القاهرة- عربي21
اعتقلت قوات الأمن المصري، فجر الثلاثاء، العضو المؤسس بالحركة المدنية الديمقراطية والمتحدث الرسمي السابق باسمها، يحيى حسين عبدالهادي، دون معرفة الاتهامات الموجهة له حتى الآن، وذلك بعد يومين من اعتقال خمسة من المصريين الشباب النشطاء بثورة يناير.
من جهته، علق المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، على واقعة الاعتقال بقوله: “يا أيها المصري الجسور الأصيل الشجاع النبيل النقي التقي العفيف الشريف أنت أقوى من سجانك. لك ولشعبنا الحرية والنصر ولو بعد حين. الحرية ليحيى حسين عبدالهادي. الحرية لسجناء الرأي. الحرية لمصر”.
وقال رئيس حزب الدستور، خالد داود، إن عبدالهادي “من أكثر الشخصيات وطنية وإخلاصا لثورة يناير، وله باع طويل في مكافحة الفساد منذ عهد الرئيس المخلوع مبارك، وكان مديرا لمعهد إعداد القادة وضابطا سابقا في القوات المسلحة”.
اقرأ أيضا: ماكرون من القاهرة: حقوق الإنسان في مصر أسوأ من عهد مبارك
وأكد الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية، طارق الزمر، أن “اعتقال المهندس يحيى حسين هو جريمة جديدة يرتكبها السيسي بحق أصحاب الأقلام والمدافعين عن حق شعب مصر في الحياة الحرة الكريمة. ما أكثر رعب المستبدين من الكلمة، وما أسوأ الطغاة حين يواجهون الرأي بالقمع”.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أخلت نيابة مدينة نصر بالقاهرة سبيل يحيى حسين عبد الهادي بضمان مالي قدره عشرة آلاف جنيه، بعد توجيه اتهامات له بإهانة رئيس الجمهورية، ونشر أنباء من شأنها تكدير الأمن العام.
وتخرج عبد الهادي من الكلية الفنية العسكرية عام 1977، وخدم ضابطا مهندسا في الجيش المصري حتى عام 1992، وبعد خروجه من القوات المسلحة شارك في تأسيس مركز إعداد القادة، الذي كان تابعا في بدايته لرئاسة الوزراء، ثم انتقلت تبعيّته لوزارة الاستثمار، وأصبح مديرا للمركز ووكيلا لوزارة الاستثمار عام 2004.
وعُرف يحيى حسين عبدالهادي بدفاعه عن الآلاف من معتقلي الرأي، فضلا عن تصديه للقضايا الوطنية ومن أشهرها قضية شركة عمر أفندي وإعادتها للدولة بعد محاولات بيعها من الحكومة المصرية.
واختاره المفكر الراحل وأحد مؤسسي حركة كفاية، عبد الوهاب المسيري، ليكون ضمن اللجنة التنسيقية للحركة، حيث وجد فيه شخصية شعبية تتصدى لعمليات البيع لأصول الشركات مناهضا للخصخصة، ولذلك تم اختياره ليقود الحركة الشعبية “لا لبيع مصر” مع أبو الصناعة المصرية الوطنية الراحل عزيز صدقي.
كان آخرَ مقالات عبدالهادي مقالٌ بعنوان “أَتَعلَمُ أَمْ أَنْتَ لا تَعلَمُ؟”، وتحدث عن الانتهاكات داخل السجون المصرية، وأحوال المعتقلين، وكيف يتم التنكيل بهم وحجب أبسط حقوقهم الإنسانية.
اقرأ أيضا: لماذا يتجه السيسي للتنكيل باليسار الآن بعد الإخوان؟
وكانت الحركة المدنية الديمقراطية قد أدانت ما وصفته بأعمال الترويع والتنكيل المستمر بثوار يناير، بعدما اعتقلت سلطات الأمن خمسة من شباب نشطاء الثورة، في أعقاب احتفالية فنية ثقافية نظمها الأحد الماضي، حزبا تيار الكرامة والتحالف الشعبي بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة يناير.
وأوضحت أنه تم اعتقال “مهاب الإبراشي، وخالد محمود، وخالد البسيوني (نجل أمين عام حزب تيار الكرامة محمد البسيوني)، وجمال عبد الفتاح، وعضو المكتب السياسي لحزب تيار الكرامة عبد العزيز فضالي”.
وأكدت الحركة أنها تدين بشدة “أعمال القبض والعدوان على حريات المواطنين دون أي مبرر أو سند من قانون”، مطالبة بالإفصاح فورا عن أماكن تواجدهم، ثم الإفراج الفوري عنهم والكف عن إثارة الذعر والتنكيل بثوار يناير وذويهم.
وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر 2017، أعلنت ثمانية أحزاب سياسية و150 شخصية عامة في مصر تأسيس “الحركة المدنية الديمقراطية” لمواجهة ما سموه “التدهور الشديد في الأوضاع بالبلاد، مع غياب شبه تام للعدالة الاجتماعية”، داعين الشعب المصري إلى العمل معهم من أجل الخروج من ما وصفوه بـ”النفق الكارثي المظلم” الذي تسببت فيه سياسات وممارسات النظام.
وضمت وثيقة إعلان مبادئ الحركة 11 هدفا ومطلبا، منها ضرورة “فتح مجال العمل العام، وخلق حراك سياسي، ومواجهة تدهور اقتصادي وسياسي وأمني في البلاد”.
عربي 21
لماذا يتجه السيسي للتنكيل باليسار الآن بعد الإخوان؟
اعتقلت قوات أمن الانقلاب بعض النشطاء اليساريين والأعضاء بحزب “الكرامة”، الاثنين، وتم اقتيادهم لمكان غير معلوم، وذلك بعد يوم واحد من مشاركتهم باحتفال الحزب بالذكرى الثامنة لثورة 25 يناير.
وقالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إن “قوات الأمن مستمرة بدهس الدستور والقانون، عبر التوسع بالحملات البوليسية، التي كان ضحاياها الأخيرة القبض على الطبيب اليساري جمال عبد الفتاح، -للمرة الثانية- والمحامي مهاب الإبراشي، والنشطاء خالد بسيوني، وخالد محمود، ومصطفى فقير، فجر اليوم، واقتيادهم لمكان غير معلوم”.
وربطت الشبكة الحقوقية بين حملة الاعتقال تلك وبين مشاركة هؤلاء النشطاء باحتفال نظمه حزب الكرامة احتفالا بالذكرى الثامنة لثورة 25 يناير بمنطقة الدقي بالجيزة، الذي حاصرته قوات الأمن، وقامت باحتجاز المشاركين فيه، وتصوير بطاقاتهم الشخصية قبل المغادرة.
وعبر صفحته الشخصية، نشر الناشط اليساري كمال خليل أسماء معتقلي اليسار وقال: “بالأمس قامت حملة بوليسية، تم فيها اعتقال المناضل الاشتراكي الدكتور جمال عبد الفتاح، وعدد من القيادات الشابة، أبرزهم عضو المكتب السياسي بحزب تيار الكرامة عبد العزيز الفضالي، وأعضاء الحزب خالد بسيوني، وخالد محمود، ومهاب الأبراشي، ومصطفى فقير (مستقل)”.
الحملة الأمنية ضد اليسار تدعو للتساؤل حول أسباب توجه النظام للتنكيل باليسار المصري الآن، وهل الأمر مرتبط فقط بذكرى ثورة يناير أم تستمر الاعتقالات.
خفض درجة الممانعة
وفي إجابته، قال الكاتب الصحفي جمال الجمل، إن “حملة اعتقالات المحتفلين بثورة يناير ليست جديدة من حيث الأسلوب، فهي استمرار للقمع الأمني، واستهداف نشطاء الكرامة والتحالف الشعبي تحديدا ينطلق من خبرة أمنية تعتمد على الحراك المعارض للتنازل عن (تيران وصنافير)، حيث يمثل المقبوض عليهم علامة بارزة بالحراك الميداني والمظاهرات الصغيرة التي أزعجت النظام كرد فعل على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية وما تلاها، وبعضهم سجن لهذا السبب”.
الجمل أكد لـ”عربي21“، أن “ما يهمنا اليوم هو المؤشر الذي تشير إليه حملة الاعتقال، وهو خفض درجة الممانعة لمحاولات تعديل الدستور، والتي يمثل حزب الكرامة والمتحالفون معه نقطة مركزية بهذا الاتجاه، بعد البيان القوي لـ”الحركة المدنية”، بما تضمه من أحزاب”.
وأضاف: “وبالتالي، فإن آلة تكسير المعارضة المحتملة لتعديل الدستور بدأت بالدوران، وما هذه الحملة إلا بداية خبيثة لها؛ وبالتالي لا بد للمعارضة من تصعيد وتنظيم درجة المواجهة، وضمان تأمين أفرادها؛ حتى لا تنتهي المعركة بخسارة المعارضة ومكسب النظام كما حدث بمعركة (تيران وصنافير)”.
وحول احتمال أن يدفع ذلك القمع بحق اليسار قادته لتقديم بعض التنازلات والالتئام مع تيارت الإسلام السياسي، يرى الجمل أن “معظم اليسار التقليدي فسد وارتبط بالتوجهات الأمنية”.
وأكد أن “الرهان اليوم على الشباب الجديد، الذي يدمج اليسار مع الليبرالية مع التوجهات الوطنية والأخلاقية العامة. أما يسار الراحل رفعت السعيد ويسار أروقة الأجهزة الأمنية، فقد تعفن ورائحته تزكم الأنوف”.
“سلوك ممنهج”
من جانبه، أكد الكاتب اليساري حسن حسين، أن “ما يفعله النظام الحاكم بمصر ليس مجرد حالة عارضة تخص الاحتفال بثورة 25 يناير، بل هو سلوك ممنهج للقضاء على أي أصوات معارضة، ومحاولة لتكميم الأفواه بشكل مطلق، وإرهاب المجتمع بأسره، وإغلاق كامل لفضاء المعارضة الحزبية، وخاصة اليسارية والتقدمية منها، لأنها لم تستسلم حتى الآن، لا لإغراءات النظام ولا لتهديده”.
حسين، يرى بحديثه لـ”عربي21” أن هذه الحملة ضد اليسار أبدا لن تدفع رموزه لتقديم أي تنازلات، إما للنظام أو بالتقارب مع تيارات أخرى كالإخوان، قائلا: “لا هذا ولا ذاك، فاليسار نفض يده تماما من الاقتراب من جماعة الإخوان وأي جماعات إسلام سياسي، ولا يستطيع تقديم أي تنازلات لسبب بسيط جدا، هو أنه لا يملك ما يقدمه”.
وأكد أن “حال اليسار لا يختلف كثيرا عن حال كافة مؤسسات المجتمع المدني، حيث يعاني من ضعف البنية الهيكلية على كل المستويات الفكرية والتنظيمية والسياسية، ويحتاج إعادة تأسيس بمقومات عصرية وشعبية وتقدمية”.
“عبرة السايب والمربوط”
وعلى الجانب الآخر، يرى الكاتب اليساري أشرف الريس، أن “كل شيء متوقع الحدوث”، مضيفا لـ”عربي21“، أن “النظام يتبع أسلوب ضرب المربوط ليكون عبرة للسايب، سواء في ذكرى يناير أو أيام أخرى”.
وقال: “ربما يضطر اليسار مُرغما في التعاون مع أي تيار حتى لو كان تيارا شيطانيا، وليس دينيا (سلفيا أو إخوانيا) فحسب”، مضيفا: “وهو ما لا يُحمد عُقباه وما لا نتمناه مطلقا؛ لأنه محفوف بمخاطر لا حصر لها”.
“مصلحة النظام والدولة والشعب”
حملة اعتقالات اليسار دفعت رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق، أحمد النجار، للتساؤل قائلا : هل يُعقل القبض على شباب حضروا حفلة فنية للاحتفال بثورة احتفل بها الرئيس نفسه؟ وهل يعقل اعتقال رجال وطنيين كالسفير معصوم مرزوق، والدكتور رائد سلامة، والدكتور يحيى القزاز، وشادي الغزالي حرب، وغيرهم الكثيرين، حتى لو كانت آراؤهم مناقضة لتوجهات النظام؟”.
وقال: “مصلحة النظام والدولة والشعب تقتضي أقصى درجة من رحابة الصدر واحترام الحريات بالتعامل مع المعارضين السلميين؛ لأن تقييد براح الحرية لا يصنع سوى استقرارا ظاهريا مؤقتا، ويؤدي لتمدد فضاء الاحتقان والعنف”.
عربي 21