"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

«فاينانشال تايمز»: بين إسلاموية السعودية وإيران.. من يعيد تشكيل الشرق الأوسط؟

سيطر التنافس بين النظامين السعودي والإيراني على الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط طوال السنوات الماضية. وبينما يمكن أن يُفسَّر ذلك التنافس في إطار الصراعات الجيوسياسية والطائفية في المنطقة، ترى كاترينا دالاكورا، الأستاذة المشاركة في كلية لندن للاقتصاد، أنَّ هناك إطارًا ثالثًا يمكن من خلاله النظر إلى ذلك الصراع، وهو الصراع الأيديولوجي بين نموذجين من نماذج الإسلاموية، نموذج التغيير من أعلى لأسفل، ومن أسفل لأعلى.

توضح كاترينا في مقالٍ كتبته لصحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أنَّ الحروب الأهلية في اليمن وسوريا وليبيا منذ 2011 حوَّلت تلك البلاد بشكلٍ حتميٍ إلى ساحاتٍ تسعى داخلها القوى الإقليمية لتحقيق مصالحها الخاصة، لكنَّها تعتقد أنَّ النهاية أصبحت وشيكةً بالنسبة لحربي اليمن وسوريا على الأقل. وتشير إلى أنَّ فهم التطورات المحتملة لتلك الصراعات الإقليمية وتأثيراتها على الأنظمة السياسية التي ستنتج في البلدين يحتاج إلى أن نأخذ في الاعتبار هذا الصراع الأيديولوجي داخل تيار الإسلاموية، الذي لا يدركه الكثيرون.

العسكرية

بحسب كاترينا، نموذج الإسلاموية الذي ينتهج التغيير من أعلى لأسفل هو النموذج الخاص بالمملكة العربية السعودية، الدولة التي تُدار وفقًا لمعاهدةٍ بين العائلة الملكية السعودية والمؤسسة الدينية الوهابية منذ تأسيسها عام 1932، وحتى في الدول الأولية التي سبقتها. إذ تمتزج السياسات السعودية والمجتمع السعودي بالدين، لكنَّها إسلامويةٌ يتحكَّم فيها النظام، الذي يُحدِّد طبيعة المحتوى الديني داخل المؤسسات السياسية والمبادئ القانونية والأعراف الاجتماعية.

يواجه هذا النموذج السعودي وفقًا لكاترينا تحدِّيًا من نموذج الإسلاموية من أسفل لأعلى، الذي يستمد سلطته من التعبئة الجماهيرية، والتي تأتي في أشكالٍ عديدة.

ففي عام 1979، اتَّخذت الثورة الإيرانية طابعًا إسلامويًا وهاجمت الأيديولوجية الوهابية السعودية. وينطبق هذا النموذج أيضًا بصورةٍ أخرى على جماعة الإخوان المسلمين، وهي إحدى خصوم النظام السعودي، وترى إصلاح الفرد بمثابة حجر الأساس لبناء مجتمعٍ إسلامويٍ ودولةٍ إسلامية.

ووفقًا لهذا النموذج، ينجذب «الشعب» فطريًا إلى الإسلام في حال مُنِحَ حرية التعبير عن تفضيلاته السياسية. ولهذا فضَّلت مؤسسات الإخوان الانتخابات على أمل أنَّ الناخبين سيدفعونها إلى السلطة.

وترى كاترينا أنَّ وجهة النظر هذه، التي تتخيَّل وجود رابطٍ جوهريٍ بين الشعب والإسلام، تمثل خيطًا مشتركًا يربط بين الإخوان (والمنظمات المستوحاة من الإخوان في مصر وتونس وغزة) وحزب العدالة والتنمية التركي. إذ تستمد تلك المنظمات شرعيتها من القبول الشعبي، وتزعم أنَّها ممثِّلةٌ للشعوب، وهي نفس مزاعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله المدعوم من إيران وحلفائهم.

وتشير كاترينا إلى أنَّه لدراسة التطور المحتمل لهذا الصراع الإسلاموي عام 2019 وتشكِّيله لمستقبل سياسات المنطقة، هناك عددٌ من الأسئلة التي لا داعي للبحث عن إجابتها. إذ أنَّها لا ترى جدوى مثلًا للتساؤل عن مدى قرب النموذجين للإسلام الحقيقي، فهي لا ترى أنَّ هناك إجابةً عن سؤالٍ من هذا القبيل. فكلا النموذجين مدعومٌ بالنصوص والسنن الدينية، ومساعدة علماء الدين على الجانبين. وتضيف أنَّ التساؤل عن النموذج الأكثر اعتدالًا هو أيضًا تساؤلٌ سطحي. إذ لا يوجد بينهما نموذج مُعتدلٌ بطبعه، ويُمكن أن يُؤدِّي أيٌ منهما إلى التطرُّف وتوظيف تكتيكات العنف أو رفضها بالقدر نفسه.

ولا تعتبر كاترينا أيًا من النموذجين مُساعدًا على تحقيق الديمقراطية الليبرالية، التي سيكون تطبيقها ضروريًا حسبما ترى لحل أزمة الحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا، وتحرير الشرق الأوسط من مأزقه السياسي الحالي.

فالنموذج المبني على التغيير من أسفل لأعلى يمكن أن يؤدي إلى الديمقراطية، لكنَّ سياسة الأغلبية قد تُؤدي من المنطلق نفسه إلى سياسات سلطويةٍ شعبويةٍ. أمَّا إصلاحات نموذج التغيير من أعلى لأسفل، التي نفَّذها النظام السعودي تحت إدارة ولي العهد محمد بن سلمان، فأدت إلى تحديث بعض مجالات الحياة العامة ومنحت الشعب قليلًا من حقوقه، ولكنها حقوقٌ سمح بها النظام مرغمًا.

وتخلص كاترينا إلى أنَّ مُؤيِّدي هذه الأيديولوجيات الإسلاموية المتنافسة سيواصلون صراعهم، لكن لن يقترب أيٌ من الطرفين من قيم الحرية والتسامح والمساءلة التي تحتاجها المنطقة بشدة.