Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

“يالطا العربية الجديدة ” : د عبد الحميد فجر سلوم يوضح الدور الروسي و الأمريكي في إشراك إسرائيل بمؤتمرات تحديد مستقبل سوريا وفلسطين وإيران والمنطقة 

رأي اليوم :

ثلاثة تطورات خطيرة شهدتها منطقتنا في أسبوع .. فهل نحنُ أمام يالطا جديدة ؟..

وماذا يعني التأكيد الروسي على امن اسرائيل؟

بقلم :

د. عبد الحميد فجر سلوم :  

تطورات خطيرة تجري في منطقتنا، وتسير كلها بالتوازي مع بعض وتتداخل مع بعض وكأنها على مِنوال حِياكة تتشابك خيوطه..

وقد سبق كل ذلك اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل،ونَقْلِ السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية الدائمة على الجولان السوري المُحتل، خرقا لكافة قرارات الأمم المتحدة..

المنطقة اليوم تبدو وكأنها أمام وضع لمسات أخيرة حول ثلاث مسائل هامة وخطيرة :

أولا: المسألة السورية :

 حيث كان المؤتمر الأمني الثلاثي يوم 25 حزيران 2019  بين مستشاري الأمن في روسيا وأمريكا وإسرائيل، بين(الروسي نيكولاي باتريشوف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، والأمريكي جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي، والإسرائيلي مئير بن شبات رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي) .. وأول بند في جدول الأعمال بالمؤتمر كان حول سورية، إضافة إلى بنود أخرى..

خطورة هذا الاجتماع تكمن في عدة أمور:

1 ــ انعقاده في إسرائيل ذاتها وليس في مكان آخر.. وهذا ما اعتبرهُ نتنياهو انتصارا لدولته..

2 ــ انعقاده في القدس المحتلة، وليس في تل أبيب، وموافقة روسيا على ذلك.. وكأن روسيا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل .

3 ــ ترأُّسْ رئيس الوزراء نتنياهو شخصيا لهذا المؤتمر..

4 ــ عدم صدور أي بيان يوضح ما تمّ الاتفاق عليه وإبقاء ذلك سريا.. والاكتفاء بتصريحات إعلامية عامّة حول إيجابية المؤتمر، والتوصُّل إلى اتفاقيات بين الأطراف المُجتمِعة، دون الإفصاح عن ماهية تلك الاتفاقات ومحتواها ومضمونها، والتي ستُناقَش أيضا بين الرئيسين ترامب وبوتين في قمة العشرين في أوساكا في اليابان في 28 حزيران 2019 ..

5 ــ  اعتراف روسيا رسميا بدور إسرائيل في المشاركة، إلى جانب روسيا وأمريكا، بتقرير مستقبل سورية من خلال هذا الاجتماع .. لن نتحدث عن الاعتراف الأمريكي بدور إسرائيل في سورية، فهذا تحصيل حاصل ..

تحدث سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتريشوف خلال المؤتمر عن الرّبط بين أمنْ إسرائيل وأمن سورية، وهذا حديث غير مفهوم.. فهل هو يريد أن تحمي سورية الاحتلال الإسرائيلي للجولان مقابل أن يتحقق الأمن والاستقرار في سورية، أم غير ذلك؟.

هذا الأمر بحاجة إلى توضيح مُفصّل ..

تأكيد باتريشوف على حرص بلاده على أمن إسرائيل خلال المؤتمر ليس بجديد، فهذا سبق وأكد عليه مسؤولون روس آخرون بالماضي مرات عديدة، مُشدِّدين على أن إسرائيل صديقة وأمنها خط أحمر بالنسبة لروسيا، وهذا ما أكّده نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في مقابلته مع الـ CNN  في 24 كانون ثاني 2019 حينما قال أن أمن إسرائيل هو أحد أولويات موسكو في المنطقة ..

وسبقهُ سفير روسيا في إسرائيل  أنتوني فيكتوروف حينما صرّح في 31 تموز 2018 خلال مقابلة مع القناة العاشرة الإسرائيلية أن أمن وأمان إسرائيل هو أولية بالنسبة لروسيا ..وأضاف أن ” أمن دولة إسرائيل ليس شعاراً مفرغاً من المضمون بالنسبة إلى السياسة الخارجية الروسية وأن أولوية روسيا هي في العمل على حفظ أمن إسرائيل”.

وأوضح السفير الروسي أن بلاده ستساعد إسرائيل قدر ما تستطيع ..

بل ذهب نائب السفير الروسي في إسرائيل ليونيد فرولوف إلى أبعد من ذلك حينما صرّح في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية (تايمز أوف إسرايل Times Of Israel) في 15 شباط 2018 قائلا: (في حال الاعتداء على إسرائيل لن تقف الولايات المتحدة وحدها إلى جانب إسرائيل بل روسيا أيضا ستكون إلى جانب إسرائيل).. وأضاف : (العديد من مواطنينا يسكنون في إسرائيل، وإسرائيل عامّة هي دولة صديقة، ولهذا لن نسمح بأي عداء ضدها( ..

التصريحات الروسية المتكررة إزاء الالتزام الكامل بأمن إسرائيل، وأنها دولة صديقة، هو إحباط كبير لكل محور المقاومة وجمهور المقاومة الذي يعتقد أن الموقف الروسي(من روسيا الصديقة) يجب أن يكون أقرب له وليس مُتحيِّزا بهذا الشكل السافر لإسرائيل المعتدية والمُحتلّة للأراضي العربية.. إذ أن هذا المحور لا يمكنه أن يتحدّى سياسات موسكو واستراتيجيتها ويقوم بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، وهكذا تبقى كل الشعارات خطابية وإعلامية ما لم تقترن بالعمل العسكري المُقاوِم لاسترجاع الأراضي المحتلة، سواء فلسطينية أم سورية أم لبنانية.. وحينما تُشغِل روسيا هذا الدور الكبير في سورية وتبني القواعد العسكرية الجوية والبحرية والبرية، وتحصل على استثمارات وامتيازات اقتصادية هائلة، فحينها غير مقبول منها أن تتغنّى بالصداقة مع إسرائيل وتؤكد كل يوم على حرصها على أمن إسرائيل بينما إسرائيل تحتل الجولان السوري..

إن علاقة روسيا بسورية ودورها الاستراتيجي بسورية يفرض على روسيا أن تطالب إسرائيل بإعادة الجولان، كما تطالب بها سورية.. ومن هنا يمكننا القول أن الموقف الروسي بالصداقة لإسرائيل وإيران وسورية بآنٍ معا، هو نفاق سياسي واضح.. وأعتقد أن القيادة السورية تدرك ذلك، والقيادة الإيرانية تدرك ذلك، ولكن تبقى السياسة هي ” فن الممكن” وليس بالإمكان أحسن مما كان..

يحرص الروس على أمن إسرائيل ويتحدثون بذات الوقت عن حرصهم على أمن سورية الذي تنتهكه إسرائيل متى ما شاءت، ولا يكترثون لِقرار إسرائيل بإعلانها السيادة الأبدية على الجولان ، وهذا بِحدِّ ذاته أكبر تهديد للأمن القومي السوري ولِوحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، التي ينشدها كل الشعب السوري بعد استرجاع الجولان الذي نشعر اليوم بكل أسى أنه ليس قريبا..

نعم الجولان أرض سورية منذ فجر التاريخ، ولكن هل يكفي أن نردد ذلك كل يوم وهي مُحتلّة وليس بمقدورنا استرجاعها؟. اسكندرون أيضا سورية منذ فجر التاريخ، وكم ردّدنا بأنها سورية، ولكن ما الفائدة إن كانت مُحتلّة وليس بمقدورنا استرجاعها؟. بل المُحزِن أنه في وقتٍ من الأوقات تمّت إزالة خريطة اسكندرون بالكامل عن الخريطة السورية أيام السمن والعسل مع تركيا.. وبعد العداء مع تركيا أُعيدَت خارطة اسكندرون للخارطة السورية، وعاد كبار المسؤولين يرددون بأنهم سوف يستعيدون اسكندرون، ولكن لم يشرح أحدا كيف سيتم ذلك؟. هل بالشعارات فقط أم هناك استراتيجية لأجل ذلك، أم لكل حادث حديث، أم كل شي في وقته حلو.. أم في الزمان المناسب ، أم ، أم .. أم كيف؟.

ثانيا : القضية الفلسطينية :

تزامُنا مع المؤتمر الأمني السالف ذكره في إسرائيل حول سورية، كان المؤتمر الثاني في الدوحة يومي 25 و 26 حزيران 2019 لتصفية قضية فلسطين واختزالها ببعض المشاريع الاقتصادية وكأن المشكلة هي بين رجال أعمال وليست قضية شعب وأرض وتقرير مصير..

وهذا المؤتمر نظّمته الولايات المتحدة بحضور ممثلي 39 دولة، وافتتحهُ صهر الرئيس ترامب، جيرار كوشنر، وأعلن خلال كلمته صراحة أنه لن يناقش القضايا السياسية(وهذه لُب المشكلة والقضية الفلسطينية) وأن صفقة القرن لن تلتزم بمبادرة الجامعة العربية عام 2002 ..

أي المطلوب هو استسلام العرب بالكامل للشروط الأمريكية والإسرائيلية، ومعادلة الأرض مقابل السلام انتهت، والمعادلة الجديدة هي السلام مقابل السلام، أو السلام مقابل الازدهار كما هو شعار مؤتمر الدوحة.. بل ستُصبِح المعادلة القادمة، التي تتوضح خيوطها اليوم، هي السلام والتطبيع الكامل مع إسرائيل مقابل دعم دول الخليج في وجه إيران.. وهذا ما توحي إليه بعض التسريبات الخليجية من أن أمن دول الخليج وأنظمتها هو أهم من قضية فلسطين..

أي التفاعُل والتجاوُب مع أمريكا وإسرائيل بات أولوية وتتقدم على قضية فلسطين وغيرها لأن هاتين الدولتين هما من تدعمان وتحميان أنظمة دول الخليج .. والتطبيع، بحسب وكالات الأنباء، كان قويا وعلى أشدّه خلال حفل الكوكتيل الذي سبق افتتاح مؤتمر الدوحة في فندق “الفور سيسزن”، وذلك بين رجال الأعمال العرب والإسرائيليين الذين انخرطوا مع بعض بالحديث والحوار العلنيين وكان من بين الحضور، كرجُل أعمال، اللواء احتياط يوآف مردخاي منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية السابق في المناطق المحتلة، هذا فضلا عن تواجد رجال أعمال فلسطينيين، رغم المقاطعة الرسمية (حوالي 15 من مختلف أنحاء الضفة الغربية والقدس وصرّحوا بأنهم يدعمون المؤتمر، وكان هناك فلسطينيون آخرون طلبوا عدم كشف هوياتهم)..

ثالثا : المسألة الإيرانية:

بموازاة هذه المؤتمرات الخطيرة نشهدُ التصعيد الأمريكي ضد إيران والتهديدات بمحوها، كما صرّح ترامب يوم 25/ حزيران 2019، حينما استخدم كلمة (Obliteration) وهو أكبر تعبير يمكن أن يستخدم لتهديد دولة أخرى، ولكن نأمل أن يكون ” محو” ترامب لإيران أشبه بِمحو وزير الخارجية السوري لأوروبا عن الخارطة في تصريحه يوم 22 حزيران 2011 .. يعني مُجرد كلام فارغ وحالة عصبية وانفعالية عابرة..

وتستمر زيادة العقوبات الأمريكية على إيران ، حتى شملت أعلى هرم في البلد وهو الإمام الخامئني، قائد الثورة .. والسعي لتشكيل تحالف دولي ضد إيران كما صرّح وزير الخارجية الأمريكي بومبيو في زيارته للسعودية والإمارات في 23 حزيران 2019 وذلك بالتزامُن مع كل هذه التطورات في المنطقة..وهذا يُذكِّرنا بالتحالف الدولي ضد العراق قبل غزوها عام 2003 ..

هناك طبخة تُعدُّ في الخفاء وفي العلَن ولا يعلم إلا الله كيف ستتّجه الأمور أخيرا وعلى أي شاطئ سوف ترسو ..

يالطا جديدة :

تَلوحُ في منطقتنا ملامح يالطا جديدة ولكن هذه المرة (عربية) أي لتقاسم المصالح العربية، وأطرافها هم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل.. وذلك على غرار مؤتمر(يالطا) بعد الحرب العالمية الثانية لِتقاسُم المصالح الأوروبية، حينما اجتمع في منتجع يالطا على البحر الأسود في جنوب جزيرة القرم ما بين 4 و 11 شباط عام 1945 كلٍّ من :

ونستون تشرشل، وفرانكلين روزڤلت، وجوزف ستالين، وقرروا مستقبل ألمانيا وأوروبا الشرقية بمعزل عن حضور أي زعيم أوروبي شرقي.. وكان الاتفاق على تقسيم ألمانيا وتقسيم العاصمة برلين.. وسيطرة روسيا على كل دول أوروبا الشرقية من خلال تعيين أنظمة تابعة بالمطلق للإرادة الروسية، وتغييب إرادة تلك الشعوب إلى حين انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة حلف وارسو في أواخر ثمانينيات القرن الماضي..

كنتُ أعمل في سفارة بلادي في بودابست ما بين 1984 و 1988، أي زمن الشيوعية، وكنت أندهش لمدى كراهية الشعب المجري(وخاصة الشباب) لـِ الإتحاد السوفييتي عموما  ولِروسيا خصوصا، وتطلّعهم إلى نظام حُكم على النمط الغربي، وتولّد لدي الانطباع منذ ذاك الزمن أنه لا مُستقبل لمنظومة حلف وارسو.. وهذا ما حصل..

الدول ليست جمعيات خيرية، ومصالحها الإستراتيجية فوق مصالح كافة الأوطان والشعوب الأخرى، وحتى الصداقات والتحالفات تُسخِّرها لخدمة مصالحها الإستراتيجية، وهذا ينطبق على روسيا كما ينطبق على أمريكا وكما ينطبق على إسرائيل، والكلام الذي يُقالُ أمام الإعلام شيء والحقائق المخفية شيء آخر..

فالكل أمام الإعلام يتحدث بحسن النوايا، ولكن لا أحدا يعرف ما هي الاتفاقات السرية سوى أصحابها.. والويل للمُغفّلين الذين يعتقدون غير ذلك.. وكل الشفقة على الشعوب والبلدان الضعيفة الذين لا حول ولا قوة لهم وتتلاعب الدول القوية بمستقبل بلدانهم كيفما تشاء وكأنها رقعة شطرنج..

كاتب سوري ووزير مفوض دبلوماسي سابق

رابط المقال :
https://www.raialyoum.com/index.php