فى حديث قدسي يخاطب فيه الله تعالى نبيه محمد (صلى الله عليه وآله)
يا أحمد – أبغضِ الدنيا وأهلها ، وأحبّ الآخرة وأهلها
قال (ص) : يا ربّ ومَنْ أهل الدنيا ، ومَنْ أهل الآخرة ؟
قال : أهل الدنيا من كثُر أكله وضحكه ونومه وغضبه ، قليل الرضا ، لا يعتذر إلى مَنْ أساء إليه ، ولا يقبل معذرة من اعتذر إليه ، كسلان عند الطاعة ، شجاع عند المعصية ، أمله بعيد ، وأَجَله قريب ، لا يُحاسِب نفسه ، قليل المنفعة ، كثير الكلام ، قليل الخوف ، كثير الفرح عند الطعام ..
وإنّ أهل الدنيا لا يشكرون عند الرخاء ، ولا يصبرون عند البلاء ، كثير الناس عندهم قليل ، يحمدون أنفسهم بما لا يفعلون ، ويدعون بما ليس لهم ، ويتكلمون بما يتمّنون ، ويذكرون مساوي الناس ، ويُخفون حسناتهم ..
يا أحمد – إنّ أهل الخير وأهل الآخرة رقيقة وجوههم ، كثير حياؤهم ، قليل حُمقهم ، كثير نفعهم ، قليل مكرهم ، الناس منهم في راحة ، وأنفسهم منهم في تعب ، كلامهم موزون ، محاسبين لأنفسهم متعبين لها ، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، أعينهم باكية ، وقلوبهم ذاكرة ، إذا كُتب الناس من الغافلين كُتبوا من الذاكرين ، في أول النعمة يحمدون وفي آخرها يشكرون ، دعاؤهم عند الله مرفوع ، وكلامهم مسموع ، تفرح الملائكة بهم ، يدور دعاؤهم تحت الحُجْب ، يحبُّ الرب أن يسمع كلامهم كما تحب الوالدة ولدها ، ولا يشغلهم عن الله شيء طرفة عين ، ولا يريدون كثرة الطعام ولا كثرة الكلام ولا كثرة اللباس ، الناس عندهم موتى ، والله عندهم حيٌّ قيّوم كريم ، لا أرى في قلوبهم شغلا لمخلوق ..
فوعزتي وجلالي لأحيينهم حياة طيبة إذا فارقت أرواحهم من جسدهم ، لا أسلّط عليهم ملك الموت ، ولا يلي قبض روحهم غيري ، ولأفتحنّ لروحهم أبواب السماء كلها ، ولأرفعنّ الحجب كلها دوني ، ولآمرنّ الجنان فلتزيننّ ، والحور العين فلتزفنّ ، والملائكة فلتصلّينّ ، والأشجار فلتثمرنّ ، وثمار الجنّة فلتدلينّ ، ولآمرنّ ريحا من الرياح التي تحت العرش ، فلتحملنّ جبال من الكافور والمسك الأذفر ، فلتصيرنّ وقوداً من غير النار فلتدخلنّ به ، ولا يكون بيني وبين روحه ستر ، فأقول له عند قبض روحه :
مرحبا وأهلا بقدومك عليّ ، اصعد بالكرامة والبشرى والرحمة والرضوان ، وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبدا إنّ الله عنده أجر عظيم ، فلو رأيت الملائكة كيف يأخذ بها واحد ويعطيها الآخر …
▪ بحار الأنوار باب المواعظ والحكم