"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

“هذه هي الصهيونية” الكتاب النادر الذي ألفه إسرائيل كوهين أحد غلاة الصهاينة وكشف فيه الخيانات القديمة للأمراء العرب ومدح فيه صلاح الدين الأيوبي وقررته وزارة التربية والتعليم المصرية على “طلابها” عام ستة وخمسين وكتب الرئيس عبد الناصر مقدمة نارية له أكد فيه أن لنا غدا قريبا و بعيدا سنغسل فيه عارنا

القاهرة – ” رأي اليوم” :

“إن المعركة بيننا وبين الصهيونية لم تنته بعد، بل لعلها لم تبدأ بعدُ، فإن لنا ولها غدا قريبا أو بعيدا، نغسل فيه عارا، ونحقق أمنية، ونسترد حقا ” .

بتلك الكلمات قدم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لكتاب ” هذه هي الصهيونية” لإسرائيل كوهين أحد غلاة الصهاينة، وهو الكتاب الذي قررته وزارة التربية والتعليم المصرية عام ألف وتسعمائة ستة وخمسين على طلابها،ليعرفوا عدوهم !

وتابع عبد الناصر في تقديمه للكتاب :” وسيرى القارئ في هذا الكتاب قصة الصهيونية كيف نشأت وكيف اختلف حولها الرأي بين أهل الرأي في الدين والسياسة، ثم كيف تطورت من عقيدة دينية الى مذهب سياسي لأهل دين من البشر لا يجمعهم جنس ولا أبوة، ثم كيف تفاعلت تلك العقيدة وذاك المذهب السياسي فنشأت من تفاعلها خطة محكمة التدبير واضحة الهدف ممهودة الطريق لم تلبث أن آتت ثمرتها في الوقت المقدور ..” .

وتابع عبد الناصر :

” وقد يرى القارئ في بعض فصول الكتاب ما لا يقره من الرأي أو طريقة الخبر، ويجد في بعض ذلك ما يسوءه، فليتسع صدره لما يجد من ذلك، فإنما هو كتاب أنشأه أحد غلاة الصهيونيين ” اسرائيل كوهين ” يقص فيه قصة الصهيونية من وجهة نظر صهيونية، مؤمنا بما قال، أو مدعيا ليخدع الرأي الدولي العام، فليصدق في بعض ما قال أو يكذب فيه كله، فليس يعنينا مما قاله إلا أن نعرف قصة الصهيونية كما رواها رجل من أهلها، ليكون لنا من العلم بها وعي جديد يعيننا فيما نستقبل من مراحل الكفاح ” .

هذ هي الصهيونية

وجاء في مقدمة الكتاب : “تستهدف الحركة الصهيونية استيطان اليهود أرض فلسطين، وقد بدأت الحركة خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، والغرض منها تحقيق حلم داعب اليهود وأقض مضاجعهم منذ أزال الرومان مملكة يهوذا من خريطة الوجود، فما كاد اليهود يفقدون استقلالهم حتى صاروا يضرعون الى ربهم في صلواتهم أن يردهم الى أرض الميعاد” .

“هذه هي قصة الصهيونية كيف نشأت وكيف تضاربت حولها الآراء وهل كانت عقيدة أو خطة أحكم تدبيرها يرويها ويستعرض مراحلها أحد غلاة الصهيونيين اسرائيل كوهين ونقدمها لقرائنا العرب علهم يتبينون خطرها ويتحرزون منه” .

فترة التشريد

يقول كوهين :”ما الذي حدا باليهود الى التفكير في العودة الى فلسطين وقد انقضى على تشريدهم ثمانية عشر قرنا ؟

سؤال أثار دهشة العاطفين على الحركة الصهيونية والناقمين عليها جميعا، غير أن القائمين على الحركة يزعمون أن اليهود منذ دالت دولتهم على أيدي الرومان الى أن دخل الجيش البريطاني الأراضي المقدسة ظلت طوائف منهم تعيش في فلسطين وتعاني الفقر والاضطهاد ولكنها تحيا بقوة الايمان.

 وقد توالى عليهم الرومان والبيزنطيون والفرس والعرب والأتراك والمماليك والمغول والعثمانيون ولكنهم لم يكفوا يوما من الأيام عن التعلق بالأمل في اعادة مجدهم البائد ” .

صلاح الدين

 يقول كوهين :”كان انتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين عام 1187 فاتحة خير واستقرار، فقد كان فارسا مغوارا ذا قلب رحيم، ولما توسط لديه طبيبه الخاص ” الميموني ” سمح لليهود بالعودة الى بلادهم، فتدفق سيل المهاجرين اليهود من بلدان غرب أوروبا الى فلسطين وتكونت منهم طوائف عدة تختلف فيما بينها بجنسيتها التي انتمت اليها في الأصل ” .

وتابع كوهين :”جاء أول عرض رسمي على اليهود من جانب نابليون بونابرت أثناء حملتي مصر وسورية، إذ نشرت الجريدة الرسمية بتاريخ عشرين ابريل سنة ألف وسبعمائة تسعة وتسعين نداء وجهه القائد الفرنسي الى يهود آسيا وافريقيا مستحثا اياهم على الانضواء تحت رايته لكي يعيد اليهم مجدهم الضائع ويرد اليهم حقوقهم المسلوبة منذ آلاف السنين ” .

وعد بلفور

وتابع كوهين

” وجاءت اللحظة الحاسمة في 7 فبراير ألف وتسعمائة وسبعة عشر حينما دخلت المفاوضات الخاصة بإنشاء دولة يهودية في فلسطين في دورها النهائي، وكانت بقية الدول المتحالفة قد أحيطت علما بالمشروع الذي اختمر في انجلترا وأيدت هذه الدول عطفها عليه .

وبعث بلفور برسالة رسمية الى روتشيلد يقول فيها : يسرني أن أبعث اليكم باسم حكومة جلالة الملك هذا التصريح المشوب بالعطف على الأماني الصهيونية والذي عرض على الحكومة ووافقت عليه .

 تعتزم الحكومة البريطانية إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل كل ما لديها من جهد في سبيل تحقيق هذه الغاية، هذا مع العلم بأن حكومة جلالة الملك لن تفعل شيئا ينطوي على أي مساس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين، ولا بحقوق اليهود الذين يعيشون في دول أجنبية أو نظم أحوالهم الشخصية .. وأكون شاكرا لو تكرمت بإبلاغ هذا التصريح الى اتحاد الهيئات الصهيوني ” .

 إمضاء

 ارثر جيمس بلفور” .

 وتابع كوهين :”وقد هلل يهود العالم لهذا التصريح وكبروا وبلغت حماستهم حدا من الهوس، إذ أيقنوا أن اعلانه قد وضع حدا لآلامهم رجاء محققا لتنبؤات كتابهم المقدس ” .

الخيانات

” وكانت أولى النتائج التي حصل عليها الزعماء الصهيونيون إثر اعلان تصريح بلفور أن أذنت الحكومة الانجليزية بإيفاد لجنة خاصة الى فلسطين، على رأسها الدكتور وايزمان وتضم أعضاء يمثلون يهود بريطانيا وفرنسا وايطاليا ..

ولما كان من مهام اللجنة الخاصة العمل على اقامة علاقات ودية بين اليهود والعرب، فقد سافر وايزمان وأورسبي جور الى العقبة لمقابلة الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة.” .

وكان الأمير قد أعلن الثورة في وجه الأتراك بعد أن اتصل بماكماهون المندوب السامي البريطاني بالقاهرة ووعده الأخير باسم حكومته بمنح الاستقلال للعرب الذين يقدمون مساعدات فعالة للحلفاء، ولم يرد في التحديد الجغرافي الذي وضعه ماكماهون إذ ذاك للأراضي التي ستفوز باستقلالها ذكر لفلسطين، ولعل ذلك راجع الى عدم ثورة عرب فلسطين على الحكم التركي وعدم إسدائهم المعونة للحلفاء .

وأدرك فيصل أن فلسطين لا تدخل ضمن الأراضي التي ستضم للدولة العربية الهاشمية عندما زار لندن ووقع بصفته مندوبا عن الدول العربية اتفاقية مع وايزمان بوصفه ممثلا لفلسطين ” .

وتابع كوهين :”وقد عقد الصهيونيون مؤتمرا في لندن خلال شهر فبراير ألف وتسعمائة وتسعة عشر اشتركت فيه وفود من مختلف الدول المحالفة والمحايدة وتخلف عنه يهود ألمانيا اضطرارا، فتقرر تعيين الدكتور وايزمان رئيسا للمؤتم رئيسا للهيئة التنفيذية اعترافا بالخدمات الجليلة التي قدمها لقضية الصهيونية ..

وما كاد مؤتمر لندن ينفض حتى تألف في مختلف الدول مجالس قومية يهودية للعمل على تنفيذ قرارات المؤتمر وتحديد المقترحات الخاصة بحقوق الأقليات اليهودية تمهيدا لرفعها الى مؤتمر الصلح بباريس.

وقد اعترف المؤتمر بحقوق الأقليات الدينية والبشرية وغيرها، واعتبرت من بين التزامات القانون الدولي، وعهد الى عصبة الأمم بتطبيقها ولكن بعض الدول ما لبثت أن وطئت هذه الحقوق بأقدامها .

ويتضح من بنودها بما لا يدع مجالا للشك أنه يعتبر الأراضي الفلسطينية مخصصة لاستعمار اليهود، كما يعتمد على مساعدة المنظمة الصهيونية في انعاش اقتصاديات الدولة العربية الهاشمية .

وفي ستة فبراير أشار الأمير فيصل رئيس وفد الحجاز في مؤتمر الصلح اشارة رسمية الى فلسطين، حينما ذكر أنه يترك مسألة فلسطين ذات الطابع الدولي يتولى دراستها ذوو الشأن وفيما عدا ذلك طالب باستقلال المناطق العربية التي وردت تفاصيلها في المذكرة التي رفعها الوفد الحجازي” .

تعقيب

وعقب ناشر الكتاب على كلام كوهين متسائلا :”هل صنعت أمريكا شيئا بمؤازرتها للصهيونية إلا أن آوت مليونا من اليهود في وطن صناعي، لتطرد مليونا من العرب عن وطنهم الطبيعي، فيعيشوا مشردين في الأرض، غرباء في كل وطن ؟

 أين المنطق الأمريكي ليعالج مشكلة هؤلاء المليون من اللاجئين الجياع العراة المقرورين وكان لهم قبل أن يأوي اليهود الى فلسطين وطن؟

إنها دائرة مفرغة ليس لها أول وليس لها آخر، وإنه العسف والجبروت والتعصب الاستعماري الذي لا يملك برهانا فيجعل الهوى برهانه ..

ولكن للتاريخ منطقا آخر، ولابد أن يستعلي التاريخ ببرهانه، ولابد للحق أن ينتصر، والعاقبة للمجاهدين الصابرين ” .