"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

إسرائيل تسعى ظاهريًا للتطبيع مع السودان لأسبابٍ اقتصاديّةٍ تجاريّةٍ ولكن الهدف المفصليّ قطع مسار الأسلحة إلى حماس من ليبيا بعد فشل القاهرة وتل أبيب في منعه

رأي اليوم” :

ضمن الهرولة العربيّة نحو التطبيع مع كيان الاحتلال، وتحديدًا الدول الخليجيّة، تُعلِن إسرائيل ظاهريًا ورسميًا أنّ الهدف من وراء مُحاولة التطبيع مع السودان هو تجاريّ-اقتصاديّ محض، يتعلّق بتقليص مدّة السفر من مطار بن غوريون الدوليّ في اللد إلى أمريكا الجنوبيّة عبر أجواء هذه الدولة العربيّة، ولكنّ صانِع القرار السياسيّ والأمنيّ في تل أبيب لا يجرؤ على قول الحقيقة الناصعة كالشمس وهي أنّ الدولة العبريّة تسعى من وراء التطبيع مع السودان إلحاق الضرر البالِغ بترسانة حركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس) في قطاع غزّة، إذْ أنّها، أيْ حماس، تقوم بتمرير السلاح من السودان من ليبيا إلى شبه جزيرة سيناء ومن ثمّ إلى غزّة، وهذا المسار مُهّم جدًا لحركة حماس، التي لا تنفّك عن تحسين قوّتها العسكريّة كمًا ونوعًا استعدادًا للمُواجهة القادمة مع دولة الاحتلال.

وفي هذه العُجالة يكفي التذكير بأنّه في الفاتح من الشهر الجاري كانون الأوّل (ديسمبر)، نقلت صحيفة (معاريف) العبريّة، عن مصادر سياسيّةٍ وأمنيّةٍ، وصفتها بأنّها رفيعة المستوى في القدس، نقلت عنها قولها إنّ الدولة العبريّة تقوم بإجراء اتصّالاتٍ إقليميّةٍ، معظمها سريّة، مع دولٍ عربيّةٍ مثل السودان، لتسويق تكنولوجيا التعقّب الأمنيّ للعمل على وقف وصول الأسلحة إلى “حماس” في غزّة، حيث يبدأ نقلها من ليبيا إلى السودان، وصولاً إلى سيناء وغزّة، علمًا أنّ كلّ المُحاولات المصريّة-الإسرائيليّة المُشتركة لوقف نقل الأسلحة من سيناء إلى القطاع باءت بالفشل، حتى بعد أنْ قام الجيش المصريّ بهدم الأنفاق في شبه جزيرة سيناء، والتي كانت تربط سيناء مع قطاع غزّة، وذلك ضمن التعاون بين القاهرة وتل أبيب لدحر ما تُطلِق عليه المصادر في تل أبيب المدّ الإسلاميّ المُتطرِف، والتي تُعتبر حماس من ضمنه.

وفي خضّم هذه التطوّرات العربيّة-الإسرائيليّة، كشفت شركة “الأخبار” الإسرائيليّة (القناتان 12 وـ13 في التلفزيون العبريّ)، كشفت النقاب في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائِت عن أنّ الزيارة العربيّة المُقبلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هي السودان، من دون تحديد موعدها، سعيًا إلى إنشاء مساراتٍ جويّةٍ مُختصرةٍ من إسرائيل إلى أمريكا الجنوبيّة عبر أجواء السودان. وبعد يومين، كشفت القناة الإسرائيليّة “العاشرة” في التلفزيون العبريّ، أيْ في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) النقاب عن أنّ مبعوثًا لوزارة الخارجيّة الإسرائيليّة التقى سرّاً خلال عام 2017 في مدينة اسطنبول التركيّة مسؤولين سودانيّين، أحدهم مقرّب من سفير الخرطوم الحاليّ في واشنطن رئيس المخابرات السودانيّ السابق محمّد عطا، تمهيداً لإقامة علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ، كما أكّد التلفزيون العبريّ نقلاً عن مصادر واسعة الاطلّاع في تل أبيب.

ومن جهة أخرى قال رئيس الوزراء الإسرائيليّ نتنياهو الأسبوع الماضي إنّ شركات الطيران الإسرائيليّة ستتمكّن من التحليق فوق السودان في طريقها لأمريكا الجنوبيّة في إطار المساعي لتحسين العلاقات مع الدول المُسلِمة وعزل إيران، على حدّ تعبيره.

وبتشجيعٍ من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قالت صحيفة (هآرتس)، سعت إسرائيل لتحسين العلاقات مع الدول العربيّة والإسلاميّة التي كانت تُناصبها العداء، والتي تُشارِكها المخاوِف بشأن إيران أوْ تتوقّع مزايا اقتصادية محتملة. والشهر الماضي استأنف نتنياهو ورئيس تشاد إدريس ديبي العلاقات التي قطعتها نجامينا في عام 1972. وقال نتنياهو في إفادة لدبلوماسيين إن محادثاته مع ديبي ساعدت في فتح مسارٍ جويٍّ جديدٍ إلى أمريكا الجنوبيّة.

وغنيٌ عن القول في هذا السياق أنّ السودان يُعتبر أحد الطرق الأساسيّة لإيصال السلاح إلى “حماس” في غزّة منذ سنوات طويلة، وقد وضعته إسرائيل على رأس الملاحقة الأمنيّة والهجمات العسكريّة للحيلولة دون وصول أيّ وسائل قتاليّة إلى الحركة. ففي آذار (مارس) من العام 2014، اعترضت البحريّة الإسرائيليّة في المياه الدوليّة بين السودان وإريتريا سفينة تحمل شحنة أسلحة إيرانيّة متطوّرة موجّهة إلى غزّة، تحمل عشرات صواريخ أرض- أرض يصل مداها إلى 100 كم.

وفي كانون الأوّل (ديسمبر) من العام 2012، اتّهمت إسرائيل السودان بالسماح لإيران باستخدام موانئه لنقل إمدادات عسكريّة لـ”حماس″ في غزّة. وفي العام 2010، كثّف الجيش المصريّ انتشاره على حدود السودان لمنع تهريب السلاح إلى غزّة. وفي كانون الثاني (يناير) من العام 2009، قصفت طائرات إسرائيليّة في السودان قافلة أسلحة تضمّ 17 شاحنة متّجهة من إيران إلى غزّة.

بالإضافة إلى ذلك، نشر براك رافيد، أحد كبار المحللين في صحيفة “هآرتس″، في أيلول (سبتمبر) من العام 2016 خبرًا عن توجهات الحكومة الإسرائيليّة لتشجيع أمريكا والغرب على الانفتاح على السودان، وتقديم تسهيلات وشطب جزء من مديونية السودان، وذلك لتشجيعها على المضي قدمًا في الابتعاد عمّا يسمى “محور الشر” والتقرّب لمحور الاعتدال السُنيّ، على حدّ تعبير المصادر السياسيّة في تل أبيب، والتي اعتمدت عليها الصحيفة.

وذكرت الصحيفة في سياق تقريرها الحصريّ إنّ مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة قالوا لـ”هآرتس″ إنّ الدولة العبريّة تقدّمت بطلب إلى أمريكا ودول الاتحاد الأوروبيّ لتحسين علاقتهم مع السودان، وتقديم خطوات حسن نوايا تجّاه السودان، وذلك على خلفية قطع السودان لعلاقاتها مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، لافتةً إلى أنّ هذا ما سمعه توم شانون، مساعد وزير الخارجيّة الأمريكيّ للشؤون السياسيّة، من نظرائه الإسرائيليين أثناء زيارته لتل أبيب.