"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

إعدامات الشيعة في السعودية

عرب 48 :

سهيل كيوان :

أقدم النظام السعودي على إعدام سبعة وثلاثين مواطنا معظمهم من أبناء المذهب الشيعي في السعودية، ومن بين هؤلاء المعدمين كانوا قاصرين يوم ارتكابهم ما سمي جريمة القيام على الملك، وهذه الجرائم لم تكن سوى مظاهرات تأييد للربيع العربي، وذلك في الأشهر الأولى لانطلاقه عام 2011.

من المعروف أنه لا حدود لجرائم هذا النظام في حق أي معترض مهما كان اعتراضه طفيفًا، والصحفي جمال خاشقجي مثال للوحشية التي ممكن الوصول إليها لمجرد انتقادات بسيطة من رجل محسوب أصلا على النظام.

الملفت هو اعتبار التضامن مع الربيع العربي انتفاضة ضد الملك، هذا يعني بكل وضوح أن من قالوا ونظّروا بأن السعودية هي التي تقف وراء الربيع العربي كانوا إما ضحايا للمتربصين بالربيع العربي، وإما من قصدوا تشويه الربيع العربي وشيطنته.

“داعش” المموّلة سعوديًا وإماراتيًا ما كانت لتكون لولا المباركة الأميركية، حيث أن “داعش” خُلق من أساسه ليكون أداة قمع للعرب والمسلمين وتدمير لبلدانهم وطموحاتهم من خلال الجرائم البشعة التي يرتكبها هذا التنظيم، بهدف استعداء الشعوب والعالم بأسره ضد انتفاضات العرب والمسلمين.

هذا ما حدث على أرض الواقع في سورية وما زال يحدث، وحيث تظهر بوادر انتصار أي شعب على النظام أو حالة من الاستقرار تطل داعش لتبدأ بتفجيراتها وقتل المدنيين بشكل وحشي، في توجّه مدروس لاستقطاب العالم كله ضد الثورات العربية اختطافها ودعشنتها، بحيث يضعوا أمام الشعوب خيارين لا ثالث لهما، إما الدمار وخراب البلاد والمجازر والتخريب والفوضى، وإما الرضى بالنظام مهما كان سيّئا ورديئا.

إلا أن أصواتًا كثيرة تتساءل وبحق لماذا تنجح أميركا أو السعودية أو غيرها من أجهزة مخابرات في تجنيد هذه الأعداد من الناس المستعدين لقتل أنفسهم وقتل غيرهم وهم يظنون بهذا أنهم يخدمون دينهم؟

هذا تساؤل في مكانه، فالدين، أي دين، ممكن استغلاله لغايات مختلفة، ممكن أن تكون طيّبة وممكن أن تكون شريرة، فالدين ممكن تفسيره وتوجيهه من خلال بعض النصوص الحرفية بعد انتزاعها من سياقها التاريخي العام إلى العنف والقتال، وهي أفكار موجودة في كل الديانات، اليهودية والمسيحية والإسلامية والبوذية والهندوسية وحتى الإغريقية القديمة وهذا بشهادات تاريخية، كذلك ممكن توجيه الدين إلى الرحمة والتسامح والمحبة وعدم التدّخل في شؤون الآخرين، وهذا ممكن العثور عليه في كل الديانات أيضًا.

ماكينة الإعلام السعودية الوهّابية مارست التجهيل وتعبئة الشعب على الرضوخ للملك وتجميل صورة النظام السعودي باعتباره حامي حمى الإسلام وأجمل ما يمكن أن يكون، وربط شرعية النظام بالعقيدة الدينية، رغم التناقض بين العقيدة الإسلامية والنظام الملكي من أساسه، وهي نفس الماكينة الإعلامية التي حلّلت الرضوخ التام لأميركا الصديقة من جهة، ومن أخرى حلّلت قتل البشر من أبناء وبنات الشعوب والطوائف المختلفة وخصوصا الإسلامية ما دام القتل يخدم استمرار النظام.

من المثير للعجب أن يكون أبناء مليونير سريلانكي مسلم من أولئك الانتحاريين الذين نفذوا الهجوم على الكنائس والفنادق صبيحة عيد الفصح المجيد. هذا يعني أن الدافع كان مبدئيا إلى درجة كبيرة.

لا شك أن لدى دعاة داعش قدرات كبيرة في إقناع ضحايا فكرهم بضرورة وحتمية الجهاد ضد “الكفر” ومظاهره وأتباعه، ولا شك أن ضحايا غسيل الدماغ يعيشون في عالم من الخيال لا يمتّ إلى الواقع الذي نعيش فيه بصلة، فما الذي يريده مليونير ليس محرومًا من شيء من متع الحياة من قتل نفسه وقتل الآخرين؟

يحلم هؤلاء بالفوز بحياة أبدية بين الصديقين والشهداء والرسل وتحت أجنحة الملائكة، وذلك بحسب ما يظنّون بأنهم ضحوا بأنفسهم وأجسادهم الفانية نصرة لله والرسول وللشيخ الذي يتحول إلى ولي أمرهم، والذي يقنعهم بضرورة وحتمية مواجهة “الكفر” ومظاهره المتمثلة في السياحة والعري وشرب الكحول والانحناء أمام تمثال السيدة العذراء أو السيد المسيح، إضافة إلى إحلال دم المسلم الذي لا يقوم بواجباته الدينية حسب معاييرهم.

السعودية والوهابية المتشددة كانت وما زالت مصدر ومؤسسة هذا الفكر في العصر الحديث، والذي نشأ ونما بهدف واحد ووحيد، هو محاربة أي مظهر اعتراض على النظام والعمل على تعزيز كل ما يمكن أن يدعمه ويقويه، ولو على حساب أرواح الأبرياء سواء كانوا مسلمين سنة أو شيعة أو أبناء ديانات أخرى.

إعدام العشرات وسجن آلاف منهم مئات المنتظرين للإعدام من المؤيدين للربيع العربي، يظهر الحقيقة جليّة بأن الادعاء بأن انتفاضات الشعوب هي من تأليف وإخراج آل سعود وأميركا وإسرائيل لم يكن أصلا إلا لمحاربة الربيع العربي وتشويهه، وهذا ما زال مستمرًا حتى الآن، وهناك محاولات جادّة لاختطافه من شعوب الجزائر وليبيا والسودان، مثلما جرى اختطافه في سورية ومصر واليمن، وذلك أن كل ثورة حتى ولو كانت على سطح كوكب زحل هي تهديد مباشر أو غير مباشر للأنظمة الظلامية المجرمة وللدكتاتوريات التي سادت العالم العربي لعقود طويلة، والتي آن لها وبإلحاح أن تنتهي، فقد أكل الدهر وبال وشخّ عليها.

إلى جانب هذا فإن كون المُعدمين بمعظمهم من أبناء الطائفة الشيعية، لا يمكن فصله عن الخطة الشاملة الهادفة إلى مواجهة إيران بذريعة خطرها على المنطقة، بهذا يلتقي آل سعود وأنظمة عربية أخرى مع أميركا وإسرائيل في “الحلف السّني” الذي يسعى إلى محاصرة إيران وشيطنتها لفترة طويلة حتى إنهاكها، ثم الانقضاض عليها كما حدث للعراق من قبل، وذلك بعد أن أخذت إيران حرّيتها في قمع الشعب السوري إلى جانب النظام، الآن الدور عليها وعلى حليفها حزب الله اللبناني.