنيهم لهم، لا يرون أن إدارة ترامب تتقبل غرائزهم المدمرة فحسب، بل تدعمها أيضاً» .
الانتهاكات المروعة ستتنامى
من الضروري إذن، لحماية الديمقراطية العالمية وحقوق الإنسان الدولية، أن تأخذ الإدارة الأمريكية في اعتبارها انتهاكات الحقوق الرقمية، والطريقة التي يستخدم بها حلفاؤها هذه التكنولوجيا الجديدة ويشاركونها ويبيعونها. وإذا لم يتحقق هذا، فقد تستمر انتهاكات حقوق الإنسان المروعة في التنامي.
يقول كاتب التقرير: في النهاية، يجدر بنا تذكُّر بعض الكلمات الأخيرة التي نشرهاجمال خاشقجي:
«اعتقد الصحفيون في وقت ما أن الإنترنت سيُحرر المعلومات من الرقابة والسيطرة المرتبطتين بالإعلام المطبوع. لكن هذه الحكومات، التي يعتمد بقاؤها الفعلي على التحكم في المعلومات، حظرت الإنترنت بطريقة استبدادية» .
لكن احتمال أن يكون الإنترنت قوة محرِّرة لا يزال قائماً، ولكن ذلك يتطلب، كحدٍّ أدنى، انتقاد الدول علناً حين تنتهك الحقوق الرقمية الأساسية.