راي اليوم :
الجزائر/ الأناضول:
بينما كان على شاشة قناة فضائية عربية، نطق شاب جزائري، يدعى سفيان بكير تركي (33 عاما)، بعبارة “يتنحّاو قاع″، وهي تعني “فليتنّحوا جميعا”.
سريعا انتشرت العبارة، وصارت شعارا شهيرا للاحتجاجات المتواصلة في الجزائر، منذ 22 فبراير/شباط الماضي؛ للمطالبة برحيل نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يحكم البلاد منذ عشرين عاما.
برزت عبارة “يتنحاو قاع” في 11 مارس/ آذار الماضي، عقب إعلان بوتفليقة (82 عاما) سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وتأجيل انتخابات رئاسية، كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان الجاري، مع وعد بانتخابات أخرى لن يترشح فيها.
مراسلة قناة عربية، سألت الشاب “سفيان” عن رأيه في سحب بوتفليقة، الذي يعاني من متاعب صحية منذ سنوات، لترشحه وفرحة بعض الجزائريين بالخبر، فأجابها: “يتنحاو قاع″، أي يجب أن يرحل كل رموز النظام دون استثناء.
** حضور قوي للشعار
بقوة، سجلت العبارة حضورا قويا في مظاهرات الجزائريين ضد تمديد الولاية الرابعة وتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، لاسيما في مظاهرات الجمعة 15 و22 و29 مارس/آذار المنصرم.
حضر شعار “يتنحاو قاع” وقائله سفيان في المظاهرات، عبر لافتات ورسومات كاريكاتورية رفعها محتجون ضد السلطة الحاكمة، كما ردده آخرون في هتافاتهم بمختلف الساحات والشوارع بالعاصمة وبقية المحافظات.
مظاهرة الجمعة الأخيرة (29 مارس/آذار) أيضًا شهدت اعتمادا كبيرا للشعار ذاته بطريقة فكاهية تحمل رسالة سياسية إلى السلطة.
الأناضول رصدت في ساحة البريد المركزي وشارعي “ديدوش مراد” و”حسيبة بن بوعلي” بالعاصمة الجزائر، شبابا يحملون لافتات عملاقة مكتوب عليها: “الشعب يريد تفعيل المادة 2019 .. يتنحّاو قاع” .
وهم يقصدون بذلك أن الشعب يريد رحيل جميع رموز النظام، ويرفض مقترح رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، بتفعيل المادة 102 من الدستور بشأن شغور منصب الرئيس.
تلك المادة تنص على أنه في حال استقالة الرئيس، أو وفاته، أو عجزه، يخلفه رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) لمدة 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات جديدة.
** خيار الرفض
على نطاق واسع، ومنذ مظاهرات 15 مارس/آذار الماضي، يتداول ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر هاشتاغ (وسم) “ينتحاو قاع″، على شكل صور وتعليقات ورسومات كاريكاتورية.
الكاتب عبد الرزاق بوكبة، غرّد قائلا: “خرج شطر من الشّعب فرحانا بالرّسالة الثّانية للرّئيس المترشّح، بغضّ النّظر عن كون ذلك مساندة لإجراء الرّئيس أم فرحا بالانتصار الأولي للحراك”.
وأضاف: “ثم تدارك الأمر بعد ساعة أو ساعتين، وانحاز لخيار الرّفض. وقد تمّ تلخيص الموقف الشّعبي في عبارة: يتنحّاو قاع”.
والناقد السينمائي عبد الكريم قادري، كتب عبر صفحته على فيسبوك: “الأشياء التي تأتي بتلقائية تخلّد وتبقى.. يوم الجمعة يتنحاو قاع”.
بينما انتقد الكاتب بشير ضيف الله، على “فيسبوك”، التفاف الجزائريين حول شعار “يتنحاو قاع” بقوله: “فيه ما فيه من الشعبوية.. فلا تحملوا الوطن أكثر مما يحتمل”.
واعتبر أن “رفض الكلّ يعني العودة إلى قانون الغاب أو إعلان حالة الطوارئ”.
** يرحلوا جميعا”
ووفقا للمختص الجزائري بعلم الاجتماع، محسن بن عاشور، فإن “عبارة (يتنحاو قاع) لها دلالة سياسية.. معناها أن يرحلوا جميعا”.
وأوضح “بن عاشور”، في حديث للأناضول، أن “كلمة قاع تعني عمق الشيء في ظاهر اللغة”.
وتابع: “مثلا يتم تصفية الماء ليس من سطحه فقط، بل من عمقه (أسفله) أيضا أي تصفيته لكي لا يبقى فيه ولا شيء”.
وأردف أن “قاع هي مصطلح جزائري محض، ولا يفهمه إلاّ ابن المنطقة التي يتحدث به، ويعني الجميع أو نهائي.. مثلا: يتنحوا نهائيا”.
وبين أن “دلالته في المظاهرات هي: يرحلوا جميعا، يرحلوا كافة، يرحلوا كلّهم، ولا يبقى أي أحد”.
** شعور مشترك
“يتنحاو قاع” هي، بحسب المختصة الاجتماعية فضيلة درويش، “عبارة مركبة من يتنحوّا (يرحلوا)، أما قاع فليس لها دلالة لغوية، بل هي مصطلح جزائري محض معناه الجميع والكل”.
وشددت درويش، في حديث للأناضول، على أن “(يتنحاو قاع) مرتبطة بالبنية الذهنية للجزائريين، وهم يقصدون بها رحيل كل السلطة”.
وزادت بأن “هذه العبارة تدل على اتفاق جمعي في البنية الذهنية لمجموعة من الأشخاص ضد نفس النظام”.
وتابعت أن “هذا الاتفاق الجمعي ضد النظام لم ينطلق من فراغ، بل سبقته سنوات من الكلام والصبر على الألم”.
واستطردت: “هذا الاتفاق الجمعي يأتي من الشعور المشترك وثقافة الرفض، التي يُعرف بها الجزائريون، وعناصر أخرى، مما جعل الناس تفهم دون أن تشرح لهم معنى العبارات المحلية (اللهجة الدارجة)، ومنها: يتنحاو قاع”.
وأضافت أن “يتنحاو قاع بلغت خارج الحدود (الجزائر)، ولو أن جل العالم لا يعرف ماذا تعني، ولكن الجزائري يفهمها، وتمكن من تصديرها إلى الخارج”.
وأوضحت فضيلة أن “بلوغها العالم كان بفضل وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، إضافة إلى استمرارية الحراك الشعبي”.
وحول دلالتها الاجتماعية، قالت إن كلمة “قاع” لا تقال في كل محافظات الجزائر، فهي منتشرة في منطقة القبائل (تيزي وزو وبجاية- شرق)، إضافة إلى محافظات الوسط (منها العاصمة).