"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الإعجاز العلمي في القرآن حقيقة.. ولكن…!

الجزيرة :

كتابٌ جليلٌ حوى بين دفتيه علمٌ كبيرٌ، وبيانٌ ساحرٌ، عِبرٌ وآيات، وعلومٌ ومواعظ، أحكامٌ وتكاليف، أوامرٌ ونواهي، فصاحةٌ وبلاغة، فحارت فيه العقول، وتساءل عنه أولوا الألباب، هل هو كتابُ علمٍ دقيق، أم كتابُ هدايةِ ورشاد؟! وحُقَّ لهم أن يتساءلوا، فما حواه القرآن من علمٍ فاق كل الكتب، وما حواه من هداية ورشاد لم نره في كتابٍ آخر.

فمن نظر إلى خلق الإنسان، والسماوات، والأرض، والكواكب، والشمس والقمر، والجبال، والبحار، والشجر والدوابّ، والأمطار، والنبات والحيوان، والرياح، والليل والنهار، والأسماع والأبصار والأفئدة. من نظر إلى حديثِ القرآن عن كل هذه النِعم فوصفه أنه كتابُ علمٍ دقيق، فقد صدق. ومن نظر إلى الفضائل، وترك الرذائل، والطهارة، والرفق، وحسن القول، وبر الوالدين، وسلامة الصدر والمحبة والأخوة، والتعفف، وغض البصر، والتسامح، وكف الأذى، والعفو، والتغافل والتغافر، والجود والكرم، والإخلاص، والنقاء، والنظافة، والبهاء والجمال. من نظر إلى كل هذا فوصفه بأنه كتابُ هدايةٍ ورشاد فقد صدق.

والحق أن هذا الكتاب هو كتابُ علمٌ دقيق وهداية ورشاد في آنٍ واحد، ومن يصف القرآن فقط بمجرد كتاب علمٍ أو كتاب هداية ورشاد لم ينصف القرآن. إنما القرآن معجزة خالدة تسمو على كونها كتابُ علمٍ أو حتى كتابُ هداية، هي رسالة الله عز وجل للناس وستظل العقول إلى أمدٍ بعيد تعجز عنه وصف القرآن، فهو مَعينٌ لا ينضب وبحرٌ لا يجف ماؤه. فلو كان كتاب علم لاكتفى الناس بقراءته مرة أو مرتين، ولاندثر بين آلاف الكتب لكنه ليس كذلك فهو يتجدد كأنه روح تحيا بين الناس ويُضيء فيلجأ إليه الناس كلما اشتد عليهم الظلام.

القرآن ليس كتاب للعلوم المختلفة فحسب ولكن معجزة خالدة ومن إعجازة أن يفهمه الجميع المتعلم والأمي، الأجنبي والعربي، فقد أبهر العربَ قديماً ببيانة الساحر، وأبهر العالم حديثاً بعلمه السابق

وقد يحاول بعض أبناء التيارات الإسلامية أن يبحثوا في القرآن عن كل حقيقة أو حادثة يرونها وهذا إنقاصٌ من قدر القرآن، فإن وجدوا ازدادوا إيماناً بالقرآن، وإلا فلا. فقد أخطاء بعض العلماء حينما حاولوا تفسير بعض المعجزات تفسيراً علمياً – وعلى سبيل المثال لا الحصر – فقد فسروا “طيراً أبابيل” على أنه ميكروبات الجدري وهذا يخرج المعجزة من كونها معجزة إلهية خارقة إلى شيء عادى.

ولا يصح القول: إننا نريد تقريب المعجزات من العقول، كى نحظى بإيمان رجال العلم، لأن في هذا التقريب فضلاً عن أنه يستحيل علمياً فى بعض الأحيان فإنه تقليل من شأن المعجزة، وعكس لحكمتها وحكمة ذكرها. وإن كانوا قد لجأوا إلى مثل هذا التفسير، فهل وجدوا تفسيراً لعجز النار عن إحراق إبراهيم – عليه السلام -؟! ولماذا توقفت خواص النار المعروفة وهي الإحراق؟! وكيف وقفت النار ولم يطفئها المطر، ولم تبعثرها الريح؟! وغيرها من المعجزات التي يعجز العلم عن تفسيرها.

وهذا يؤكد أن القرآن ليس كتاب للعلوم المختلفة فحسب ولكن معجزة خالدة ومن إعجازة أن يفهمه الجميع المتعلم والأمي، الأجنبي والعربي، فقد أبهر العربَ قديماً ببيانة الساحر، وأبهر العالم حديثاً بعلمه السابق وقد نزل منذ أربعة عشر قرناً، ويتأثر به كل من يسمعه سواء فهم معناه أو غابت عنه بعض المعاني، ولذلك نؤكد على أن الحقائق العلمية الموجودة في القرآن ليست مطلوبة لذاتها بل للدلالة على الله الخالق لهذا الكون “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد“.

وخلاصة القول: إن الإعجاز العلمي في القرآن هو حقيقة لكن يجب أن توضع في سياقها وهى الدلالة على الخالق، وأن يُفهم القرآن أنه معجزة من الله تعالى باقية إلى قيامِ الساعة.. إلى أبد الآبدين.