"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

قنوات إرهابية : كيف تحول تنظيم “المهاجرين” إلى نسخة داعشية في بريطانيا؟

المستقبل :

الأحد، 31 مارس، 2019
عرض: أحمد عبدالعليم – باحث دكتوراه في العلوم السياسية

تُواجه بريطانيا على مدار العقدين الماضيين تهديدات متزايدة من الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية التي تتشعب وتزيد من حدة خطابها المُتشدِّد حتى باتت الدولة موطنًا لعدد كبير منهما. وقد كان لتزايد موجات العنف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011 انعكاساتها على فاعلية وحركة تلك التنظيمات، وهو ما حدا بالحكومة البريطانية إلى حظر العديد منها بهدف تعطيل أنشطتها ومواجهة مخاطرها المتفاقمة.

وفي هذا الإطار، يأتي كتاب “الدولة الإسلامية في بريطانيا: تطرُّف ومرونة الشبكات النشطة” للكاتب “مايكل كيني” (أستاذ مشارك في الشئون الدولية بكلية الدراسات العليا بجامعة بيتسبرج الأمريكية)، الذي يُلقي الضوء على تنظيم “المهاجرين” المتطرف الموجود في لندن، وذلك باستعراض المخاطر المرتبطة به، خاصةً وأنه متورط في أغلب العمليات الإرهابية التي يقوم بها بريطانيون في بلدهم، أو في مناطق أخرى حول العالم. وتنبع أهمية هذا الكتاب من كونه يستعرض نتائج لقاءات ميدانية قام بها “كيني” مع بعض أعضاء التنظيم من أجل التعرُّف على توجهاتهم بشكل أكثر واقعية. كما أنه يُقيّم السياسات البريطانية الخاصة بمكافحة الإرهاب.

بدايات التنظيم

يُشير الكاتب إلى أن تنظيم “المهاجرين” قد تأسَّس في مطلع تسعينيات القرن المنصرم على يد الداعية الإسلامي ذي الأصول السورية “عمر بكري”. وقد هدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في بريطانيا، حيث سعى المنتمون للتنظيم منذ عام 1996 إلى تأسيس “دولة الخلافة الإسلامية” في لندن من خلال تفسيرهم الضيّق للدين. بالإضافة إلى تركيز خطابهم على الانتقاد الشديد للسياسة الخارجية البريطانية، وكذلك الأمريكية، تجاه العالم الإسلامي.

ويُضيف “كيني” أن التنظيم اتّبع منذ بداياته سياسة جذب التغطية الإعلاميّة من أجل لفت انتباه المواطنين إليه. ويدلل الكاتب على ذلك بدفاعه عن الهجمات الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وهو موقف مخالف للعديد من التنظيمات الإسلامية في بريطانيا التي أدانت تلك الهجمات.

ولم يكتفِ تنظيم “المهاجرين” بذلك، بل إنه قام بعمل احتفال في ذكرى نفس اليوم من عام 2002 انطلاقًا من كونه يومًا عظيمًا يستحق الاحتفال، ويتوجب على المسلمين تهنئة زعيم تنظيم القاعدة السابق “أسامة بن لادن” به. كما قام التنظيم -وفقًا لما ورد بالكتاب- باحتجاجات ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وحرق علمها في الذكرى السنوية العاشرة لأحداث سبتمبر الإرهابية. ويُضيف “كيني” أن الحكومة البريطانية أصدرت قرارًا بحظر التنظيم عام 2010 إعمالًا لقوانين مكافحة الإرهاب في البلاد.

ويُشير الكتاب إلى أن التنظيم كان أحد المشاركين في تهديد الاستقرار الأمني والسياسي في الشرق الأوسط منذ عام 2011، في ظل انتشار موجة توافد المقاتلين الأجانب للمشاركة في الصراع السوري بعد عام 2011، حيث قام بإرسال العديد من المقاتلين التابعين له من أجل مساعدة تنظيم “داعش” الإرهابي بهدف إقامة “دولة الخلافة الإسلامية” المزعومة.

التنظيم بين المرونة وإعادة التشكُّل

يشير “كيني” إلى أن الأفراد المنتمين لتنظيم “المهاجرين” كان معظمهم يتبع “ميثاق الأمن” في بريطانيا، والذي يمنعهم من الانخراط في هجمات عنيفة خاصةً ضد المواطنين بداخلها. ولكن على مر السنين تورط عددٌ منهم في العنف السياسي، ومنها قيام “مايكل أديبولاجو” و”خورام بوت” بهجمات داخل بريطانيا وخارجها أسفرت عن مقتل العديد من الأشخاص. علاوةً على أن تلك الهجمات قد خلّفت عددًا كبيرًا من المصابين. ولذا، فقد أدّى توجُّه بعض أفراد التنظيم نحو العنف إلى زيادة مراقبة الحكومة البريطانية لهم من أجل محاولة التعامل بشكل استباقي مع عملياتهم الإرهابية. وهو ما أدّى إلى تفكك التنظيم إلى جماعات أصغر حجمًا، لكنها في الواقع بدرجة ما أكثر تطرفًا.

ويُفسر الكاتب زيادة حدة التطرُّف انطلاقًا من وجود حالة من السخط لدى الأفراد المؤمنين بأفكار تنظيم “المهاجرين”، وبالتالي فإن التحرُّك كان نحو تنظيم أصغر بهدف التهرب من ملاحقات الشرطة ومراقبتها المكثفة، وهو ما يعكس مرونة كبيرة لديه.

ويُبرز الكاتب أن التنظيم قد نجح عبر تلك المرونة في تقليل حدة المراقبة المكثفة من الشرطة البريطانية. كما نجح في تجنيد أفراد جُدد للانضمام إليه. ويضيف أن السلطات قد قامت بحظر الجماعات الفرعية التي نشأت عن التنظيم، ومنها جمعية “الدعوة الإسلامية”، وجماعة “مشروع الشريعة” التي ظهرت في عام 2012، وكذلك جماعة “مسلمين ضد الصليبيين”. وتدور تلك الجماعات جميعها في فلك تنظيم “المهاجرين” بنفس القناعات المتضمنة إقامة “دولة الخلافة الإسلامية” المزعومة، وتحويل الغرب إلى “دار الإسلام” وفقًا لما يعلنه المنضمون للتنظيم.

وقد قام “كيني” بعمل لقاءات ميدانية مع بعض الأعضاء الناشطين في تنظيم “المهاجرين”، حيث التقى بـ(48) عضوًا خلال الفترة بين عامي 2010 و2015. وقد توصل من تلك اللقاءات إلى أنّ هناك (19%) منهم قد شارك بالفعل في عمليات إرهابية داخل المملكة المتحدة، أو غادروا من أجل القتال إلى جانب تنظيم “داعش” في سوريا والعراق. بمعنى آخر، فإن واحدًا من كل خمسة في التنظيم قد تورط في أحداث عنف وإرهاب.

وفي المقابل، فإن ما لا يقل عن سبعة أعضاء من بين الثمانية والأربعين قد قاموا بترك التنظيم دون التورط فيما بعد في أي أعمال عنف، أي حوالي (14,6%) من العيّنة. وفي هذا الإطار، فإن الكاتب يشير إلى أن أسباب الإرهاب كثيرة ومعقدة في بريطانيا، ومن الصعب بمكان محاولة السيطرة على أيٍّ من تلك الأسباب بشكل منفرد، ومع ذلك فإن غالببية تنظيم “المهاجرين” هم أفراد يؤمنون بأفكار دينية متطرفة، لكنهم لم ينخرطوا في أيّ أعمال عنف أو إرهاب.

نسخة داعشية

يُشير “كيني” إلى أن تنظيم “المهاجرين” هو نسخة من تنظيم “داعش”، كونه ساعد في جذب العديد من المسلمين الموجودين في بريطانيا. كما أنه قد نجح عبر الجماعات المتعددة التي نشأت من خلاله في حشد وتعبئة المتطرفين، بل وتحفيزهم للقتال في سوريا.

وفي أواخر عام 2015، قامت الشرطة البريطانية باعتقال الداعية المتشدد “أنجم تشودري” (بريطاني الجنسية من أصول باكستانية) المتهم بدعم تنظيم “داعش”، والتشجيع على الانضمام إليه عبر سلسلة من الخُطَب المنشورة عبر موقع يوتيوب. ويعتبر “شودري” أحد المؤسسين لتنظيم “المهاجرين”، كما أنه كان المتحدث باسمه في عام 2005.

ويُشير الكاتب إلى أحد أبرز قيادات تنظيم المهاجرين، وهو “سيدهارثا دهار” الذي غادر بريطانيا عام 2015 من أجل الانضمام إلى تنظيم “داعش” في سوريا. كما أنه العقل المدبر لسفر بعض أفراد تنظيم “المهاجرين” إلى دمشق. وقد ظهر في مقطع فيديو مطلع عام 2016 ينفذ فيه عملية إعدام لخمسة رجال بتهمة التخابر ضد تنظيم “داعش” لصالح بريطانيا، كما قام بمهاجمة سياسات لندن، ووصف رئيس وزراء بريطانيا السابق “ديفيد كاميرون” بأنه “غبي”، وفقًا لما جاء بالكتاب.

ويُضيف “كيني” أن تنظيم “المهاجرين” قد ساعد في تحويل لندن إلى مركز أوروبي للجهاد وللأفكار المتطرفة خلال السنوات العشر الماضية، خاصة مع تحوله إلى قناة يتم من خلالها عبور المتطرفين إلى تنظيم “داعش”، وهو ما يعكس تطور التنظيم على المستوى الدولي وزيادة شبكاته النشطة.

مكافحة الإرهاب

يُشير “كيني” إلى أن جهود مكافحة الإرهاب في بريطانيا قد أضعفت تنظيم “المهاجرين”، لكنها لم تنجح في القضاء عليه، حيث إنه خلال الفترة من عام 2010 حتى عام 2015 ورغم التضييق الأمني فقد نجح التنظيم في التمدُّد داخليًّا وكذلك خارجيًّا عبر تكوين شبكات نشطة عبر العالم من أفراد وجماعات صغيرة منتمية له ومؤمنة بأفكاره المتطرفة.

وعلى الرغم من تأكيد الكاتب أن كل عضو في تنظيم “المهاجرين” ليس بالضرورة منخرطًا في أعمال عنف، إلا أنه لم ينفِ كونهم يمثلون تهديدًا كبيرًا للأمن البريطاني. ويتحدث عن تحدٍّ رئيسيّ يواجه الأجهزة الأمنية البريطانية يتمثل في وجود موارد محدودة متاحة في ظل تهديدات أمنية غير محدودة، خاصة مع قناعة بعض أعضاء التنظيم بأن التحول إلى العنف خيار أفضل في ظل عدم قدرتهم على ممارسة تفسيرهم المتطرف للدين بحرية في لندن.

وبالرغم من ذلك، يؤكد الكاتب أن السلطات البريطانية لا تزال تملك أدوات من أجل المناورة والتعامل مع تهديدات تنظيم “المهاجرين” وغيره من التنظيمات الإرهابية أو المتطرفة في البلاد، ومنها وجود رقابة صارمة خاصةً للقيادات التنظيمية والناشطين البارزين مع استخدام الأدوات الأخرى، مثل منعهم من الاجتماع مع أتباعهم، وتجنيد أشخاص جدد.

وختامًا، يؤكد “كيني” في كتابه أنّ هناك إشكالية متعلقة بمدى قدرة السلطات البريطانية على التوفيق بين متطلبات الأمن القومي وبين الحقوق السياسية والحريات المدنية في إطار مجتمع ديمقراطي، والتي تكفل حرية الرأي والتعبير حتى لو كانت بغيضة، وهو ما يمكن أن يكون متنفسًا جيدًا للتنظيمات المتطرفة -بحسب الكاتب- من أجل التعبير عن أفكارها من وقت لآخر، لأن معنى إغلاق هذا المجال بشكل تام يؤدي إلى تحول عدد أكبر إلى العنف والإرهاب بسب إغلاق المجال العام أمامهم. وبالتالي فإن الأمر يحتاج تعاملًا مرنًا من السلطات البريطانية من أجل الحدّ من المخاطر المتوقعة لذلك التنظيم أو غيره من التنظيمات المتطرفة أو الإرهابية الأخرى داخل المملكة المتحدة.

بيانات الكتاب:

Michael Kenney, “The Islamic State in Britain: Radicalization and Resilience in an Activist Network”, (Cambridge: