Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

ألمانيا والعثمانيون… مخطط ثورة “الإسلام الألماني” ضد سايكس بيكو

رصيف 22 :

وفي أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر حدث تغيّر نوعي في أوروبا. اندلعت الحرب الألمانية الفرنسية (1870-1871) حينما تحالفت الولايات الألمانية لردع الامبراطور نابوليون الثالث وانتهت بدخول القوات الألمانية العاصمة الفرنسية باريس في 28 يناير 1871، وإعلان قيام ألمانيا الموحدة.

وعلى ضوء تطوّر الصراع الدولي بين ألمانيا وجيرانها الروس والأوروبيين، سعت برلين إلى ضرب نفوذ بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط، فتحالفت مع الدولة العثمانية.

“الحاج غليوم”

 فيلهلم الثانيالتقارب الألماني-العثماني لازمه تقارب ألماني-إسلامي، وهو ما برع فيه الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني، حتى أسماه المسلمون الحاج غليوم الثاني.

زار “الحاج غليوم” دمشق ولبنان والقدس في جولة شامية عام 1898 ليصبح أول حاكم أوروبي يدخل المدن الثلاث سلماً بدون حرب، وأصرّ على زيارة ضريح السلطان صلاح الدين الأيوبي ووضع إكليلاً من البرونز عليه ظل في مكانه إلى أن سرقه لورانس العرب بعد ذلك بعقدين من الزمن، كما زار المسجد الأموي في دمشق.

ولكن خلف هذا الدفء الإسلامي-العثماني-الألماني كان هنالك مجهود استخباراتي رفيع، لم يحظَ بدعاية سينمائية وثقافية كبيرة مثل تلك التي حصل عليها المجهود البريطاني.

أوبنهايم العرب

 البارون ماكس فون أوبنهايممثلما كان أغلب رجالات الآثار الفرنسيين والبريطانيين ضباط استخبارات، بدون التقليل من أهمية إنجازاتهم الأثرية، قدّمت ألمانيا للبحث العلمي والأثري العالم الجليل البارون ماكس فون أوبنهايم (1860-1946)، المؤرخ والأثري والدبلوماسي، وسليل أسرة أوبنهايم المصرفية.

اكتشف أوبنهايم منطقة تل حلف الأثرية وانتشلها من التراب عام 1899، أثناء عملية استخباراتية لتحديد طرق سكة حديد بغداد-البصرة، وظل حتى عام 1929 ينقّب في المنطقة وينقل آثارها إلى متحف تل حلف في برلين، وهو المتحف الذي سوّته غارات قوات التحالف بالأرض، أثناء الحرب العالمية الثانية.

وصل أوبنهايم إلى القاهرة عام 1896 للعمل ملحقاً بالسفارة الألمانية هنالك كتغطية على نشاطه الاستخباراتي. ويشير المستشرق النمساوي ستيفان كرويتسر Stefan Kreutzer في كتابه “الجهاد من أجل القيصر الألماني” إلى أن شائعة تحوّل القيصر الألماني للدين الإسلامي سراً ودعمه للخلافة الإسلامية كانت من أفكار أوبنهايم.

وكان العالِم الألماني أيضاً مهندس التقارب الألماني-العثماني وجولة القيصر في سوريا ولبنان، ومهندس الدعاية الألمانية التي نشرت شائعة أن فرنسا تخطط لنبش قبر الرسول ونقل الحجر الأسود إلى متحف اللوفر.

ويوضح كرويستر أن أوبنهايم تواصل مع زعماء التنوير والإسلام في مصر والشام، مثل الشيخ عبد الخالق السادات ومحب الدين الخطيب وشكيب أرسلان والشيخ محمد عبده وسعد زغلول وجمال الدين الأفغاني.

وتعود فكرة استخدام الإسلاميين في الإضرار بالبنية التحتية والاقتصادية للدول المستهدَفة إلى أوبنهايم، فقد حرّض، وفقاً لكرويستر، زعماء القبائل والعشائر من أجل تخريب مضخات وأنابيب النفط في إيران.

وعشية الحرب العالمية الأولى، حينما كان حاكم مصر الخديوي عباس حلمي الثاني في فيينا تواصل معه في محاولة لنسج تحالف مصري ألماني ولكن البريطانيين استبقوا هذا التواصل، ونظراً لمعرفتهم بميول عباس، قاموا بعزله وتعيين السلطان حسين كامل بدلاً منه.

ولكن القاهرة لم تكن محطة أوبنهايم الوحيدة، فقد جاب حلب ودمشق، وامتاز عن لورانس العرب الذي يوضَع معه في مقارنة دائمة بأنه وصل إلى شط العرب والعراق وغطّى مناطق انتشار عشائر الشام وشبه الجزيرة العربية كاملة، إضافة إلى جنوب الأناضول وشرق إيران، واختلط بالعرب والأكراد والتركمان والإيزيديين والجراكسة، ولخص مسيرته هذه ومنجزاتها العلمية والأثرية في موسوعة البدو (أربعة مجلدات) التي تُعَدّ حتى يومنا من أهم المراجع التاريخية لتاريخ ما يُعرف اليوم بسوريا ولبنان والأردن وإيران وتركيا والعراق.

 الجيش العثماني المشارك تحت قيادة فيلهلم الثاني في بولندا عام 1917وعقب انتهاء خدمته الدبلوماسية في القاهرة، انتقل أوبنهايم إلى سوريا للعمل الأثري وبقي فيها حتى عام 1913، أي قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) بعام واحد فحسب.

مبتكر فكرة “إسلام جهادي لصالح الغرب”

لم يكن أوبنهايم من أهم مهندسي التحالف العثماني-الألماني والتقارب الألماني-الإسلامي فحسب. يقول المؤرخ وولفغانغ شوانيتسWolfgang G. Schwanitz في كتابه “الجهاد صنع في ألمانيا… النزاع حول الحرب المقدسة 1914 – 1915″، الصادر عام 2003، إن أوبنهايم هو المؤسس الحقيقي لفكرة الجهاد المقدس لصالح أجندات غربية، ولُقّب بأبي الجهاد الإسلامي وأبي الحرب الإسلامية المقدّسة.

وإذا كان البريطانيون قد سبقوا الألمان في ابتكار الإسلام السياسي الموالي للغرب أو القومية العربية من أجل فصل الولايات العثمانية الناطقة باللغة العربية عن باقي الولايات، إلا أن أفكار أوبنهايم طوّرت المخطط البريطاني وجعلته قابلاً للحياة حتى اليوم، بحسب شوانيتس.

كتب أوبنهايم مذكرة سرية بعنوان “ثورة الأراضي الإسلامية ضد أعدائنا” تضمنت فكرة تدبير ثورة جهادية ضد الاحتلال البريطاني في مصر والسودان، والاحتلال الفرنسي في الجزائر والمغرب وتونس والاحتلال الإيطالي في ليبيا.