وقال بيرشنسكي في مقالة كتبها بموقع Just Security الأميركي، إنه في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2018، فعَّلت مجموعة مُكونة من 22 عضواً بمجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري (تشمل السيناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والسيناتور روبرت مينينديز، أقدم أعضاء اللجنة) بنداً في قانون «ماغنيتسكي» الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان، يُلزِم الرئيس خلال 120 يوماً بعمل الآتي:
1- «تقرير ما إذا كان شخصٌ أجنبي قد شارك في عمليات قتل خارج إطار القانون، أو تعذيب، أو أي انتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان العالمية المعترف بها دولياً» في ما يتعلق بجريمة مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي الذي كان يقيم بولاية فيرجينيا.
2- «تقديم تقرير سري أو غير سري لرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وأكبر أعضائها في ما يتعلق بالنقطة السابقة، ويجب أن يتضمن ذلك التقرير بياناً لتوضيح ما إذا كان الرئيس قد فرض أو ينوي فرض عقوباتٍ على الشخص المعني، ووصفاً لتلك العقوبات إن كان الرئيس قد فرضها أو ينوي فرضها».
وما هو أكثر أهمية أنَّ خطاب أعضاء مجلس الشيوخ يقول بوضوح: «نتوقع منك بالطبع في تقريرك بشأن الأمر أن تأخذ في الاعتبار أي معلومات ذات صلة، بما فيها المعلومات التي تتعلق بأكبر مسؤولي الحكومة السعودية»، الذين يعتقد الكثيرون أنَّهم يشملون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
يبدو أن ترامب لا ينوي الامتثال للقانون
ويقول بيرشنسكي: في ضوء هذا الإلزام، هناك سيناريوهان لفهم خطاب ترامب المكتوب يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني، والعقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على 17 مواطناً سعودياً يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وكلاهما لا يبدو أنَّهما يشيران إلى أنَّ الرئيس ينوي الامتثال للقانون.
وهناك سيناريو آخر مستبعد إلى حدٍ ما، وهو أنَّ البيت الأبيض سيعتبر خطاب ترامب الذي أشار إليه بـ»قراري» حول المسألة هو قرار الرئيس النهائي في ما يتعلق بمن يراهم مسؤولين عن مقتل خاشقجي (على الأرجح هؤلاء هم الأشخاص السبعة عشر الذين فُرِضَت عليهم العقوبات وذكرهم ترامب في خطابه) وهؤلاء الذين يراهم ترامب غير مذنبين (المسؤولين السعوديين الكبار الآخرين، وأبرزهم بن سلمان).
وفي ما يتعلق بولي العهد السعودي، يرى ترامب أنَّه «ربما كان على علمٍ بالحادث المأساوي، ربما علم وربما لم يعلم»، وهذا الرأي يتعارض تماماً مع تقييمٍ مُسرَّب أعدته وكالة الاستخبارات المركزية يخلُص «بثقةٍ كبيرة» إلى أنَّ عملية القتل لم تكن لتُنفَّذ دون إذنٍ صريح من بن سلمان. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية اطَّلع على تقييم وكالة الاستخبارات المركزية إنَّه «أوضح دون لبس» أنَّ ولي العهد أمر بقتل خاشقجي.
وأضاف المسؤول: «هناك إجماع ساحق بأنَّ القيادة السعودية متورطة، ولا أحد يجادل ضد هذا الأمر داخل الحكومة».
ماذا يعني هذا التعارض؟
هذا التعارض بين تقييم وكالة الاستخبارات الأميركية الأولى، الذي يُقال إنَّها أعدته بناءً على تحليلاتٍ لآلية الحكم في السعودية واعترافات المتهمين والاتصالات المُعترَضة وتسجيلات الجريمة، وبين رأي ترامب، الذي رفض مراجعة هذه الأدلة ويبدو مقتنعاً فقط بالإنكار المستمر لولي العهد نفسه، يثير أسئلةً بديهية حول ما إذا كان «قرار» ترامب يمتثل لتشريع الكونغرس.
يُلزِم الكونغرس الرئيس على الأقل بإصدار «قرارٍ بحسن نية» في ما يتعلق بالمسؤولين عن جريمة القتل، وأي قرارٍ اعتباطي يتخذه ترامب بناءً على هواه سيخالف هذا الأمر الرسمي. إذ لا يمكن للرئيس ببساطة تجاهل المعلومات المتعلقة بالجريمة أو اتخاذ قرارٍ مُسبق دون أي حقائق تدعمه.
وإن زعم البيت الأبيض أنَّ خطاب ترامب هو التقرير الذي ألزمه قانون ماغنيتسكي بتقديمه، يمكن للكثيرين المجادلة بأنَّ ترامب ينتهك بهذا قانوناً فيدرالياً.
هل يدرك البيت الأبيض هذا الخرق القانوني؟
يجيب الحقوقي بيرشنسكي: بالطبع يدرك البيت الأبيض هذا الأمر، ولهذا على الأرجح لن يعتبر أنَّ خطاب ترامب الذي قدمه يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني هو التقرير النهائي، ليمنح بهذا فرصةً لترامب لـ»تطوير» موقفه من القضية.
ونظرياً، يمكن لترامب عكس موقفه وتقديم خطابٍ مكتوب وسري على الأرجح إلى الكونغرس، يقرر فيه أنَّ بن سلمان مسؤول عن الجريمة (حتى مع تصريحه بأنَّه لن يفرض عقوباتٍ على ولي العهد). لكنَّ هذا يبدو مستبعداً.
ونظراً إلى أنَّ الرئيس ما زال ملزماً بتقديم تقريرٍ رسمي إلى الكونغرس، فإنَّ أي وثيقة يقدمها ترامب بنفس منطق خطاب 20 نوفمبر/تشرين الثاني ستنتهك القانون الفيدرالي.
ربما لا تكون هناك طريقة لتنفيذ القانون من خلال المحكمة، ولهذا لن يحظى أي قاضٍ بفرصة مراجعة قرار ترامب، حتى لو ثبت أنَّ قراره غير مبنيٍ على أسبابٍ معقولة ولم يأخذ في الاعتبار الحقائق المتعلقة بالجريمة.
لكنَّ ذلك لا يعني تجاهل انتهاكه للقانون. ويدرك محامو الإدارة الأميركية ما يفرضه القانون، وكذلك تفعل مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، وربما تأخذ المحاكم التي تفصل في قضايا أخرى مدى التزام الذراع التنفيذي للإدارة بتشريعات الكونغرس في الاعتبار.
وأوضح البيان، الذي أصدره أعضاء مجلس الشيوخ لإعلان خطابهم الصادر في 10 أكتوبر/تشرين الأول، أنَّ الخطاب لا يحمل فقط توقيع معظم أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، لكن أيضاً السيناتور ليندسي غراهام، رئيس اللجنة الفرعية المعنية بالاعتمادات الخاصة بالولايات والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة في مجلس الشيوخ، والسيناتور باتريك ليهي، أقدم أعضاء اللجنة.
ولن تود الإدارة الأميركية العبث مع هؤلاء الذين يتحكمون في بنود الإنفاق
.ولهذا، يبدو أنَّ ترامب بحماسته لتبرئة ولي العهد السعودي المتهور، وضع نفسه في مأزقٍ قانوني ما
بعد ساعاتٍ من بيان ترامب، أصدر كوركر ومينينديز خطاباً مشتركاً ثانياً يدعو إلى تطبيق بند قانون ماغنيتسكي الخاص بإلزام ترامب بتقديم تقريرٍ للكونغرس.
وبخلاف خطاب 10 أكتوبر/تشرين الأول، طالب الخطاب الثاني على وجه التحديد بتقرير ما إذا كان بن سلمان له دورٌ في مقتل خاشقجي. وبينما يبدو أنَّ هدف الخطاب الثاني كان توضيح لغة خطاب 10 أكتوبر/تشرين الأول وزيادة الضغط على ترامب، فربما يمنح هذا الخطاب الرئيس الأميركي فرصةً جديدة لاتخاذ موقفٍ مختلف، حتى لو لم يكن ذلك هدف كوركر ومينينديز من الخطاب.
وبعد أن أوضح الخطاب الثاني ما يلتزم به ترامب بوضوح وفقاً للقانون، أصبح لدى الرئيس الأميركي الآن فرصةٌ لمراجعة موقفه السابق من بن سلمان واتخاذ الموقف الصحيح في ما يتعلق بحكم القانون. لكن من غير الواضح بعد ما إذا كان سيختار ذلك.
ماذا يعني تجنب ترامب الالتزام ببند قانون ماغنيتسكي؟
يشير بيرشنسكي في مقاتله، أنه نظراً لغضب الحزبين الديمقراطي والجمهوري تجاه مقتل خاشقجي، فإنَّ أي محاولة من ترامب لتجنب الالتزام ببند قانون ماغنيتسكي باستخدام تصريح أوباما الذي أصدره عند توقيع القانون ربما يتسبب في مشاكل أكبر للإدارة الحالية.
وعلى الأرجح ستُصدِر الإدارة التقرير المطلوب، وستشير إلى أنَّها تفعل ذلك التزاماً بالسياسات المتبعة، وليس تنفيذاً لمتطلبات تشريع الكونغرس. لكنَّ تصرف ترامب في ما يتعلق بذلك ليس واضحاً بعد أيضاً.
بمعركته مع الحقائق شديدة الوضوح والعدد المتزايد من أعضاء مجلس الشيوخ الغاضبين، حتى مع احتمالية انتهاكه لقانونٍ فيدرالي، ربما يوفر ترامب دون قصد أساساً لما يمكن أن يدمر في النهاية سياسته تجاه السعودية والشرق الأوسط كله بالتبعية. إذ يتزايد حالياً الزخم حول الإجراءات التشريعية المقترحة للحد من الدعم الأميركي لمشاركة السعودية في حرب اليمن، واقترحت مجموعة من أعضاء الحزبين في مجلس الشيوخ مؤخراً تشريعاً سيقضي على قدرة ترامب على حماية بن سلمان من العقوبات، إلى جانب أمورٍ أخرى.
ويختم المختص القانوني بيرشنسكي قوله: لا يدرك ترامب على ما يبدو ردة الفعل العكسية المرتقبة هذه. فهو مثل نظيره الشاب في الرياض، متهور ويزدري القيود القانونية. وبتوضيح أنَّ عقيدته لا تلتزم بالمبادئ الأميركية الأساسية، منح ترامب الكونغرس كل الأسباب الممكنة للانخراط أكثر بكثير في إدارة الدولة.