«ناشيونال إنترست»: ماذا نعرف عن خطوات أمريكا السرية لتغيير الأنظمة في العالم؟
قال جيرود لابر في مقال له على موقع «ناشيونال إنترست»: إن بيل كريستول المحرر السابق في مجلة «ستاندارد» الأسبوعية قد أثار جدلًا في أواخر عام 2018، عندما اقترح على تويتر أن تغيير النظام في الصين يجب أن يكون أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية، في العقود المقبلة. وقد تسبب هذا التصريح الاستفزازي في انفجار نقاش جاد، إذ انبرى العشرات، سواء على تويتر أو في أي مكان آخر، للرد عليه.
Shouldn’t an important U.S. foreign policy goal of the next couple of decades be regime change in China? https://t.co/TpFODNTwQZ
— Bill Kristol (@BillKristol) November 23, 2018
وأوضح لابر أن كريستول سارع إلى توضيح ما كان يقصده في تغريدة طويلة، قائلًا: إن «قضية تغيير النظام لا ينبغي أن تكون مثيرة للجدل حقًّا. لقد دافعت الولايات المتحدة دائمًا عن فكرة أن كل الناس في كل مكان يستحقون أن يكونوا أحرارًا». وتابع قائلًا: «نادرًا ما نستخدم القوة العسكرية. وأعتقد أن جعل الحرية غاية، وفتح نقاش صريح حول الوسائل اللازمة لتحقيقها، سيخدم الأمة خدمة جيدة».
1. A short thread on regime change
Yesterday I asked “Shouldn’t an important U.S. foreign policy goal of the next couple of decades be regime change in China?” The question implies that I think the right answer is Yes. I gather there’s been a bit of a reaction to this suggestion.— Bill Kristol (@BillKristol) November 24, 2018
إن أي نقاش حول مزايا تغيير النظام وعيوبه، كونه أداة مشروعة للسياسة الخارجية، يجب أن يبدأ بكتاب ليندسي أورورك الجديد الرائع «تغيير النظام سرًّا: الحرب الباردة الأمريكية السرية». ليندسي هي أستاذة مساعدة للعلوم السياسية في كلية بوسطن، وكتابها هو البداية المثالية للمناقشة التي دعا إليها كريستول. تطور ليندسي نظرية عن تغيير النظام، وتوضح بدقة تفاصيل جهود تغيير النظم التي قامت بها أمريكا خلال الحرب الباردة. إن ما توصلت إليه يشير إلى أن الحماس لفكرة تغيير الأنظمة ليس في محله.
تجيب ليندسي عن سؤالين أساسيين حول تغيير النظام -يشير لابر- وهما: لماذا تحاول الدول ذلك، مثلما فعلت الولايات المتحدة 64 مرة بين عامي 1947- 1989؟ وما مدى فعالية ذلك في تحقيق أهدافه المعلنة؟ لقد قدم النقاد والعلماء العديد من النظريات المتضاربة على مر السنين لسبب استخدام الولايات المتحدة إجراءات علنية لإطاحة نظام معين، لكن هذا لم يكن كافيًا بالنسبة إلى ليندسي عندما يتعلق الأمر أيضًا بسجل الولايات المتحدة السري.
قوات حماية طرابلس- ليبيا- يناير (كانون الثاني) 2019
أوضحت ليندسي وجهة نظرها حول تغيير الأنظمة قائلة: «تقوم الدول بتغييرات سرية وعلنية في النظم لزيادة أمنها وأمن حلفائها». لكن هذا ليس سوى جزء من المعادلة.
هناك العديد من الإجراءات المختلفة التي يمكن أن تتخذها الدولة عندما تجد نفسها في نزاع مع دولة أخرى، مثل الحرب المباشرة. ومع ذلك -يستدرك لابر- فإن التغيير في النظام يحمل نداءً فريدًا من حيث كونه «يوفر إمكانية تغيير المرجعيات الأساسية لحكومة أجنبية». وحتى تحتفظ الدولة بنفوذها على الدول الأخرى، فإن تثبيت حكومة تشاركها المصالح يقدم حلًّا دائمًا.
إن معظم الخلافات بين الدول لا تنتهي بتغيير النظام. إذ تؤكد ليندسي أن ثمة شرطين ضروريين، ولكن ليسا كافيين دائمًا، يجب أن يتوافرا حتى يفكر صانعو السياسة في إطاحة الحكومة القائمة. الأول هو أن النزاع «يجب أن يقوم على تعارض شديد في مصالح الأمن القومي للدولتين». إن أكثر أسباب تغيير النظام شيوعًا تشمل طلب الدولة المتدخلة شيئًا يهدد سلطة الحزب الحاكم. وهذا يمكن أن يؤدي إلى اعتقاد صانعي السياسة في الدولة المتدخلة بأن «تغيير النظام هو الطريقة الوحيدة لكسر الجمود السياسي بين الدولتين». أما الشرط الثاني فهو أن الدولة المتدخلة يجب أن تكون قادرة على إيجاد بديل معقول للحكومة التي تحاول إسقاطها.
هناك أيضًا خيار السرية مقابل العمل الصريح، كما يؤكد لابر. وفقًا لليندسي، اختارت الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة إجراءات سرية بدلًا من العلنية بنسبة 10 إلى واحد؛ لأنها أقل تكلفة. «يقلل العمل السري من التكاليف العسكرية والاقتصادية المحتملة للمهمة؛ لأن نواة العمل السري هو الإنكار»، إذ يمكن للدولة المتدخلة محاولة إخفاء دورها في العملية.
لكن السؤال الأهم الذي يطرحه لابر هو: ما مدى فعالية تغيير النظام بطرق سرية؟ عمليًّا، حقق الأمر نجاحًا نسبيًّا. فقد نجحت الجهود السرية للولايات المتحدة بنسبة 39% في استبدال النظام المستهدف. لكن الهدف النهائي لتغيير النظام ليس مجرد تغيير رأس الدولة، بل هو توافق طويل الأمد بين المصالح الاستراتيجية للدولتين. وبناءً على ذلك، يحمل التاريخ نتائج سلبية. كتبت ليندسي تقول: «نادرًا ما كانت التغييرات السرية في النظام ناجعة على النحو المنشود. فخلافًا لتوقعات صانعي السياسة، فإن تغيير مرجعيات حكومة أجنبية يتطلب أكثر من مجرد تغيير القيادة السياسية للدولة».
جانب من الدمار الذي خلفه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق- الموصل- يناير 2019
هذا لأن الظروف السياسية التي تسببت في خلاف بين الولايات المتحدة والبلد المستهدف لا تختفي عندما يستولي النظام الجديد على السلطة. كانت الأنظمة العميلة للولايات المتحدة تعتبر دمى يتم إسقاطها في نهاية المطاف. بالنسبة إلى الدول التي فشل فيها الإجراء السري، أصبحت العلاقة المتوترة أصلًا أسوأ «لأن معظم عمليات التغيير الخفية للنظام لا تبقى سرية».
لقد جعل كتاب ليندسي فكرة تغيير النظام مثيرة للجدل للغاية، كما ينوه لابر. إنه عمل مهم ومكتوب كتابة جيدة، من شأنه أن يثري النقاشات حول السياسة الخارجية، خاصة في أعقاب ما حدث في كل من العراق وليبيا، حيث يمكننا أن نرى بجلاء أن القوة التدميرية لتغيير النظام قد حدثت بشكل خاطئ.
كما أن التغيير السري للأنظمة يُبشر بجدال آخر احتدم في عالم السياسة الخارجية، منذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب، حول النظام الدولي الليبرالي لما بعد 1945 بقيادة الولايات المتحدة. وبدون إعادة صياغة هذا النقاش المكثف، يُظهر كتاب ليندسي أنه يمكننا تبديد هذا المفهوم بأنه نظام «ليبرالي». ربما كان هناك نظام عالمي بقيادة الولايات المتحدة مفيد للعالم أجمع، ولكن لا شيء ليبرالي في أكثر من 15 محاولة لإطاحة حكومة بلد آخر سرًّا.
يختتم لابر بالقول: لا شيء ليبرالي في جعل الدول عرضة للحرب الأهلية وعمليات القتل الجماعي، التي تؤكد ليندسي أورورك أن خطرها يزيد في الدول التي تستهدفها الولايات المتحدة من أجل تغيير النظام فيها. لا يوجد شيء ليبرالي يتعلق لدعم النازيين ومجرمي الحرب الآخرين، كما فعلت الولايات المتحدة في ألبانيا في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، بوصفه جزءًا من الجهود الرامية إلى إطاحة الأنظمة المدعومة من الاتحاد السوفيتي.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».