بوابة الشرق :
الدوحة – الشرق :
الرباعي قاد الجهود لتوفير بيئة إقليمية مواتية لتمرير الصفقة
الرياض وأبوظبي وفرتا الغطاء العربي للتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني
نفوذ بن سلمان الإقليمي والدولي تلقى ضربة كبيرة بسبب قضية خاشقجي
على طول التاريخ كانت الطعنات القاتلة التي تلقاها الشعب الفلسطيني ومحطات الخيانة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، تأتي من الأنظمة العربية نفسها التي تدعي الدفاع عن هذه الحقوق. لذا لم يكن مفاجئاً، أن يكون من يقود الترويج والتسويق لصفقة القرن في المنطقة، هو أنظمة عربية كان يفترض أنها تقف في الخط الأول للدفاع عن قضايا الأمة.
ومنذ ظهور الخطة الأمريكية التي أطلق عليها صفقة القرن وعرابها جاريد كوشنر المستشار الخاص للرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس فريقه لعملية السلام جيسون غرينبلات، برزت السعودية ومصر والإمارات كلاعبين رئيسيين في كل المحطات المتعلقة بالخطة المطروحة من الإدارة الأمريكية والتي يعتبر المراقبون أن هدفها هو تصفية القضية الفلسطينية. ويعزز ذلك موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من القضية، إذ قال لدى مقابلته وفدا من زعماء يهود في نيويورك مارس الماضي إن القضية الفلسطينية ليست من أولويات الحكومة السعودية وأن الفلسطينيين ظلوا على مدى 40 عاما يرفضون ما يقدم لهم والآن إما أن يقبلوا ما يعرض عليهم وإلا فليصمتوا”.
التطبيع والسلام الاقتصادي
وتعتمد صفقة القرن في الأساس على ركيزتين أساسيتين هما التطبيع العربي مع إسرائيل، بالإضافة إلى التحفيز الاقتصادي للفلسطينيين. وبحسب تقرير أصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 28 يونيو 2018، فإنه وبدلا من السعي لإحياء المفاوضات وفق المرجعيات الدولية المعروفة، وعلى رأسها قرارات الأمم المتحدة المتصلة بالأرض والموارد واللاجئين، تركز الخطة على “السلام الاقتصادي”، باعتباره مدخلًا لإنهاء الصراع. وقد أشار كوشنر إلى ذلك في مقابلة صحفية؛ إذ قال إن خطة الإدارة الأمريكية تشمل تأسيس مشاريع استثمارية كبرى في البنية التحتية الحديثة، والتدريب المهني والتحفيز الاقتصادي للفلسطينيين، ولن يقتصر ذلك على الأراضي الفلسطينية فحسب، وإنما سيشمل الأردن ومصر أيضا. وجاءت مشاركة السعودية ومصر والامارات والبحرين في مؤتمر وارسو الأخير إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مسؤولي الإدارة الامريكية بقيادة نائب الرئيس الأمريكي، لمناقشة الشق الاقتصادي من “صفقة القرن” حسبما جاء في صحيفة “هآرتس”الاسرائيلية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف كان من المهم إيجاد بيئة إقليمية مواتية لتمرير الصفقة، وفي هذا السياق جاء دور السعودية ومصر والإمارات والبحرين من خلال قيادة قاطرة التطبيع العربي مع إسرائيل والتسويق للصفقة. والجديد في هذه الخطة هو إسهام دول خليجية في دفع تكلفة هذا السلام الذي يقود إلى دمج إسرائيل في المنطقة وتطبيع العلاقات معها، في ظل تجاهل كامل للحقوق السياسية للشعب الفلسطيني والالتفاف على جوهر الصراع الأساسي وهو الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية.
غطاء عربي
ومع الشروع في تنفيذ الخطة التي تقوم على التخلي عن قضايا الوضع النهائي (وهي القدس، والمستوطنات، والحدود، واللاجئين، والمياه) مسبقًا ومن دون مفاوضات، والتي بدأت بإخراج القدس من دائرة التفاوض؛ وذلك عندما اعترفت إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، في 6 ديسمبر 2017، بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب في الذكرى السبعين لإعلان قيام إسرائيل، بدأ دور الدول الأربع يسفر عن وجهه بوضوح من خلال تأييدها غير المسبوق للصفقة.
وفي ندوة عقدتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، يناير 2018، تحت عنوان “القدس بوابة السلم والأمن الدوليين” تحدث فيها نخبة من القانونيين والخبراء حول تداعيات قرار ترامب إعلان القدس عاصمة إسرائيل والدعم غير المسبوق الذي تلقاه من مصر والسعودية والإمارات في إعلانه المشؤوم ضمن ما يسمى بـ «صفقة القرن»، اعتبر خبراء وقانونيون دوليون، أن الدعم الذي قدمته السعودية والإمارات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان وراء اتخاذه قرار إعلان القدس عاصمة إسرائيل، محذرين من خطورة هاتين الدولتين، إلى جانب البحرين ومصر، على حقوق الفلسطينيين. ورأى المرافع القانوني الدولي توبي كادمان، أن السعودية والإمارات ومصر والبحرين تشكل خطورة على حقوق الفلسطينيين، معتبراً أن ترامب ما كان ليتخذ مثل هذا القرار لولا دعم هذه الدول. وعبر كادمن، عن قلقه من تطور العلاقات بشكل خاص بين ترامب والسعودية والإمارات، معتبراً أنهما يشكلان غطاء لتحركات ترامب في المنطقة لضرب الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
السعودية.. شراكة مع الاحتلال
بطلب من جاريد كوشنر المستشار الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس فريقه لعملية السلام جيسون غرينبلات، تولى ولي العهد السعودي المتحمس لصفقة القرن، قيادة قافلة تسويق الصفقة عربيا وفلسطينيا. وقال دبلوماسي غربي مقرب جدا إن بن سلمان أبلغ كوشنر أنه مستعد لاستثمار كميات ضخمة من رؤوس الأموال في الصفقة وسيعطي القيادة الفلسطينية الحوافز اللازمة لدفعها للاستجابة الإيجابية.
وأفاد موقع “ميدل ايست” في 15 ديسمبر 2017، بأن السعودية مارست ضغطًا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس والملك عبد الله الثاني لثنيهما عن المشاركة في القمة الإسلامية التي عقدت في تركيا في 13 ديسمبر 2017 لبحث إعلان ترامب إزاء القدس، من أجل إضعاف القمة وإفراغها من جوهرها، ولكنهما رفضا. وليس من دليل على التآمر السعودي على القضية الفلسطينية، أوضح من تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي قال فيها “إنه لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة”. وكانت مصادر فلسطينية أكدت أيضاً أن الرياض قدمت لـ “تل أبيب” ما لم تقدمه أي دولة عربية منذ سنوات طويلة.
وأوضحت المصادر للخليج الجديد أن السعودية هي أولى الدول العربية والأجرأ التي فتحت باب التطبيع السياسي والعسكري والفني والثقافي مع دولة الاحتلال على مصراعيه بشكل علني وأمام الجميع؛ بل أنقذتها من عزلتها حين وسَّعت- من خلال ضغوطها ونفوذها- الدائرة لتلحقها بقية الدول العربية، وعلى رأسها مصر والإمارات والبحرين. وذكرت المصادر أن الرياض خلال سنوات تولي بن سلمان منصب ولي العهد قدَّمت الكثير من الخدمات السياسية المجانية لإسرائيل، ولعل أبرزها دعوات بن سلمان الصريحة للتعامل مع دولة الاحتلال كأمر واقع على الأرض، والتوجه إلى الحوار والسياسة بعيداً عن الخيارات الأخرى كالمقاومة. ولفتت المصادر إلى أن تبني الرياض صفقة القرن، رغم إسقاطها القدس واللاجئين وحق العودة، يعد “خدمة إضافية ومجانية” قدمتها السعودية لإرضاء “إسرائيل” وإدارة الرئيس ترامب، مشيرة إلى أن السعودية “باتت شريكاً واضحاً للاحتلال في تصفية القضية الفلسطينية”.
الإمارات.. مستشار الصفقة
لا يقتصر دور نظام أبوظبي على قيادة التطبيع مع حكومة الاحتلال الاسرائيلي، والاستعداد لتمويل الشق الاقتصادي من الخطة فقط، بكل كانت جزءا من اعداد الخطة نفسها، حيث كشفت صحف اسرائيلية أن سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة رون درمر يعملان، جنبا الى جنب، كمستشارين للفريق الامريكي. وفي مقال تحليلي، نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في يناير 2018، رفع المحلل السياسي والعسكري الشهير أليكس فيشمان، النقاب عن المستشارين الذين يعملون مع الفريق السياسي الأمريكي الذي يقوم بالإعداد لصفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي يطلق عليها اسم “صفقة القرن”. وأوضح فيشمان في مقال أن ثلاثة من خارج الإدارة الأمريكية يعملون مستشارين للفريق السياسي الأمريكي هم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة رون درمر.
ضغوط عربية وأمريكية
لم تواجه السلطة الفلسطينية ضغوطا من الإدارة الأمريكية، فحسب، بل مارست العواصم العربية الاربع، وخصوصا الرياض والقاهرة وأبوظبي، ضغوطا كثيفة على الفلسطينيين والأردنيين الذين تحفظوا على صفقة القرن، ففي تقرير نشره موقع العربي الجديد في 8 يناير 2018 بعيد اجتماع الوفد العربي الوزاري المصغر المكلف بمتابعة تداعيات القرار الأمريكي بشأن القدس، الذي عقد في الأردن، مارست مصر والسعودية ضغوطًا على الدول العربية لرفض أي مقترح لمواجهة قرار واشنطن بشأن القدس، مما دفع وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي إلى الامتناع عن المشاركة في المؤتمر الصحافي لعرض نتائج الاجتماع.
غير أن صفقة القرن، ومع كل هذا التآمر العربي، ومن دول رئيسية، لن تمر ولن يكتب لها النجاح، إذ تمثل تداعيات قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي العقبة الكبرى التي تؤدي لتعثر الخطة، والتي يشكل ولي العهد السعودي محورا رئيسيا في إنجاحها، حيث تعرض نفوذه الإقليمي والدولي الى ضربة كبيرة بسبب هذه القضية. كما أن العامل الأكثر هو الموقف الفلسطيني المدعوم بالرأي العام العربي والعالمي والرافض للخطة، والتي لا يمكن تمريرها دون موافقة أصحاب الحق.