"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

التاريخ يعيد نفسه.. هل يبيع كوشنر فلسطين على طريقة “لورنس العرب”؟

رغم اختلاف الزمان والشخوص لكن الأحوال متشابهة تماماً اليوم

بأموال عربية وخليجية اشترى جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عباءة وغترة ساعدتاه على التغول في منطقة الشرق الأوسط، وبعض دول الخليج تحديداً، فتمكن من خداعهم راضين غير مكرهين.

كوشنر، فتى ترامب المدلل، برز اسمه مع وصول الرئيس الأمريكي الحالي إلى البيت الأبيض، بداية العام 2017، فكانت قدم جاريد تسبق خطوات دونالد في كل مشروع يهدف إلى التغلغل في الواقع العربي.

وفي زيارة قلبت المنطقة رأساً على عقب، في مايو 2017، كان كوشنر يرافق ترامب في أولى زياراته إلى الشرق الأوسط، والتي بدأت بالسعودية، ليتبين لاحقاً المغزى من اختيار الرياض قبلة للرئيس الأمريكي الجديد آنذاك.

هذه الزيارة كانت مقدمة جولات مكوكية قادها مستشار ترامب؛ في محاولة منه لرسم “شرق أوسط جديد”، مستغلاً بذلك حالة التشقق التي يعيشها المجتمع العربي، وعازفاً على وتر استغلال حاجة دول خليجية إلى الحماية من إيران.

القبول الرسمي العربي الذى حظيت به “الأفعى الأمريكية” أعاد إلى الأذهان صورة ضابط المخابرات البريطاني، العقيد توماس إدوارد، الشهير بـ”لورانس العرب” (16 أغسطس 1888 – 19 مايو 1935).

من هو “لورانس العرب”؟

العقيد توماس عمل جاسوساً لصالح جيش بريطانيا، بهدف تأليب القبائل العربية ضد الدولة العثمانية ودفعها للتمرد وقطع خطوط إمداد الجيش العثماني وشغله أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918).

وبحسب المراجع التاريخية، فإن لورانس نجح في إشعال ما عُرف بالثورة العربية عام 1916، وما إن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى تقاسمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربي الذي كان جزءاً من الدولة العثمانية.

كان لورانس على علم كبير بالمنطقة العربية، وذلك لمشاركته في البعثات الأثرية، وكان يجيد لغة الضاد، وهو ما دفع بريطانيا للاستعانة به من أجل إشعال فتيل الحرب بين العرب والدولة العثمانية، ولإيهامهم بتكوين الوحدة العربية.

وقبيل الحرب العالمية الأولى استدعى جليبرت كلايتون، لورانس، وعيّنه في قسم الخرائط، وعندما ظهرت براعته وعبقريته أمر بنقله إلى قسم المخابرات السرية، وبعدها إلى جزيرة العرب ليجمع معلومات حول تحرك الشريف حسين ضد الأتراك.

وهناك التقى الجاسوس البريطاني بالأمير عبد الله، الابن الثاني للشريف حسين، وكان يبحث عن شخصية القائد للثورة التي يمكن أن تساندها بريطانيا، ولقد وجد ضالته في الأمير فيصل (ابن الشريف حسين).

وآنذاك قررت القيادة البريطانية إعادة لورانس للجزيرة العربية ليقدم الدعم للأمير فيصل، ويعمل مستشاراً له في اتخاذ القرارات الهامة، وفعلاً ساندته بريطانيا ضد الدولة العثمانية بالعتاد والسلاح والتدريب.

كوشنر ولورانس.. أفاعٍ متغلغلة

على مدى سنوات مضت، ومن خلال أعمال فنية وسينمائية، صُوّر لورانس كنموذج لاستقطاب الزعماء وشيوخ القبائل العربية للانضمام للثورة العربية، وبالفعل نجح في ذلك.

وتودد للعرب وارتدى زيهم وتحدث بلغتهم، وقد نجح في خداعهم واستخدامهم لتفكيك الإمبراطورية العثمانية، وهو ما ترجمته الأحداث التي تلت اتفاقية “سايكس بيكو”، التي قسمت الدول العربية بين بريطانيا وفرنسا وتبعها احتلال فلسطين.

وحين توفي لورانس عن عمر ناهز 46 عاماً (16 أغسطس 1888 – 19 مايو 1935)، قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وينستون تشرشل، عن رحيله: “فقدنا أحد أعظم الأشخاص في زماننا”، في إشارة إلى ما حققه من شرخ بين العرب.

ورغم اختلاف الزمان والشخوص فإن الحال مشابه تماماً لما تشهده المنطقة العربية حالياً؛ في محاولة لإضافة صفة الطبيعية للعلاقات مع “إسرائيل”، التي تواصل احتلال فلسطين منذ 1948، وانتهاك حقوق أهلها.

كوشنر، خلال أقل من عامين، أصبح مُرحباً به بين قادة دول عربية وخليجية، أبرزها السعودية والإمارات ومصر، وهي المحاور التي من خلالها يسعى صهر ترامب إلى تنفيذ خطته الرامية إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

“عراب صفقة القرن” هو لقب فاز به كوشنر بعد سلسلة الزيارات المكوكية التي أجراها إلى الدول الثلاث المذكورة، وتُرجم بشكل فعلي عندما ترأس الورشة الاقتصادية التي عقدت في البحرين، يومي 25 و26 يونيو الجاري.

تلك الورشة قال خبراء إنها أولى الخطوات الفعلية لـ”صفقة القرن”، التي تحاول إدارة ترامب تنفيذها بمساعدة السعودية؛ لـ”تحقيق السلام” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن على حساب الآخرين.

هل ينجح كوشنر كما لورانس؟

في أعقاب ورشة البحرين التي شكلت الشق الاقتصادي مما يسمى “صفقة القرن”، انتقد زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، وليد جنبلاط، في 26 يونيو، موقف الزعماء العرب المجتمعين في المنامة.

وتساءل جنبلاط، في تغريدة نشرها على موقع “تويتر”، ما إن كان العرب المجتمعون حالياً في المنامة سيفعلون ما رفضه العثمانيون قبل أكثر من قرن، في إشارة إلى ما وصفها بعملية “بيع فلسطين”.

جنبلاط أضاف: “في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876 – 1909) طلب تيودور هرتزل (زعيم الحركة الصهيونية العالمية/1860 – 1904) شراء فلسطين لنقل يهود العالم إليها، فرفض السلطان”.

واستطرد زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني: “اليوم في البحرين سيطلب حفيد تيودور هرتزل الصهر (جاريد) كوشنر من العرب بيع فلسطين (..) فهل سيفعل العرب ما رفضه العثمانيون؟”.

وأصدر عبد الحميد الثاني، في 28 يونيو 1890، إرادة سلطانية (مرسوم سلطاني) بعدم قبول الصهاينة في الممالك الشاهانية (الأراضي العثمانية)، وإعادتهم إلى الأماكن التي جاؤوا منها، بحسب ما ذكرت صحيفة “يني شفق” التركية.

وحسب المرسوم منع السلطان بيع الأراضي العثمانية -خاصة الفلسطينية- لليهود، كما جهز وحدة شرطة خاصة لتطبيق هذه الأوامر، وخصص أوقاتاً محددة وقصيرة لليهود الراغبين في زيارة فلسطين.

وآنذاك اعتبر هرتزل أن عبد الحميد يمثل عائقاً كبيراً أمام أهدافه في فلسطين، فقرر التحرك دبلوماسياً لإقناع السلطان بكل الوسائل بمنح اليهود وطناً في فلسطين، وهو ما استهجنه ورفضه السلطان.