Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

وفاة الإمام الرضا عليه السلام

بقلم  الشيخ حسني حسن :

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسم ظلما ، اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم موسى بن عمران ( عليه السلام )

وكان الامام الرضا( عليه السلام ) يقول لاصحابه: لا تغتروا منه (المأمون) بهذا الكلام فما يقتلني والله غيره من الانام، ولكن لا بد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله وأصل إلى دار السلام. وقال للحسن بن الجهم: يابن الجهم لا يغرنك ما لقيته من إكرامي والاستماع مني، فإنه سيقتلني بالسم وهو ظالم لي إني أعرف ذلك بعهد معهود من آبائي ( عليهم السلام ) عن رسول الله (صلى الله عليه واله). قال: والله ما منا إلا مقتول شهيد، فقيل: ومن يقتلك يابن رسول الله ؟ فقال ( عليه السلام ): أشر خلق الله في زماني يقتلني بالسم ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة،

قال هرثمة: لما مضى من الليل نصفه قرع الباب علي قارع فأجابه بعض غلماني فقال له: قل لهرثمة أجب سيدك، قال: فقمت مسرعا وأخذت علي أثوابي وأسرعت إلى سيدي الرضا ( عليه السلام )، فدخل الغلام بين يدي ودخلت وراءه فإذا أنا بسيدي جالس في صحن داره، فقال لي: يا هرثمة فقلت: لبيك يا سيدي ومولاي فقال لي: اجلس، فجلست فقال لي: اسمع وعي يا هرثمة، هذا أوان أجلي ولحوقي بجدي (صلى الله عليه واله) وآبائي ( عليهم السلام )، وقد بلغ الكتاب أجله وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك، فأما العنب فإنه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط في العنب، وأما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده ليلطخ حبه بذلك السم، وإنه سيدعوني اليوم المقبل ويقرب إلي الرمان والعنب ويسألني أكله فآكله ثم ينفذ الحكم ويحضر القضاء،

وفي خبر أبي الصلت الهروي استدعاه فقال ( عليه السلام ): إني ماض إلى هذا الفاجر فإن خرجت وأنا مكشوف الرأس فكلمني، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني، فلما دخل على المأمون عانقه وحياه بخشوع النفاق وخضوع الملاق تلقاه، وفي مجلسه المختص به قربه وأدناه، فلما قضى من محادثة المطلب واستكمل من الكلام معه المأرب قدم إليه ما سمه فيه من ذلك الرمان والعنب وأمره بالاكل بالحتم الموجب.

وفي خبر أبي الصلت أنه استعفاه فقال (لع): لا بد من ذلك وما يمنعك أو لعلك تتهمنا بشئ فتناول العنقود فأكل منه ثلاث حبات ورمى به، فقام ( عليه السلام ) فقال المأمون: إلي أين يا أبا الحسن ؟ فقال: إلى حيث وجهتني، فقام وخرج ( عليه السلام ) وهو مغطى الرأس، فياليتني كنت الفداء له من جميع الناس مما يكابده من ذلك الباس والسم الذي أخمد منه الانفاس، وأوجب لقضايا الشريعة المحمدية الانتكاس، ولاعلام الهداية الانطماس وللدروس العلية الاندراس فلما وصل إلى منزله ألقى بنفسه على فراش السقام ولم يزل يكابد مضاضة الآلام والشدائد العظام حتى تقيأ كبده الشريفة قطعة بعد قطعة، وألقى بمهجته اللطيفة بضعة بعد بضعة، فيا لها من مصيبة أرغمت معاطس أهل الايمان ورزية أذكت ضرام الاحزان في قلوب السادات من مضر وعدنان، وأصحبت لها رؤوس أهل الحق خاضعة إلى الاذقان، وأبكت الانبياء والمرسلين والشهداء والصالحين بالدمع الهتان.

وقال: ثم أن الامام ( عليه السلام ) جعلني الله وقاه من الآلام لما تحقق من وقت أجله، وانقطع من الحياة سبب أمله، أشار إلى خليفته الامام الجواد ( عليه السلام ) المنصوص عليه من رب العباد الذي لم يقض لعمره الشريف بالامتداد أن يأتي إليه من المدينة لانه لا يلي أمر المعصوم إلا مثله، ولا يجهز الامام إلا شكله، وقد كان ( عليه السلام ) عند خروجه من المدينة بإشخاص المأمون إياه دفع إليه كتبه وسلاحه ومواريث الانبياء وآثار الاوصياء ووصيته ( عليه السلام ) ووصية آبائه الطاهرين ( عليهم السلام )، ودل على إمامته. وشيعته الميامين لعلمه ( عليه السلام )أنه لا يرجع لجوار جده الامين (صلى الله عليه واله): فلما قضى معه مأربه واستوفى من وصاياه مطلبه توجه إلى مولاه بعد أن أطبق فاه، وغمض عينيه ومد يديه، فلما خرجت نفسه الشريفة تلقتها الحور والولدان، وزخرفت الجنان، وفتحت أبواب السماء، وأعلنت هي ومن فيها بفنون البكاء، وارتجت أرجاء الارض وضاقت رحبا بأهلها في الطول والعرض، وفشت فيها الظلمة ولا غرو فقد طفئ عنها سراج الامة وسدت عنها بفقده أبواب الرحمة، فلم ير في ذلك اليوم إلا باك وباكية وناع وناعية ونائح ونائحة وصارخ وصارخة، وصار على المؤمنين كاليوم الذي مات فيه رسول الله (صلى الله عليه واله) وأمير المؤمنين ( عليه السلام )، فسرت قلوب الحاسدين وأرغمت أنوف الموحدين، واشتد الكرب بالكروبيين وعلا الصراخ من الفقراء والارامل والمساكين، فواضيعة الايمان والمؤمنين والاسلام والمسلمين، ولقد أصبح كتاب الله بفقده مهجورا ورسول الله (صلى الله عليه واله) فيه موتورا.

وفي خبر هرثمة: بعد الانصراف من دفن الامام ( عليه السلام )، قال: فدعاني المأمون وخلاني ثم قال: أسألك بالله يا هرثمة لما صدقتني عن أبي الحسن ( عليه السلام ) بما سمعته منه، قال: فقلت: قد أخبرت أمير المؤمنين بما قال لي فقال: بالله إلا ما صدقتني عما أخبرك به غير الذي قلت لي قال: نعم تسألني فقال لي: يا هرثمة هل أسر إليك شئ غير هذا ؟ قلت: نعم قال: ما هو ؟ قلت: خبر الرمان والعنب فأقبل المأمون يتلون ألوانا يصفر مرة ويحمر أخرى ويسود أخرى، ثم تمدد مغشى عليه فسمعته في غشوته يهجر ويقول: ويل للمأمون من رسول الله (صلى الله عليه واله)، ويل للمأمون من علي ( عليه السلام )، ويل للمأمون من فاطمة ( عليها السلام )، ويل للمأمون من الحسن ( عليه السلام ) والحسين ( عليه السلام )، ويل للمأمون من علي بن الحسين ( عليه السلام )، ويل للمأمون من محمد بن علي ( عليه السلام )، ويل للمأمون من جعفر بن محمد ( عليه السلام )، ويل للمأمون من موسى بن جعفر ( عليه السلام )، ويل للمأمون من علي بن موسى الرضا هذا والله هو الخسران المبين، يقول هذا القول ويكرره فلما رأيته قد أطال ذلك وليت عنه وجلست في بعض نواحي الدار فجلس ودعاني فدخلت إليه وهو جالس كالسكران، وقال: والله ما أنت أعز علي منه ولا جميع من في الارض والسماء، وقال والله لئن بلغني أنك أعدت مما سمعت مني ورأيت شيئا ليكونن فيه هلاكك، فقلت: إن ظهرت على شئ من ذلك مني فأنت في حل من دمي قال: لا والله أو تعطيني عهدا وميثاقا على كتمان هذا الامر وترك إعادته، فأخذ علي العهد والميثاق وأكده علي فلما وليت عنه صفق بيده وقال: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) سورة النساء4: الآية: 108.

ولادته( عليه السلام ):
وكان مولده ( عليه السلام ) يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة الحرام سنة (148) ثمان وأربعين بعد المائة من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله أفضل الصلاة والسلام، وقبض ( عليه السلام ) من دار البوار إلى دار القرار والدوام وهو ابن تسع وأربعين سنة وأشهر كما في الكافي لثقة الاسلام وهو الذي عليه عمل الشيعة الابرار في شهر صفر سنة ثلاثة ومائتين في اليوم السابع عشر كما اعتمده ثقة الاسلام، وهو الذي تعمل به الشيعة الاخيار في هذه الاعصار في يوم الاثنين وقيل يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان من تلك السنة، وقيل يوم السابع والعشرين من شهر صفر والله العالم بالصواب، فينبغي لاهل الايمان المواظبين على الطاعات لبس شعائر الاحزان في هذه الاوقات وعلى هذا يكون مدة إقامته ( عليه السلام ) مع أبيه تسع وعشرين سنة وشهرين، والعقب من بعده في ولده الامام محمد الجواد ( عليه السلام ) وقيل لم يخلف سواه من الاولاد وأمه أم ولد وكنيتها أم البنين واسمها تكتم كما اعتمده الصدوق (ره) في عيون الاخبار، وقيل سكن، وقيل أروى وقيل نجمة وعليه يدل غير واحد من الآثار وهو وأخوه القاسم ( عليه السلام ) وأخته فاطمة المعصومة في قم من أم واحدة.
وألقابه:
الرضا، والصادق والضامن، والصابر، والفاضل، وقرة أعين المؤمنين، وغيظ الملحدين، وأشهرها: الضامن والرضا وإنما لقب به لانه كان رضا الله في سمائه ورضا الرسول في أرضه ورضا الائمة من بعده ورضي به المخالفون من أعدائه وضده، كما رضي به الموافقون من أوليائه وجنده ولم يكن ذلك لاحد من آبائه ( عليهم السلام ) بالنسبة إلى غير أوليائه لانه ( عليه السلام ) رضيه المأمون لولاية عهده.وفيات الأئمة المؤلف : من علماء البحرين والقطيف: ص 299-314.