"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

إعادة تدوير داعش

 شبكة فولتير :
يبدو أن تحرير المنطقة التي كانت تديرها داعش بوصفها “دولة”، لايعني بتاتاً نهاية هذه المنظمة الجهادية. في الواقع، إذا كانت هذه المنظمة الإرهابية هي من اختراع الاستخبارات التابعة لحلف الناتو، إلا أنها تجسد فعليا إيديولوجية لاتزال تعبئ الجهاديين، وقادرة بالتالي على البقاء على قيد الحياة.

وهنا لابد من التذكير بأن تنظيم القاعدة كان هو الآخر، جيشاً تابعاً لحلف شمال الأطلسي، وقد رأيناه جميعاً وهو يقاتل في أفغانستان، ثم في البوسنة والهرسك، وفي وقت لاحق، في العراق، وليبيا، وسورية، وكانت عملياته الرئيسية هي أعمال حرب، تحت مسمى “المجاهدين” و “الفيلق العربي”، وما إلى ذلك من مسميات أخرى)، أو بدلاً من كل ذلك تنفيذ عمليات إرهابية علناً كما هي الحال في تفجيرات لندن أو مدريد.

لنعد إلى داعش، فهي على العكس من كل ما سبق ذكره. إنها “مشروع” غربي لإدارة رقعة من الأرض، “سنستان” أو “دولة الخلافة” والتي كان الهدف منها، فصل العراق عن سورية، كما أوضحت الباحثة في البنتاغون روبن رايت في الخرائط التي رسمتها قبل سنوات من إنشاء هذه المنظمة، التي تلقت تمويلها وتسليحها مباشرة من الولايات المتحدة إبان عملية “خشب الجميز”.

وإذا كانت هزيمة جهاديي القاعدة وداعش أمراً مسلماً به الآن، فهذا أولاً بفضل شجاعة رجال الجيش العربي السوري، ثم القوات الجوية الروسية التي استخدمت قنابل خاصة في اختراق التحصينات التي أُنشئت تحت الأرض لمقاتلي تلك المنظمات، وبالتالي ألحاق الهزيمة بمشغليهم. بيد أنه إذا سلمنا أيضاً أن الحرب قد انتهت عسكرياً ” في سورية”، فهذا أيضاً بفضل الرئيس دونالد ترامب الذي أوقف استمرار تدفق جهاديين جدد من جميع أنحاء العالم، إلى سورية.

وبقدر ما يمثل تنظيم القاعدة “الإرهابي” قوة شبه عسكرية رديفة لحلف الناتو، يُعتبر تنظيم داعش جيشاً برياً رديفاً لحلف الناتو أيضاً.

ومن المفارقات المدهشة في الوقت الحالي أن داعش الذي خسر الأرض التي تعتبر السبب في إنشائه أصلاً، نرى تنظيم القاعدة يدير أراضي في محافظة إدلب، على الرغم من أنه كان يعارض هذا النوع من المهمات.

وعليه فإن هجمات داعش في 16 نيسان في الكونغو أو في 21 منه في سريلانكا، كان يمكن لها أن تُنسب بمنتهى اللامبالاة إلى أي منظمة “إرهابية” أخرى. وما كان لتنظيم داعش أن يظهر فجأة من جديد في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لولا تسليم رايته إلى مقاتلي قوات التحالف الديمقراطية في أوغندا. والسبب الذي يقف وراء تمكنه من التحرك بقوة مذهلة في سريلانكا هو أن أجهزة المخابرات هناك كانت تقف ضد الأقلية الهندوسية، ولم تكن تراقب المسلمين. وقد يكون ذلك أيضاً بسبب تشكيل هذه الأجهزة من قِبل لندن وتل أبيب، أو بسبب الخلاف بين رئيس الجمهورية، ماثريبالا سيريسينا ، ورئيس الوزراء رانيل ويكريميسينجه، الذي عرقل حركة تدفق تلك المعلومات المخابراتية.

سري لانكا دولة هشة على نحو خاص، لأنها تعتقد أنها على درجة عالية من النقاء الذي يمنع إنتاج هذا المستوى من البهيمية. وهذا غير صحيح، لأنها لم توضح حتى هذا اليوم كيف تم إعدام أكثر من ألفي رجل من “نمور التاميل” بعد أن سلموا أنفسهم في عام 2009. لهذا، وفي كل مرة يرفض فيها بلد ما الوقوف وجها لوجه أمام جرائمه، يصبح عرضة لإثارة جرائم جديدة لاعتقاده بأنه أكثر تحضراً من غيره.

مهما يكن الأمر، تثبت لنا مآسي الكونغو وسريلانكا أن الجهاديين لن يلقوا السلاح، وأن الغرب سيواصل استخدامهم خارج الشرق الأوسط الكبير.