"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

أزمةٌ دبلوماسيّةٌ غيرُ مسبوقةٍ: تصريحات نتنياهو وكاتس حول “تورّط” بولندا في الـ”محرقة” باتت كيدًا مُرتدًا… إلغاء قمّة “حلف فيشغراد” ووارسو تُطالِب تل أبيب بالاعتذار

 الناصرة – “رأي اليوم”  :

تُحاوِل إسرائيل الرسميّة في الآونة الأخيرة ربط كلّ تصريحٍ ينتقد سياستها العدوانيّة في الشرق الأوسط مع مُعاداة الساميّة، وهذا ما يفعله قادة الدولة العبريّة في الفترة الأخيرة، بدعمٍ من الإعلام العبريّ، لوأد كلّ محاولةٍ من أوروبا لانتقاد دولة الاحتلال، ولكن، على ما يبد، فإنّ هذا الـ”اختراع″ لم ينطلِ على بولندا وعلى عددٍ من دول القارّة العجوز، الأمر الذي أدّى لاندلاع أزمةٍ دبلوماسيّةٍ غيرُ مسبوقةٍ مع بولندا على هذه الخلفيّة، علمًا أنّ العديد من المُحلّلين في الإعلام العبريّ، شدّدّوا على أنّ افتعال الأزمة من قبل نتنياهو هدفه الوحيد المُحافظة على منصبه في رئاسة الوزراء، وتجيير الأزمة لجذب أصوات الناخبين اليمينيين أكثر إلى حزب (ليكود) الذي يترأسه.

وتناولت الصحف الإسرائيليّة الصادرة اليوم الثلاثاء إلغاء جمهورية التشيك مشاركتها في قمة “حلف فيشغراد” التي كان مزمعًا عقدها في مدينة القدس المحتلة اليوم الثلاثاء، وذلك في خطوة احتجاجية تضاف إلى إعلان بولندا عدم مشاركتها في القمة بسبب تصريحات عنصرية أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، ووزير الاستخبارات والنقل يسرائيل كاتس، والذي تمّ تعيينه قبل يومين وزيرًا للخارجيّة بالوكالة، اتهما فيها الشعب البولندي بـمساعدة النازيين إبان الحرب العالمية الثانية ضد اليهود، على حدّ قولهما.

ولفتت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، لفتت إلى أنّه كان من المقرر أنْ تستضيف إسرائيل اليوم مؤتمرًا يضمّ دول شرق أوروبا، التي تُعرف بـ”حلف فيشغراد”، ضمن مساعي نتنياهو الدبلوماسية إلى خرق وحدة الصف الأوروبيّ في الموقف من حلّ الدولتين، وعدم شرعية المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. لكن ما حصل أن نتنياهو وكاتس كررا خلال الأيام الماضية تصريحات اعتبرتها بولندا عنصرية.

وجاء إعلان التشيك انسحابها بعدما ألغى رئيس الوزراء البولندي، ماتياس مورافيسكي، مشاركة بلاده في القمة التي كانت ستضمّ كلّاً من بولندا، والتشيك، وهنغاريا، وسلوفاكيا، وذلك احتجاجًا منه على تصريحات كاتس حول دور البولنديين في المحرقة التي سبّبها النازيون لليهود. ورأى مورافيسكي أنّ كلام نتنياهو، الذي أدلى به قبل أيام في قمة وارسو، عنصري وغير مقبول، لهذا فإنّ وزير خارجيتنا، ياتسك شابوتوفيتش، لن يذهب إلى القمة، كما صرحّ لوسائل الإعلام.

أمّا في إسرائيل، فقد قُرئت تصريحات كلّ من نتنياهو وكاتس على أنها تندرج ضمن الحملة لانتخابات الكنيست المقرّرة في التاسع من شهر نيسان (أبريل) المقبل، إذ إنّه منذ اختير كاتس بالوكالة لمنصب القائم بأعمال وزارة الخارجية، كرّر في أكثر من مناسبة اتهام البولنديين بالتعاون مع النازيين. وفي واحد من تلك التصريحات قال: إنني ابن لناجين من الهولوكوست، لن ننسى أن بولنديين كُثراً تعاونوا مع النازيين في ذلك ضدنا، واقتبس في حديثٍ أدلى به للقناة الـ12 في التلفزيون العبريّ تصريحًا شهيرًا لإسحاق شامير (رئيس وزراء إسرائيليّ) قال فيه إنّ البولنديين رضعوا معاداة السامية في حليب أمهاتهم، على حدّ زعمه.

وتأتي هذه التطورات بعدما استدعت وزارة الخارجية البولندية، مرتين منذ الجمعة، السفيرة الإسرائيلية لديها، آنا أزاري، إلى جلسة توبيخ. وكانت الأزمة قد بدأت مع سؤال وجّهه مراسل صحيفة (جيروساليم بوست) الإسرائيليّة، الصادِرة باللغة الإنجليزيّة لنتنياهو خلال مؤتمر وارسو، حول الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين بولندا وإسرائيل الصيف الماضي، لإنهاء الجدل حول القانون البولندي الذي يُجرّم من يحمّل الأمّة البولندية جرائم المحرقة. وقد نُقل من طريق الخطأ أنّ نتنياهو اتهم جميع البولنديين بمساهمتهم في المحرقة ضدّ اليهود، الأمر الذي دفع ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيليّة إلى نفي أنْ يكون نتنياهو قد شمل في حديثه كل البولنديين، والتشديد على أنّه لم يستخدم (ال التعريف) في حديثه، بل قصد بعض البولنديين، كما جاء في البيان الصادر عن ديوانه.

يُشار إلى أن الخلاف حول “قانون المحرقة”، الذي يجرّم اتهام بولندا بالتعاون مع النازية في الحرب العالمية الثانية، تمّ حلّه بالتراضي، بعدما خفّفت وارسو من لغة التجريم. واتفق نتنياهو ونظيره البولنديّ في حينه على الإدلاء بتصريح مشترك أكّد دور المقاومة البولندية في مساعدة اليهود، وهو ما عرّض نتنياهو لانتقاداتٍ حادّةٍ من مؤرخين ومؤسسات في إسرائيل، من ضمنهم متحف “ياد فاشيم”، لموافقته على البيان الذي عدّه هؤلاء “تحريفًا للتاريخ”. وقالوا في بيان مشترك إنّ (الاتفاق) يتبنّى رواية بولندا غير الدقيقة حول المحرقة، ويبالغ في الجهود البولندية لإنقاذ اليهود. كذلك فإنه يقلّل من الفظائع التي ارتكبها البولنديون ضد اليهود، على حدّ تعبيرهم.

ورأى  المُحلّلون أنّ نتنياهو في مُحاولته لاستدرار عطف الناخبين في إسرائيل عن طريق اتهام بولندا ورطّ الدولة العبريّة في أزمةٍ دبلوماسيّةٍ مع الحليفة بولندا، التي أعلنت أنّها تُطالِب إسرائيل بالاعتذار عن تصريحات نتنياهو والوزير كاتس.