قال -صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلِّمْ-: « فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ».
ورد الحديث عن جماعة من الصحابة:
حديث ابن عباس مرفوعا:
يرويه الوليد بن مسلم، واختُلف عليه:
فرواه البخاري في التاريخ (3/308) -وعنه الترمذي (2681)- عن إبراهيم بن موسى، والطبراني في الكبير (11/78 رقم 11099) من طريق سليمان بن أحمد الواسطي، وابن عبدالبر في العلم (1/125 رقم 121) والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/121) وفي تلخيص المتشابه (2/643) من طريق محمد بن الوزير، ورواه ابن عدي (3/145) وابن ماسي في فوائده (29) وابن عبدالبر في العلم (1/126 رقم 122) والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/120) والشجري (1/49 و53) والسلفي في المشيخة البغدادية (26/258/أ) وابن عساكر (41/268) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/126) وعبد الغني المقدسي في نهاية المراد (106) من طريق علي بن بحر القطان، والآجري في أخلاق العلماء (24) من طريق عمرو بن عثمان، والشجري (1/48) من طريق هشام بن خالد الأزرق، ورواه ابن عدي (3/135) من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، والوليد بن عتبة، ومحمد بن هاشم، كلهم عن الوليد بن مسلم، نا رَوح بن جَناح، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا.
ورواه إبراهيم بن العلاء الحمصي عن الوليد بن مسلم به، وزاد فيه قصة طويلة، رواه عنه الفريابي في فوائده -آخر كتابه الصيام- (31) ومن طريقه ابن عساكر (18/230) والمزي في تهذيب الكمال (9/236)
وكذلك رواه عبدالرحمن بن يونس السراج عن الوليد، عند الفاكهي (1/182).
وداود بن رشيد عن ابن المنذر في الأوسط (1/135) والآجري في أخلاق العلماء (25).
فهؤلاء زيادة على عشرة رووه عن الوليد بهذا الإسناد.
ورواه هشام بن عمار، واختُلف عليه:
فقال ابن ماجه (222): ثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا روح به.
ورواه ابن حبان في المجروحين (1/300) عن ابن قتيبة، ورواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/120) والبيهقي في الشعب (4/344 رقم 1586 السلفية، 2/267 رقم 1715 العلمية) من طريق يزيد بن محمد بن عبدالصمد، ورواه الخطيب أيضا (1/121) من طريق إسماعيل بن عبدالله، كلهم عن هشام به.
وروه ابن عدي (3/145) عن الفضل بن عبد الله الأنطاكي، عن هشام وغيره عن الوليد.
ورواه ابن عبدالبر في العلم (1/127 رقم 123) من طريق يعقوب بن سفيان، نا هشام، عن الوليد، ولكن جعل شيخه مروان بن جناح أبوسعيد، وهذا أخو روح.
وهذا غير محفوظ، ومخالف لرواية الأكثر عن هشام، فضلا عن الوليد.
مخالفة أخرى:
ورواه ابن المقرئ في معجمه (953) -ومن طريقه الشجري (1/49) وابن عساكر (18/230) والضياء في المختارة (13/79) والمزي في تهذيب الكمال (9/237 وسقط عنده: ابن جريج)- ثنا عبدالله بن محمد بن سلم ببيت المقدس، حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، عن ابن جريج وروح بن جناح، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا.
فزاد في الإسناد ابن جريج، قال ابن عدي (3/145): وهذا رواه عن الوليد غير من ذكرت جماعة هكذا، إلا ابن سلم، فإنه حدثنا عن هشام بن عمار من أصل كتابه، فزاد في إسناده: عن ابن جريج [و]عن روح بن جناح، عن مجاهد، عن ابن عباس. وليس لابن جريج في إسناد هذا الحديث.
قلت: فهذه الرواية وهم لا أصل لها.
مخالفة أخرى:
قال الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/121): أنا أبومحمد عبدالله بن أبي الحسين بن بشران المعدل، أنا أبوجعفر محمد بن الحسن بن علي اليقطيني بانتقاء أبي الحسن الدارقطني، نا عمر بن سعيد بن سنان، نا هشام بن عمار، نا الوليد بن مسلم، نا روح بن جناح، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعا.
قال الدارقطني: كذا في أصل أبي جعفر هذا الحديث بهذا الإسناد وهذا المتن.
وحكم الدارقطني في العلل (9/132) على هذه الرواية بالوهم، وصوّب رواية الوليد، عن روح، عن مجاهد، عن ابن عباس. وكذا حكم الخطيب، وأسهب في بيان منشأ الوهم من اليقطيني، وكيف دخل عليه سند في متن، فليراجع كلامه من شاء، ونقله مختصرا ابن القيم في مفتاح دار السعادة (68).
مخالفة أخرى:
ورواه الطبراني في مسند الشاميين (2/161 رقم 1109) من طريق العباس بن الوليد، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا مروان بن جناح -بدل روح بن جناح.
وهذه الرواية غير محفوظة أيضاً، لمخالفة سائر الرواة عن الوليد في تسمية شيخه.
مخالفة أخرى:
ورواه العسكري في التصحيفات (كما في المقاصد الحسنة 864، ولم أجده في المطبوع) من طريق الوليد، نا راشد بن جناح، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا.
وهذا تصحيف، والمحفوظ المشهور: روح بن جناح.
• قلت: فالصواب من هذه الروايات رواية الوليد عن روح، عن مجاهد، عن ابن عباس.
ونص الترمذي أنه لا يعرفه إلا من حديث الوليد.
بينما نص البيهقي والمنذري في الترغيب (1/57) على تفرد روح بن جناح به.
وهذا الإسناد ضعيف جدًّا، فرَوحٌ واه، ونص أبونعيم وأبوسعيد النقاش أنه يروي عن مجاهد مناكير وموضوعات، وقد أنكر عليه الحفاظ حديثه هذا، ولم يعدّوه شيئاً.
وهذه طائفة من أقوالهم في الحديث:
قال الترمذي: هذا حديث غريب، ولا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الوليد بن مسلم.
وقال الساجي (كما في التهذيب 3/252): هذا حديث منكر.
وحكم ابن حبان بوضعه.
وقال ابن طاهر في معرفة التذكرة (525): منكر.
وقال ابن الجوزي في العلل: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم برفعه روح بن جناح.
وقال: هذا الحديث من كلام ابن عباس، إنما رفعه روح إما قصداً أو غلطاً.
وقال في منهاج القاصدين (1/20): لا يصح رفعه.
وعدّه ابن عدي وتبعه الذهبي في الميزان (2/58) من مناكير روح.
وقال الذهبي: هذا الحديث لو صح نصٌّ في الفقيه الذي تبصر في العلم ورقى في الاجتهاد وعمل بعلمه لا كفقيه اشتغل بمحض الدنيا. (نقله في فيض القدير 4/442).
وقال عنه ابن القيم في مفتاح دار السعادة (118): في ثبوته نظر.
وقال العراقي في تخريج الإحياء (29): سنده ضعيف.
وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (864): سنده ضعيف، لكنه يتأكد بالآخَر! -يعني حديث أبي هريرة، ويأتي أنه شديد الضعف كهذا!
وقال الألباني عن حديث ابن عباس: موضوع. (انظر: ضعيف الجامع 3987 وضعيف ابن ماجه 222 وانظر تمام المنة 115).
• ومع شدة ضعفه مرفوعا فقد رُوي من ثلاثة طرق موقوفاً:
الطريقة الأولى:
رواها أبوالشيخ ابن حيان في طبقات المحدثين بأصبهان (1/459) -وعنه أبونعيم في أخبار أصبهان (1/322)- بسند صحيح إلى أبي محمد الزحاف بن أبي الزحاف الأصبهاني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفا.
وهذا منكر، فالزحاف ترجمه أبو الشيخ وأبونعيم في الموضعين السابقين -وعنهما الذهبي في تاريخ الإسلام (14/159)- ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، إلا أنهما ذكرا عن محمد بن عاصم أنه كتب عن جعفر [بن محمد] بن الزحاف، عن أبيه، [عن جده]، عن ابن جريج أربعة آلاف حديث!
ونقل في الميزان (3/548) عن ابن منده: أن محمد بن الزحاف عن أبيه عن ابن جريج حدّث بمناكير. ولم أجد للزحاف ترجمة في مكان آخر.
الطريقة الثانية:
رواها أبونعيم في الحلية (9/57 وهو في تقريب البغية 1/116)، من طريق عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي حرة واصل بن عبد الرحمن، عن سليمان الدمشقي، عن ابن عباس، قال: “قال إبليس: لعالم واحد أشد عليَّ من ألف عابد، إن العابد يعبد الله وحده، وإن العالم يعلّم الناس حتى يكونوا علماء”.
قلت هذا موقوف، وسنده حسن إلى سليمان الدمشقي، لكني لم أهتد له، ومن الدمشقيين سليمان بن حبيب القاضي وسليمان بن موسى الأشدق، أدركا صغار الصحابة، لكن لم يذكروا لهما رواية عن ابن عباس، ولا رواية لأبي حرة عنهما.
الطريقة الثالثة:
رواها ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/127) وفي منهاج القاصدين (1/20) من طريق نعيم بن حماد، نا خارجة بن مصعب، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عباس موقوفا.
قلت: خارجة متروك، ونعيم فيه ضعف.
وعلى هذه الرواية اعتمد ابن الجوزي في جعل أصل الحديث موقوفا.
حديث أبي هريرة، وله عنه طرق:
الطريقة الأولى:
بلفظ: “ما عُبد الله بشيء أفضل من فقه في دين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، ولكل شيء عماد، وعماد هذا الدين الفقه”.
رواه ابن منيع في مسنده (كما في المطالب العالية 12/713) والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1/27/ب الأصل 19، و3/144/أ الأصل 263) والطبراني في الأوسط (6/194 رقم 6166) والآجري في أخلاق العلماء (23) والدارقطني (3/79) وأبونعيم في الحلية (2/192) وفي رياضة المتعلمين (كما في المقاصد الحسنة 864) والقضاعي (1/150) والبيهقي في الشعب (4/341 رقم 1584 السلفية، 2/266 رقم 1712 العلمية) والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/123) وفي الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع (2/110) والشجري (1/41) والسمعاني في أدب الإملاء (69) وابن عساكر (51/186) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/127)
كلهم من طريق يزيد بن عياض، عن صفوان بن سليم، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة.
وعند بعضهم تفاوت وقف ورفع بعض أجزائه.
وعزاه في الدر المنثور للمرهبي في فضل العلم، وعزاه في الكنز (28768) لابن حبان.
ونص الطبراني وأبونعيم على تفرد يزيد بن عياض به، وهذا متروك، وكذّبه غير واحد.
وقال البيهقي بعد أن أخرجه: يزيد بن عياض ضعيف في الحديث.
وقال ابن الجوزي: لا يصح.
وضعفه ابن القيم في مفتاح دار السعادة (69).
وقال العراقي في تخريج الإحياء (29): إسناده ضعيف.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/121): فيه يزيد بن عياض، وهو كذاب.
وقال السخاوي: سنده ضعيف.
وقال الألباني في ضعيف الترغيب (1/51 رقم 67 وبمعناه في الضعيفة 6912): موضوع، في سنده كذاب.
الطريقة الثانية:
رواها الخطيب (2/402) -ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/127)- من طريق خلف بن محمد، عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم به مرفوعا بلفظ: “إن لكل شيء دعامة، ودعامة هذا الدين الفقه، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد”.
وهذا موضوع، فخلف بن يحيى كذّبه أبو حاتم، وإبراهيم متروك.
قال ابن الجوزي: هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأعله بهما.
الطريقة الثالثة:
رواها ابن عدي (1/378) -ومن طريقه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/123) والبيهقي في الشعب (4/345 رقم 1587 السلفية، 2/267 رقم 1716 العلمية) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/127)- من طريق أبي الربيع السمان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
ونص ابن عدي والبيهقي على تفرد أبي الربيع به، ونص ابن عدي على أنه من أنكر ما روى.
وأبوالربيع متروك، وبه أعله ابن طاهر في ذخيرة الحفاظ (4485)، وابن الجوزي.
الطريقة الرابعة:
رواية روح بن جناح عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، وتقدم الكلام عليها ضمن حديث ابن عباس، وأن الإسناد وهم لا أصل له، وأن المحفوظ رواية روح عن مجاهد عن ابن عباس.
الطريقة الخامسة:
رواها ابن عبدالبر في العلم (1/127 رقم 124) من طريق ابن السكن، قال: ثنا الحسين بن الحسن أبوعلي البزاز ببخارى، ثنا عبيد بن واصل البيكندي، ثنا الحسن بن الحارث البيكندي، ثنا عثمان بن مخارق الكوفي، وأثنى عليه خيرا، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: هذا غريب، وسنده مظلم جدا، فيه جماعة على نسق لم أجد لهم ترجمة، ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نسخة معروفة، فتفرد المجاهيل بحديث عنها منكر.
حديث ابن مسعود:
ولفظه: “والذي نفس محمد بيده لَعالم واحد أشد على إبليس من ألف عابد، لأن العابد لنفسه، والعالم لغيره”.
عزاه في الكنز (28908) لابن النجار، ونقل عن السيوطي إعلاله بقوله: فيه عمرو بن الحصين.
قلت: وهو متهم بالكذب.
وقال السخاوي في المقاصد (864): وفي الديلمي بلا سند عن ابن مسعود رفعه: “لعالم واحد أشد على إبليس من عشرين عابدا”.
وما دام بلا سند فهو كعدمه، ولعل أصله ما ورد في السند قبله.
حديث أنس:
ذكر ابن حجر في تسديد القوس (كما في حاشية الفردوس للديلمي 3/174 الزمرلي) أن الحديث في نسخة سمعان بن المهدي عن أنس، وفيه قصة.
ورواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/106) من طريق هذه النسخة، وهي من رواية محمد بن مقاتل الرازي، عن جعفر بن هارون الواسطي، عن سمعان به.
وقال ابن عساكر في معجم الشيوخ (رقم 159): إن إسناد النسخة باطل، وفيه غير واحد من المجهولين. وقال الذهبي في الميزان (2/234)عن سمعان: حيوان لا يُعرف، أُلصقت به نسخة مكذوبة، رأيتُها، قبَّح الله من وضعها. وقال ابن حجر في اللسان (3/114): إن أكثر متون النسخة موضوعة.
وجعفر مجهول روى حديثا كذب، وابن مقاتل ضعيف، وقال عنه البخاري: لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أروي عن محمد بن مقاتل الرازي.
وانظر بعض الإحالات حول النسخة في معرفة النسخ والصحف الحديثية (رقم 114 ص165).
وحديث أنس هذا قال عنه ابن القيم في مفتاح دار السعادة (118): في ثبوته نظر.
حديث عمر بن الخطاب:
رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/124) والنسفي في أخبار سمرقند (459) من طريق محمد بن خلف المروزي، نا سلم بن المغيرة الأزدي، ثنا أبوبكر بن أبي عياش، عن عاصم، عن زر، عن عمر مرفوعا بلفظ: “إن الفقيه أشد على الشيطان من ألف وَرِع، وألفِ مجتهد، وألف متعبد”.
وهذا غريب سندا ومتنا، سلم بن المغيرة ضعفه الدارقطني (انظر: تاريخ بغداد 9/147 واللسان 3/65)، ويظهر أن ضعفه ليس يسيرا، لأني رأيته انفرد بإسنادين جليلين: أحدهما عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه، والآخر عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وهو علتهما (في المصدرين السابقين)، فضلا عن هذا الإسناد المعروف، فكأنه على قلة حديثه ينفرد عن المشاهير بالمناكير.
وأخشى أن يكون الراوي دخل عليه حديث أبي بكر بن عياش، عن سعد الإسكاف عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر قال: “موت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا”. رواه البيهقي في الشعب (4/344)، ورواه أبونعيم (3/183) من طريق أخرى إلى ابن عياش، عن الإسكاف، عن أبي جعفر، دون ذكر ابن خربوذ.
والحاصل أن هذا السند منكر شديد الضعف، وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (69): إسناده فيه من لا يحتج به، والله أعلم.
وثمة رواية أوردها الحارث بن أبي أسامة في مسنده (851 زوائده)، عن عمر أنه قال: “لَمَوتُ ألفِ عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت عاقل عقل عن الله أمره، فعلم ما أحل الله له وما حرم عليه، فانتفع بعلمه، وانتفع الناس به، وإن كان لا يزيد على الفرائض التي فرض الله عز وجل عليه كثير زيادة. وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم”.
قلت: هذا موضوع، وعلته شيخ الحارث: داود بن المحبر الكذاب، وقال ابن حجر في المطالب العالية (13/725) بعد أورد معه أحاديث مثله: هذه الأحاديث من كتاب العقل لداود بن المحبّر كلها موضوعة.
حديث علي بن أبي طالب:
وهو شاهد قاصر، ولفظه: “المتقون سادة، والفقهاء قادة، والجلوس إليهم زيادة، وعالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد”.
عزاه في كنز العمال (5654) للخليلي، وساق سنده الرافعي في تاريخ قزوين (2/47 وفيه تحريف)، من طريق محمد بن إسماعيل بن [إبراهيم] بن موسى بن جعفر، ثنا عم أبي [الحسين] بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي مرفوعا.
وهذه نسخة لم أهتد لكلامٍ فيها لمتقدم، ولا أشك أنها موضوعة، ومن أنكر ما فيها رواية محمد بن إسماعيل عن عمه عن آبائه مرفوعا: “يا علي تعلم القرآن وعلّمه الناس، فإن متَّ حجَّت الملائكةُ إلى قبرك كما تحج الناس إلى البيت العتيق”! (مسند الفردوس 128/ب، كما في مسند علي لأوزبك 2/716 وانظر من من أحاديث النسخة فيه: 2/687-688 و712 و717 و718 وكلها مناكير لا يتابع عليها محمد).
وقال الألباني في الضعيفة (3273): هذا إسناد ضعيف مظلم، ومتن منكر موضوع، مَن دون موسى بن جعفر بن محمد لم أعرفهم. وقال نحوه في (8/312).
• أما الشطر الأخير من الحديث -وهو محل الشاهد- فقد عزاه في تسديد القوس (بحاشية الفردوس 3/69 الزمرلي) وفي كنز العمال (28723) للديلمي عن علي.
وساق طرف إسناده الألباني في الضعيفة (3850): عن عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعا.
وقال المناوي في فيض القدير (4/299): فيه عمرو بن جميع، قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: متهم بالوضع.
وحكم بوضعه أحمد الغماري في المداوي (4/436)، والألباني في ضعيف الجامع (3673) وفي الضعيفة (3850)، ونحوه (3273).
قول أبي جعفر محمد بن علي:
جاء في نسخة من الحلية لأبي نعيم (3/183): من طريق مندل وحبان ابني علي، عن سعد بن طريف الإسكاف، عن أبي جعفر.
مندل وأخوه ضعيفان، والإسكاف رافضي كذاب، وقد مرّ قريباً أنه رُوي عن أبي جعفر من وجهين آخرين موضوعين، كما تقدم من وجه ثالث ضمن الكلام على حديث عمر بن الخطاب.
وهذا الأثر ضعفه الألباني في الضعيفة (8/312).
• فخلاصة القول أن الحديث شديد الضعف من جميع طرقه المرفوعة، ولا يتقوى بطرقه، وأن أمثل ما جاء فيه عن ابن عباس بسند ضعيف موقوفاً، والله أعلم.
وقال أبوبكر ابن العربي في سراج المريدين (الاسم التاسع والعشرين منه، كما في المداوي 4/571): لا يصح في فضل العالم على العابد حديثٌ أصلا.
وانظر للفائدة: الأحاديث المعلة في الحلية للدكتور ناصر البابطين (1/502-531).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/51030/#ixzz5eC1a13Uo